االتشرذم الكوردي الى اين

االتشرذم الكوردي الى اين

Nov 04 2018

االتشرذم الكوردي الى اين
محمد عبدالكريم

ان حالة الاستعصاء النهضوي الراهنة التي تعيشها الشعب الكوردي واستمرار الفرقة والتشتت ،اذ تدمّر أحلاما عديدة طالما راودت الامه الكورديه خاصة في ظل النكسات المتتالية والمؤامرات المتوالية ، فإنها تمثل أرضا خصبة وحافزا هاما للإشتغال على هذا الواقع المتردي واذكاء الوعي الجماعي بضرورة التوحّد والتفكير في مشاريع فكرية – واقعية جادة تولي العامل الوحدوي دورا رئيسا في عملية التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، وتحاول كسر طوق التأخر الذي يحبس اللاحزاب الكورديه خارج أسوار العصر .

وقد شهد التاريخ الكوردي المعاصر محاولات جادة لبناء منظومات فكرية متكاملة تحمل البعد القومي في أسسها وأهدافها وتحاول الاستجابة لتطلعات الشعوب ، وبالرغم من نجاحها النسبي في استقطاب الجماهير من مختلف الطبقات الاجتماعية فإنها شهدت فشلا على الصعيد الواقعي التطبيقي لعدة أسباب موضوعيّة أهمها غياب استراتيجية واضحة المعالم لوحدة ذات بعد قومي تامة الشروط وعدم مراعاة الظرفية العالمية وحقيقة الصراع الاقليمي مع المناطق الكورديه والمشروع الكوردي المتمثل بقيادة الرئيس البارزاني و اجتثاثه السمة المميزة للخطاب السياسي فيما تم تغييب الجانب التنموي والتكامل الاقتصادي والاجتماعي الكوردي والاقتصار على تجارب حزبويه ضيقة منيت بفشل على الصعيد الواقعي التطبيقي وحياد عن النظرية المرسومة فكان أن سقطت هذه المشاريع الفكرية في الطوباوية في التعامل مع قضايا و ووقائع جدا حساسة وأعادت الحلم للإنسان الكوردي فيما حافظت بل وعمّقت بؤسه ومعاناته وكرّست مع الزمن حالة الاحباط وانعدام الثقة في كل مشروع ينادي بالوحدة ليذكر بالأحلام الموؤودة والشعارات الكبرى والانجازات المخيبة للآمال .

ان الدوغمائية والطوباوية في التفكير والانسياق وراء الأحلام و السقوط في الانانيه والاذ اذيه الحزبيه مثلت الخلل الأهم في بناء المنظومات الفكرية الوحدوية السابقة في جانبيها النظري والتطبيقي ، وكان ذلك نتيجة حتمية لحالة الاستلاب والتهميش الذي عاشته الفئات المتثقفة الكورديه ...، فكانت في حالة وعيها المستلب في حاجة ماسة الى الانتقال الى مواقع الوعي المطابق لحاجيات التقدم للفكر الكوردي ، ذلك الوعي الذي يشترط قدرا من المصالحة مع الذات وقدرا أكبر من الحرية في الانتاج والتفكير بكل عقلانية والنظر للواقع بموضوعية بتفكيكه و تحليله واعادة بنائه على الصعيد النظري بكل استقلالية مع الدفع نحو المصالحة بين العمل الفكري الضروري للإنتاج و العمل السياسي الضروري للممارسة والتطبيق .

ان معركة الفكر الكوردي اليوم تتجاوز تلك الثنائيات التي أذكت الصراع بين المفكرين والتيارات السياسية الكورديه في وقت ما ، والتي تمحورت حول ثنائية أولوية الايديولوجيا الإشتراكية أم الليبرالية لبناء الصرح الوحدوي ومن جهة أخرى ثنائية الخيار العسكري ام الخيار السياسي في التعامل مع الكيانات الاقليميه واجندتها من التيارات الكورديه العميله و ثنائية الوحدة السياسية أولا ام الوحدة الاقتصادية ...إلى غير ذلك من الاختلافات التي تحولت الى خلافات و أدت الى شكل جديد من التشرذم والتشتت والانقسام الفكري في قضية مصيرية تهم الشعب الكوردي في وجوده ومستقبله .

اذا كانت هذه الانسياقات الايديولوجية قد أذكت في السابق هذه الاتجاهات والثنائيات فإن غياب الاساس العقلاني للمشروع الوحدوي الكوردي كان من أبرز العوامل الدافعة إلى التباس الفكر واستلابه وعدم وضوحه وتعاليه عن القضايا الجوهرية للواقع وعجزه عن القبض على شروط النجاح والتي لا تنبني إلا على أساس وعي عقلاني مطابق ينطلق من الواقع ليعود اليه دون ابتذال أو اغفال و دون تخيل وطوباوية ...اعتمادا على مناهج علمية واضحة وحقول مفهومية كتوسّطات ضرورية تبسّط تشعبات الواقع بتنوع ظواهره وتعقد نظمه وتطوره المستمر وتجعله جاهزا للوصف والتحليل وتجعل من امكانية صياغته في مشروع فكري نظري غير متعال عن الواقع الملموس يعاد اختباره وتجريبه عبر الممارسة فيتم تصويبه على ضوء تفاعله مع الواقع فتوظيف النظرية للواقع بقدر ما يوظف الواقع للنظرية في جدلية مستمرة . ولذلك نرى الاجندات الاقليميه في اجزاء كوردستان في حالة استنفار تام لفشل اي قوى كورديه تطالب بالوحده والاستقلال

، لذلك تبدوا عقلنة وعلمنة الفكر الوحدوي الكوردي ضرورة واقعية تفرضها شروط الوحدة المرجوة ، غير أن نبذ الأصولية في التفكير لا يعني بأي حال التعالي عن الهوية الثقافية للمجتمع الكوردي فنجاح الفكر الوحدوي مشروط بالتصاقه وانطلاقه من هوية الشعب الكوردي بمختلفه تشكلاته الدينية والمذهبية و مراعاة هوية العرقيات التي تمثل أقليات تشارك الكورد في الجغرافيا والوطن ...وعلى أساس ذلك يبدوا الفكر العقلاني الأكثر مشروعية في مخاطبة الفرد و الأكثر قربا من مشاغله بقدر ما يبتعد عن التصنيفات العقدية والعرقية الضيقة ...فأساس المواطنة هو القاسم المشترك بين كل مكونات المجتمع على أساس الحريات المكفولة والمضمونة للجميع على قدم المساواة.

وبالتوازي مع نبذ الفكر الرجعي الأصولي أثبتت التجارب السابقة فشل اسقاط الايديولوجيات الجاهزة ذات المنشأ الديني ومحاولات تطويعها على الواقع الكوردي المختلف ثقافة و تاريخا ومستوى تقدم اقتصادي واجتماعي وفكري ...فأكدت مرة أخرى فشل أي فكر مهما كان تقدميا ما لم ينبع من حاضر المجتمع وخصوصياته وما لم يستجب لمتطلباته ويكون مطابقا للواقع مع شرعية الاستفادة من تجربة الأخر

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1195