موفق نيربيه: ليس من مصلحة حزب العمال الكوردستاني تفكيك مشاكل كورد سوريا

موفق نيربيه: ليس من مصلحة حزب العمال الكوردستاني تفكيك مشاكل كورد سوريا

Jul 21 2022

آرك نيوز... أجرت صحيفة " كوردستان" حوارا شاملا مع المعارض السوري موفق نيربيه، حول آخر المستجدات والمتغييرات في المنطقة ومآلات الثورة السورية والعديد من المواضيع المتعلقة بتدخلات حزب العمال الكوردستاني بالإضافة إلى المعارضة السورية وأسباب عدم تحقيق أهداف الثورة في إسقاط نظام بشار الأسد والعديد من المواضيع الأخرى. ونشرت الصحیفة الحوار على جزأين وجاء في الجزأء الثاني والأخير من الحوار كما نشرتها صحيفة كوردستان:

في الجزء الأخير من الحوار الشامل الذي أجرته صحيفة «كوردستان» مع الأستاذ موفق نيربيه، المعارض السوري المعروف، يقول عن إمكانية تخلّص السوريين من عدة احتلالات لبلدهم: هنالك عدة احتمالات أمامنا: إما أن نشكّل جبهة تحرير وطنية تشنّ حرباً شعبية في وجه كل هذه الاحتلالات لإنهائها؛ أو أن يلهم الله هؤلاء المحتلين كلّهم ليتفقوا على الخروج المتزامن وترك البلد لأهله يبنونه أو يخربونه كما يريدون؛ أو أن نساعد وندفع في حراك منظّم وقوي وشامل باتّجاه تسوية تلتزم بالقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الشعب السوري بمستقبل من دون استبداد لا بالفرد المواطن ولا بالمكوّنات ذات الحقوق أيضاً.

وحول رأيه في الحوار الكردي الكردي الذي توقف بشكل نهائي حالياً يضيف: شخصياً، أعتبر الحوار الكردي الكردي مدخلاً لأي حوار سوري- سوري آخر. وتأتي قناعتي هذه انطلاقاً من عقدة القضية السورية الرئيسة- من الجهة المعارضة للاستبداد- هي المسألة الكردية. والكرد كالعرب وكالمسلمين، يتأثّرون كثيراً بالقوى الخارجية، ويستخدمونها في صراعاتهم الداخلية الأكثر أهمية من الصراعات المبدئية.

وعن تواجد العمال الكردستاني في كوردستان سوريا بهذا الشكل، يرى السيد نيربيه:
ليس من مصلحة حزب العمال الكردستاني تفكيك مشاكل كرد سوريا، بما في ذلك حلّ قضية الموارد من نفط وغذاء فسلاح، والقضية الأم تحتاج منهم التضحيات. ليس من مصلحة تركيا أيضاً، على ترجمتها لمفهوم «الأمن القومي»، أن يستريح الكرد السوريون ويستقرون في بيوتهم قرب الحدود التركية.
فيما يلي بقية الحوار مع السيد نيربيه

يستطيع الوطنيون السوريون تجاوز أنفسهم والعودة للبلد
*الكثير من المراقبين للوضع في سوريا، يقولون إنه من الاستحالة تحسين وضع المعارضة السورية لأسباب عديدة، لعل أخطرها ارتهانها لأجندات خارجية، والابتعاد عن أوجاع السوريين، ماذا تقول؟
لماذا يكون ذلك" من الاستحالة"؟! ألا يستطيع الوطنيون السوريون، وأنا واثق أن معظم السوريين وطنيون،، لا يمكن أن تنسيهم الارتباطات الخارجية واجبهم حين يكون الخطر على مستقبل بلدهم ووجوده داهماً؟؟ ألا يستطيع الوطنيون السوريون تجاوز أنفسهم والعودة إلى البلد جامعاً مجتمعاً: هل يشكّل الشمال الغربي"وطناً" أم ذلك في الشمال الشرقي؟! أم في سوريا" المفيدة المتجانسة"؟! لقد صدق البعض- وهم قلة بشكل جدّي- أن حكومته حكومة حقيقية، سواء في دمشق أم إدلب أم جرابلس أم القامشلي!
في إشارة السؤال إلى" الابتعاد عن أوجاع السوريين" ما يمسّ القلب والعقل. فقسم من السوريين لم يعد يرى في سكان منطقة أخرى من بلده مواطنين له، بل هم رماديون أو متطرفون و" أبوجيين" وحسب... بل حسبي الله ونعم الوكيل! وتزاد المسافة شقّة وبعاداً، وهنالك الكثير مما يمكن أن يُقال ويُفعل.

توسيع الائتلاف نغمة تتكرر بين الحين والآخر
*في العام 2020 كتبت مقالة مهمة بعنوان" بضع كلمات في أذن الائتلاف السوري" هل وصلت كلماتك؟
لا أعتقد ذلك. وإن وصلت بالفعل إلى أذن الائتلاف فقد خرجت إلى الهواء من الأذن الثانية. ومرت مرور الكرام.
كانت هنالك أمثلة بسيطة حول الإصلاح، تطرح على سبيل المثال مسألة" توسيع الائتلاف" النغمة التي تتكرّر بين فترة وأخرى، ويغرق بعدها في توسيع التمثيل الطائفي والإثني والديني والعشائري. وكذلك مسألة التنظيم الذي وُلد مشوّهاً وإسلاموياً لا تشوبه إلّا بضع" شامات" ديموقراطية مختلفة، لم يستطع الحفاظ عليها حين خرجنا منه واحداً إثر الآخر وخلال فترة قصيرة. ثمّ جاءت مسألة العسكرة وخروج جسمها عن انضباطه أمام الائتلاف إلى انضباط آخر أمام الداعم أو الفقيه. وأخيراً مسألة الاستراتيجية الوطنية، التي استطاع بتفلّته من واجباته أن يدفع بها إلى طريق مزدوج بين آستانا وجنيف، ثم إلى طريق أحادي" آستاني" كما يبدو ويُحتَمل بعد الاجتماع مؤخراً في كازاخستان.

المطلوب جبهة تحرير شعبية لإنهاء الاحتلالات في سوريا
*الأرض السورية مستباحة من قبل احتلال دولي " أمريكا- روسيا- إيران – تركيا" إضافة الى الميليشيات الطائفية، وحتى النظام، وإلى حد ما المعارضة المسلحة، كيف السبيل لتحرير سوريا من كل هذه الاحتلالات؟

هنالك عدة احتمالات أمامنا: إما أن نشكّل جبهة تحرير وطنية تشنّ حرباً شعبية في وجه كل هذه الاحتلالات لإنهائها؛ أو أن يلهم الله هؤلاء المحتلين كلّهم ليتفقوا على الخروج المتزامن وترك البلد لأهله يبنونه أو يخربونه كما يريدون؛ أو أن نساعد وندفع في حراك منظّم وقوي وشامل باتّجاه تسوية تلتزم بالقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الشعب السوري بمستقبل من دون استبداد لا بالفرد المواطن ولا بالمكوّنات ذات الحقوق أيضاً.
هذا هو العنوان المحتمل- الثالث- وهو يحتاج إلى ورشات وهيئات استشارية لرسم الطريق والبرنامج وتنظيم الحراك... إلخ

كانت المعارضة جزءاً من السلطة!!
*الكثير من وجوه المعارضة السورية لا تقل عنصرية ولا سوءاً عن النظام فيما يخص الموضوع الكردي في سوريا، وتهمة الانفصال واقتطاع جزء من الأرض السورية جاهزة، ترى من المسؤول عن هذا القصور أو التقصير؟
ظهرت الدعوة القومية العربية، وانتبجت تحت ضغط تلك التركية في أواخر العهد العثماني، ثمّ تعزّزت وتورّمت بتأثير النزعة القومية الاشتراكية التي ظهرت في نازية ألمانيا وفاشية إيطاليا؛ واستمرّ الوضع على فوران حتى ضبطه استبداد البعث بحيث يُستخدم أداة لتعزيز قبضة الاستبداد من دون أيّ دلالات أخرى. بعد تعبيرات قومية قمعية متفرقة ابتدأ العنف المنظّم عن طريق مشروع الحزام العربي والغزوات العسكرية والبوليسية. كلّ ذلك والإعلام التحريضي يعمل من دون توقّف في آذان الناس...

كانت المعارضة جزءاً من السلطة، أو كانت ولا زالت في موقع انتزاع الشرعية على شروط النظام: إثبات أنها ليست" خائنة" للأمة، لا تؤيّد الانفصال والانفصاليين، لا تتبع آراء العالم وقوانينه الشكلية حول حق تقرير المصير.. بل لا تقرير مصير إلّا" لنا"...
طريق البراءة ذاك، وطريق المزاودة في باب القومية على الحكم المستبدّ بالجميع، يدفعان معاً باتّجاه تضييق الفتحة ما بين معارض عربي وآخر كردي، ويدفعهما معاً باتّجاه حضن النظام أحياناً.

حين ضاقت العبارة القومية اتّسعت الرؤية المنفتحة، وأصبح ممكناً الانعتاق من أسر الفكر المنغلق إلى الحداثة والتحرر، حدث ذلك وينبغي أن يحدث أكثر، لكن فائض القومية التركية حالياً ينضاف إلى القوى الضاغطة، وفائض القومية الكردية لا يساعد كثيراً بدوره... من المهمّ أن ينظر كلٌّ إلى تقصيره الخاص، حتى تزداد انتقاداته للآخر مشروعية وجلاءً... وليس الطريق سهلاً، أعترف بذلك وأقرّ!

هنالك بيوت وأراض تحتاج إلى عودة أهلها
*كيف تنظرون الى الانتهاكات الحاصلة في عفرين وسري كانييه وكري سبي وتأثيرها العميق مستقبلاً على العلاقات العربية الكردية في سوريا؟
سيكون التأثير المباشر على العلاقات العربية والكردية كليهما مع تركيا، ثم في دقّ لمزيد من الأسافين ما بين العرب والكرد أنفسهم. هنالك في عفرين ورأس العين وتل أبيض إحلال لسكّان مكان سكان، وتهجير قسري لسكان، وتغيير في التعليم وإجراءات القضاء والإدارة، وهيمنة للولاة الترك على ما يجاور ولاياتهم من الأرض السورية.. يتجلّى الأمر في عفرين خصوصاً: فقد فرّ قسم من سكانها من بيوتهم وأراضيهم أمام الاجتياح التركي، ثمّ الفصائل المسلّحة السورية التي تدور في الفلك التركي، ثمّ حلّ المُهجّرون من الغوطة وحمص وغيرهم في البيوت الفارغة، كما قامت السلطات مركبة تتداخل فيها العصبية القومية مع الدينية مع التسلّط والفساد برعاية الأتراك من فوق...

إذن: هنالك بيوت وأراض تحتاج إلى عودة أهلها، ومطاره هؤلاء مشغولة بالمهجّرين أو بعائلات المقاتلين في الفصائل، وهناك تخريب وتجريف للأراضي ولحقول الزيتون وقائمة طويلة من الانتهاكات... هنالك الكثير ممّا يمكن حلّه، وهنالك الكثير أيضاً ممّا يتطلّب عملاً جدياً وصبوراً من الجميع، في ظرف وضع فيه الاحتلال التركي المهجّر العربي في مواجهة مهجّر كردي، وترك الجميع يتبادلون الشتائم. فعل ذلك حزب البعث سابقاً، حين جاء بالبسطاء من أهل الغمر وأسكنهم في الحزام العربي، وترك الكلّ يتصايحون ويهدّدون ويتقاتلون.
نعم هنالك الكثير من العمل، وتنظيف البلد مما حلّ به ويحلّ سيحتاج إلى ورشات جبارة في المستقبل.

الإدارة الذاتية شكل تسلطي في الحكم
*ما رأيك بالإدارة الحالية التي تسمي نفسها " الإدارة الذاتية" في مناطق شمال شرق سوريا؟
التحدّي القائم هنا- بيننا- هو أن أتكلّم بصراحة ووضوح كما أظن، وهذا ربّما يكون في مصلحتي أو لا يكون، ولكن لا بأس.
أعتقد أولاً أن الإدارة الذاتية هي شكل حوكمة خاص، رأينا بعض مظاهره في تجارب شمولية سابقة، في حين أن بعضها الآخر مستحدث بمجمله. وهنا سأختصر لأنّ الحديث يطول: الإدارة الذاتية شكلّ تسلّطي في الحكم، وهو تجريبي أيضاً بل غرائبي أحياناً. ولكنّه عموماً أكثر: تهذيبا" من أشكال الحكم التسلّطي التي نعرفها، وما زال غضاً ومتحمّساً يخالطه الحماس والالتزام، ويؤمن بالفعل أنه يبني عالماً جديداً وعادلاً، كما آمن الثوار الأوائل في الكثير من بلدان العالم، وتحوّلت ثوريّتهم وعصبيّتهم الثورية بالتدريج إلى التسلّط.

يكمن بعض المشكلة برأيي في" الإيديولوجيا": قيادة الإنسانية، الحضارة الديموقراطية، الأمة الديموقراطية، أخوة الشعوب، وأربعون كتاباً لعبدالله أوجلان، أسّست لحزب العمال الكردستاني- المولود في سوريا رسمياً، أو الذي بلغ الفطام فيها على الأقل- ثم قام عليها تأسيس حزب الاتحاد الديموقراطي، نواة الإدارة الذاتية ومسد وقسد... وأعتقد أن فكّ الارتباط ما بين الحزبين أمر مصيري وفي منتهى الضرورة، ولكنه أيضاً في منتهى الصعوبة، على الأقل بسبب وحدة الإيديولوجيا والرموز، ما لم يكن بسبب تشابك المسارين أساساً.
أعتقد أن هنالك أساساً للاعتقاد بأن تغييراً ما يتخمّر، ويحتاج إلى تشجيع، بدلاً من إثارته واستدعاء أسوأ مظاهره. ويمكن أن يتمّ هذا من دون سكوت على السياسات الضارة مباشرة.

كما أنه ينبغي أن يكون واضحاِ أنه إن كانت التسوية والمصالحة والمشاركة مطلوبة، فهنالك تنازلات لا بدّ من أن تكون ملحوظة، ويكون الجميع على استعداد لقبولها.

ليس من مصلحة حزب العمال الكردستاني تفكيك مشاكل كرد سوريا
*كيف تقرأ الحوار الكردي – الكردي بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي؟ وهي المتوقفة منذ حوالي السنة والنصف؟
شخصياً، أعتبر الحوار الكردي الكردي مدخلاً لأي حوار سوري- سوري آخر. وتأتي قناعتي هذه انطلاقاً من عقدة القضية السورية الرئيسة- من الجهة المعارضة للاستبداد- هي المسألة الكردية. والكرد كالعرب وكالمسلمين، يتأثّرون كثيراً بالقوى الخارجية، ويستخدمونها في صراعاتهم الداخلية الأكثر أهمية من الصراعات المبدئية. لذلك أعتقد جازماً أن سبب عرقلة الحوار الكردي الكردي يتمركز خارج الحدود، شمالاً في تركيا كطرف يستطيع الضغط على المجلس الوطني المشارك في الائتلاف المتمركز في استنبول، وفي الشمال الشرقي في جبال قنديل. كلا الطرفين لا يرى شيئاً حين يفكّر في هويّة عدوّه، إلّا الآخر. كلا الطرفين يريدان حل القضية الكردية- التركية على أرضنا، ويريدان بقاء المربط في أنقرة. ليس من مصلحة حزب العمال الكردستاني تفكيك مشاكل كرد سوريا، بما في ذلك حلّ قضية الموارد من نفط وغذاء فسلاح، والقضية الأم تحتاج منهم التضحيات. ليس من مصلحة تركيا أيضاً، على ترجمتها لمفهوم «الأمن القومي»، أن يستريح الكرد السوريون ويستقرون في بيوتهم قرب الحدود التركية.

ورداً على سؤال يتعلّق بعلاقة المجلس الوطني بأربيل وإمكان كون الأخيرة معرقلاً كذلك، أعتقد أن من مصلحة الإقليم نجاح الحوار الكردي السوري، وليس العكس. في حين أن رؤوساً حامية فيه، تتيح درجة حرارتها للسياسة التركية مجالاً لممارسة تأثيرها المباشر.
يكاد يكون الحوار قد أنجز مهامه الأصعب في عام ٢٠٢٠، من رؤية سياسية واتفاقات مبدئية أخرى، بوساطة ونوايا طيبة من الأمريكان والفرنسيين (والسيد عبدي أيضاً)... وأتمنى أن يسمعني المعنيون على هذا المنبر الكريم، ويحزموا أمرهم. ليس من تسوية بلا تنازلات أبداً، ما لم تكن المسألة مجرّد شروط استسلام، ولا تسمح البيئة السورية بكلّ مكوّناتها بانتصار حاسم لأيّ طرف.

لست ضد الطرح الفيدرالي في سوريا
*ما رأيك في النظام الفيدرالي وهل هو شكلٍ من أشكال الحل لحقوق الشعب السوري وخاصة ان الكرد يطالبون بالنظام الفيدرالي في سوريا حال التخلص من النظام الحالي، هل أنت مع هذا الطرح؟
أفضّل القول إني لست ضدّ الطرح الفيدرالي في سوريا، على الأقل حتى نفتح الطريق لمناقشة شكل هذه الفيدرالية وعلاقتها بكلّ سوريا. ليس المفهوم أو الكلمة ما يهمّ عملياً: هنالك بلدان فيدرالية من دون ذكر ذلك، وكونفدرالية مع تسمية مختلفة أيضاً، وهنالك لا مركزية سياسية واضحة من دون نصّ مباشر أيضاً. أتفهّم الكرد السوريين في أنهم يحتاجون إلى توقيع واضح، يحمل دلالات تاريخية، لضمان حقهم في الحكم الذاتي في إطار سوريا واحدة. وبعضهم أو كثير منهم يرون مفهوم الفيدرالية باباً معقولاً لذلك. اختصاراً للأمر أقول معظم الأوقات أنني مع الفيدرالية، وأعرف أن معظم الأمم المتقدمة وكثيراً من تلك غير المتقدمة كثيراً تتبنّى الفيدرالية؛ ولطالما قلت أنني أرى في" الاتّحادية" الألمانية مثالاً رائعاً ضمن الدستور ألّا يُمَسّ ولا يخضع لتعديل، ليس لتأمين حقوق الولايات وحسب، بل أيضاً لمنع قيام سلطة مركزية قوية يمكن أن تعيد أسطوانة الاستبداد. في الولايات المتحدة أيضاً يمنع الدستور تعديل أو المساس بالصلاحيات الفيدرالية... وغيرها كثير.
لذلك، ومع الاستعداد لتقبل كلّ الأفكار الجديدة، أعتقد مبدئياً أن الفيدرالية حلّ للقضية الكردية، وربّما تكون حلاً لمناطق مختلفة أيضاً في سوريا وللسوريين جميعاً... ويحتاج الأمر في بعض التفاصيل إلى أهل الاختصاص.

لم يعد النظام السوري قادراً على الانتصار على السوريين
*النظام منتشٍ «بانتصاراته» الكبيرة، وتنفتح الدول العربية وحتى المجتمع الدولي عليه، ومن الممكن أن يحضر في مؤتمر الجامعة العربية بالسعودية، هل تم إعادة تدوير النظام بنجاح؟ ولماذا فشلت المعارضة في تقديم صورة حسنة عن حالها، وبالتالي توحيش نظام الأسد؟
لا أعتقد أن النظام منتصر حتى الآن، ولا أعتقد أنه قادر على الانتصار بعد الآن أيضاً. هو- بالكثير من رموزه- في طريقه إلى المحاكم الدولية للمساءلة عن جرائمه. ولكنه رغم ذلك يحقّق" نجاحات" في تطبيع علاقاته مع بعض العرب، من دون انفتاح كافٍ للأبواب حتى الآن. أولئك العرب يريدون استباق الأمور وحجز مقعد في مناقصات إعادة الإعمار، أو إنهم يرون- تصورّوا!- إمكانية لاستخلاص النظام من بين الأيدي الإيرانية.

ولا أعتقد أن حضوره اجتماعات الجامعة العربية وارد حتى الآن، بل ربّما سيزداد صعوبة مع المتغيّرات الدولية الأخيرة... ربّما، ولا أجزم.
والمعارضة السورية تتحمّل مسؤولية كلّ ما حاق بنا، مع القوى الإقليمية والدولية بالطبع. وهي تستحق ما حدث ويحدث لها وأكثر، بل ينبغي تصفية حسابها مرة وإلى الأبد، وتخليق بنية مختلفة تماماً، يُستحسن ألّا يكون من بين عناصرها أبنا تجربة المعارضة تلك.
سوريا المستقبل يجب أن تكون دولة لامركزية ومتعددة القوميات وديموقراطية
*كيف تنظر إلى شكل الدولة السورية في المستقبل؟
أراها- في الحلم والعلم- دولة موحدة ضمن حدودها الدولية وذات سيادة؛ دولة لا مركزية ومتعددة القوميات؛ دولة ديموقراطية حديثة ينفصل فيها الدين والدولة؛ دولة تضمن معاً: المواطنة المتساوية وحقوق كلّ المكوّنات القومية والدينية والطائفية؛ دولة كرامة وحقوق إنسان على النسق المضمون في الشرائع الدولية؛ دولة يحمل مواطنوها هوية سورية ويكون اسم بلدهم كما كان أساساً: الجمهورية السورية.

المواطنة المتساوية هدف الجميع، وحقوق المكوّنات هدف للمكوّنات
*كيف يمكن حل قضية القوميات في سوريا وخاصة قضية الشعب الكردي؟ وهل يمكن إيجاد حل جامع يتوافق فيه كل الشعب السوري بكل مكوّناته على دستور يحقق فيه طموح الجميع في دولة يشعر فيها الجميع بالانتماء للهوية السورية؟
يمكن حلّ قضية القوميات في سوريا عن طريق الحوار، وتحكيم القانون الدولي وكل الشرائع الدولية الأخرى، إضافة إلى تحكيم العقل وروح التسوية وإرادة الحلّ المشتركة. يمكن حلّ قضية القوميات في سوريا- كغيرها- عن طريق الإقرار بحق الشعوب في تقرير مصيرها، على المعايير الدولية وتجارب الأمم ومفاهيم الحداثة المعروفة.
ونعم: الحلّ ممكنَ!
لا بدّ من تعيين الهواجس عند الجميع أولاً، ثمّ الانكباب على تأمين الضمانات للجميع ثانياً. أعتقد أن سوريا لا مركزية يكون للمناطق ذات الأغلبية الكردية فيها نوع من الحكم الذاتي، مع ضمان مركزية الدولة وتأمين دواعي صمودها واستمرارها، قد يكون جزءاً مهماً من الحل.
ثمّ ينبغي أن يرافق ذلك ضمانات لوحدة سورية، ووحدة هوية مواطنيها، عن طريق- مثلاً- تحديدها كهوية سورية، سورية فيها وطن نهائي للسوريين، وترجع إلى اسمها الذي حملته يوم وُلدت في العصر الحديث.
المواطنة المتساوية هدف الجميع، وحقوق المكوّنات هدف للمكوّنات... ولا بدّ لأي سوريا قادمة أن تضمن منع أي استبداد وأي اضطهاد أو ظلم أو انتهاك لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

استقرار المنطقة معرّض للانهيار
*كيف ترى في التحشدات التركية على الحدود السورية والتهديد بالاقتحام؟ وهل سيتحقق فيها إن حصل أي حرب جديدة في الاستقرار بالمنطقة؟
السؤال غير واضح تماماً، ورغم ذلك سأجيب بما فهمته.
أقول إن خطأ جسيماً قد وقع في عفرين سابقاً، وفي غيرها لاحقاً، وينبغي ألّا يتكرّر ذلك. تلك من مفاهيم العصور القديمة أن يلعب الحكام بالشعوب، يحرّكونها ويغيْرون بنيتها و" يهندسونها". في هذا الزمان ذلك خطر، يمكن أن يولّد انفجارات لاحقة لا يستطيع أحدٌ التحكّم فيها. ما تحدثه تلك الانزياحات من فوضى سوف تنعكس ليس على مقعت برأسه مباشرة وحسب، بل على من تسبّب بها أيضاً.
سوف تختلط الأمور، ويتأزّم صراع كردي عربي من الجهة السورية، ويقدح شراراً إلى الجهة الأخرى ليتأزّم الصراع الكردي التركي أيضاً ... وليتابع طريقه فيذكي كل الصراعات الكامنة. سيكون استقرار المنطقة من جديد معرّضاً للانهيار وتوليد مخاطر غير محدّدة، ولقد اكتفينا، ولا بدّ من رفع بعض القضايا من حقل الانتخابات أو العصبيات المتسرّعة، ومنع استخدامها بل ربّما اعتبارها سلاحاً غير مشروع، بالتشهير والإدانة والضغط على الأقل.

القضية السورية تراجعت بعد حرب روسيا واوكرانيا
*ما هو تأثير الحرب الروسية الاوكرانية على الوضع السوري؟
سوف تتراجع منزلة القضية السورية أكثر مما تراجعت حتى الآن، كما ستنتكس جهود التسوية والعملية السياسية، وقد رأينا بعض بوادر ذلك في الدعوات التي اختتمت لقاء آستانا الأخير إلى إنها مسار جنيف. وغالباً أيضاً سوف تتتابع الانسحابات الروسية على الأرض في أكثر من مكان، وتستفيد إيران من ذلك غالباً. وما لم يجري الانتباه والتركيز، قد تجد الحكومة التركية في تطورات الحرب ما يشجّع على المزيد من المغامرات.
وربما سوف يكون عدم التمديد لقرار معابر المساعدات الإنسانية في مجلس الأمن واحداً من النتائج السورية للحرب الأوكرانية. ليضاف إلى أزمة القمح والطاقة السوريتين بعد جديد، بعد كورونا والجفاف ووقف إمدادات القمح من الدولتين المتحاربتين.

360