ماكرون يتمسك بالتواصل مع بوتين رغم العراقيل

ماكرون يتمسك بالتواصل مع بوتين رغم العراقيل

Jan 01 2023

توجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء أمس، كغالبية رؤساء الدول في العالم، بكلمة لمواطنيه بمناسبة حلول العام الجديد، وهي المرة السادسة التي يفعل ذلك بعد إعادة انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات في الربيع الماضي.

وعمد ماكرون إلى رسم الخطوط العريضة لسياساته الاقتصادية والاجتماعية في الداخل، من غير أن يقفز فوق الأزمات العالمية، وأولها الحرب في أوكرانيا لما لها من انعكاسات على الأوضاع الداخلية، خصوصاً في موضوع الغاز والنفط. وعمد ماكرون في كل كلماته الرسمية منذ بداية الحرب، على تأكيد وقوف باريس إلى جانب كييف التي تواجه الحرب الروسية عليها منذ ما يزيد على عشرة أشهر.

وخلال الأشهر المنقضية من هذه الحرب، لا بل قبل اندلاعها، سعى ماكرون للعب دور دبلوماسي فاعل، مراهناً على العلاقة التي سبق له أن نسجها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي زاره في موسكو بداية فبراير (شباط) قبل أقل من ثلاثة أسابيع على بدء «العملية العسكرية الخاصة». وواظب على التواصل معه سعياً للتوصل إلى هدنة أو وقف لإطلاق النار يمهد لمعاودة المفاوضات مع الجانب الأوكراني.

بيد أن تصريحات صدرت عنه في فترات متلاحقة أغاظت شركاء لفرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، ومنها عندما دعا إلى «عدم إذلال روسيا»، أو عندما أشار مؤخراً إلى ضرورة «توفير ضمانات أمنية لها» في إطار المفاوضات التي ستؤول إلى هندسة أمنية جديدة في أوروبا.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) المنتهي، عاد ماكرون ليؤكد أنه عازم على التواصل مجدداً مع بوتين متسلحاً بأمرين. الأول، زيارة الدولة الناجحة، وهي الثانية من نوعها التي قام بها إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث كان الملف الأوكراني رئيسياً في محادثاتهما. ومن واشنطن، أكد ماكرون أنه سعى للحصول على «تفويض جماعي» للحديث مع الرئيس الروسي.

والثاني، المؤتمران اللذان استضافتهما باريس في 13 الشهر نفسه، الأول دولي والثاني ثنائي فرنسي - أوكراني من أجل توفير الدعم لكييف.

وجمع الأول مساعدات جديدة تزيد على المليار يورو وهي مخصصة للبنى الأساسية «طاقة ومياه وصحة ومواصلات وبنى تحتية»، التي ستمكن من اجتياز الشتاء وإبقاء الخدمات الأساسية متوفرة للسكان. وبرر ماكرون، قبل أسبوعين، رغبته بالاتصال مع بوتين بمواصلة العمل مع موسكو والوكالة الدولية للطاقة الذرية لتأمين محطة زابوريجيا، كبرى المحطات النووية في أوروبا والواقعة تحت الاحتلال العسكري الروسي.

وتركز مساعي الوكالة على سحب الأسلحة من محيط المحطة لتجنب تعرضها للقصف. أما الأمر الثاني، فهو دعوة بوتين لوقف استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً إنشاءات الطاقة والكهرباء والمياه، وهي أعمال وصفها بأنها تشكل «جرائم حرب».

حتى اليوم، ليس في الأفق موعد محدد لما يريده الرئيس الفرنسي، الذي أفاد أنه سيعمد إلى الاتصال ببوتين «عندما تنضج الأمور». بيد أن مصادر أوروبية في باريس ترى أن هناك «تمنُّعاً» روسياً لقبول التواصل مع ماكرون.

وذلك لسبيين. الأول أن الكرملين يرى أن فرنسا لم تعد مؤهلة للعب دور الوسيط لأن مواقفها لم تعد مختلفة عن المواقف الأميركية والأطلسية بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا، وأنها تنشط لشد الخناق الدبلوماسي والاقتصادي على موسكو بعكس ما كان عليه موقفها في الأشهر الأولى من الحرب.

والثاني أن موسكو لم تتردد في التعبير عن حنقها من بث تسجيل مصور لمكالمة هاتفية من تسع دقائق حصلت يوم 20 فبراير الماضي بين ماكرون وبوتين في برنامج وثائقي للقناة الثانية الفرنسية، ليل 30 يونيو (حزيران) الماضي. وقال لافروف في 6 يوليو (تموز) بهذا الصدد إن «الأعراف الدبلوماسية لا تتقبل تسريبات أحادية الجانب لتسجيلات كهذه».

وما يؤشر على رغبة روسية لـ«مقاطعة» ماكرون ما أعلنه الكرملين من أن ماكرون، مثله مثل الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس، لن يتلقى معايدة من الرئيس بوتين. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الجمعة إنه «ليس لروسيا اتصالات (مع الثلاثة) في الوقت الحاضر»، وإن «الرئيس» بوتين لن يهنئهم «بحلول العام الجديد» بالنظر إلى الإجراءات غير الودية التي يتخذونها «بحق روسيا» بشكل مستمر.

قد يكون الجانب الروسي قد تجاوز المسألة البروتوكولية المرتبطة بالبرنامج التلفزيوني. لكن السؤال الحقيقي يتناول ما يمكن للرئيس الفرنسي أن يقدمه لنظيره الروسي مقابل التعاون معه، علماً بأن دبلوماسية ماكرون في الملف الأوكراني لم تفض إلى أي نتائج إيجابية رغم الدينامية التي تدفع ساكن الإليزيه إلى التحرك المستمر.

وثمة عاملان إضافيان: الأول، أن مواقف باريس لم تعد تختلف كثيراً عن مواقف الأطراف الأكثر تشدداً إزاء موسكو، وتحديداً عن الموقف الأميركي إن كان بشأن تواصل فرض العقوبات على روسيا أو مدها بالأسلحة والمساعدات مختلفة الأشكال على الصعيد الفرنسي أو الأوروبي. والثاني يتناول إمكانية التأثير على مواقف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

والثابت أنه إذا كان لجهة ما القدرة على لي ذراع زيلينسكي والتأثير على مواقفه بما في ذلك العودة إلى طاولة المفاوضات ورسم الخطوط الحمراء الواجب التقيد بها، فإنه يتعين البحث عنها في واشنطن، وليس في أي عاصمة أوروبية مهما كانت ديناميتها الدبلوماسية، وهو ما ينطبق على الرئيس ماكرون.

169