السوريون في انتظار كارثة ما!

السوريون في انتظار كارثة ما!

Jul 16 2022

آرك نیوز... جملة تثير القلق والريبة! لكن من وجه مختلف عما تبدو عليه للوهلة الأولى؛ فهل بات السوريون ينتظرون كارثة ما عساها تكون بداية حل لمشكلاتهم المستعصية وكوراثهم غير المنتهية؟

حكومة وطنية
انتظر السوريون حلًا دوليًا يقضي بالانتقال السياسي لحكومة وطنية، سواء بصلاحيات كاملة وفقًا لجنيف/1 عام 2012، أو بحكومة وحدة وطنية تتقاسمها السلطة والمعارضة والمجتمع المدني وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254 عام 2015، أو فرجًا ربانيًا يعيد ذكرى العيد المتكرر لأعوامٍ بلا معناه ومحتواه، يترقبون أضحيةً ككبش إبراهيم الخليل فدوةً لابنه، يستبدل مأساتهم وتضحياتهم بحلٍ يوقف المسار المنحدر لحياتهم وأحلامهم، يوقف تدنى مستويات الهدر الوطني الذي يعيشونه لليوم، يوقف القتل والاعتقال والتهجير والتغير الديموغرافي، يوقف تحولهم للاجئين للمساومة الدولية، وتحول البقية منهم في الداخل السوري لدون مستويات خط الفقر العالمي ومساومات اقتصاد التعافي التي لم تتشكل لها أرضية سياسية للحياة بعد.

لكن، وهذه الـ “لكن” باتت لعنة الحاضر، لم يأتِ هذا الفرج، ولم تثمر لقاءات أستانة الجيوسياسية الثمانية عشر، ولا ثمانية جنيف الدستورية، ولقاءات مجلس الأمن المعطلة بفعل الفيتو الروسي الذي بلغ ثمانية عشر، لليوم بحلٍ ما أو شبهته!

الفيتو الروسي

وللتاريخ، الفيتو الروسي هذا، بلغ خلال عشرة أعوام من المسألة السورية ما يزيد عن ثلاثة أضعاف ما ممارسته روسيا في تاريخها منذ تفكك السوفييت السابق منذ 1989، لغاية 2011 -بدء الثورة السورية- إذ لم تزد عن عدد أصابع اليد الواحدة!
اليوم، السوريون ينظرون بترقب لمجريات الحدث العالمي في قلب أوروبا، في الغزوة البوتينية لأوكرانيا، تلك التي استدعت معها استنفارا عالميا واسع النطاق: زيادة في العقوبات والقيود الاقتصادية على روسيا، المزيد بالدفع بالتسليح لأوكرانيا، مع توعد “قلب الأسد” البريطاني عبر وزير خارجيتها بتوقيع الهزيمة للقيصر الروسي في أوكرانيا، مع انحياز أوروبي شبه كامل لحلف الناتو، حتى بما فيها الدول المعروفة بالحياد تاريخيًا كالسويد والنرويج، واصطفافها المتحفز لمواجهة التمدد الروسبوتيني في قلب أوروبا. وكأنما الحدث العالمي اليوم، يعيد تكرار المشهد العالمي في التمدد الهتلري النازي في أوروبا بدايات الحرب العالمية الثانية!
طبول الحرب العالمية

طبول الحرب العالمية تقرع منذ العام 2014 حسب كيسنجر “ومن لا يسمعها فهو أطرم”، حسب تعبيره! السلام العالمي وأمان الكوكب والحياة على سطحه في خطر وشيك، هكذا تتكلم التقارير العالمية ومؤشرات مجريات الحدث العالمي. ورغم كل محاولات تجنب سيناريوهات الصدام الروسي مع الناتو مباشرة، ورغم التلويح باستخدام السلاح النووي كسلاح ردع يلجم كل الأطراف عن التقدم والتصعيد بالمواجهة المباشرة؛ لكن الواقع العالمي ينذر سوءًا ومعالمه الاقتصادية والطاقية والسياسية واضحة للعيان وآخذة بالتردي بشكل متسارع، ما ينذر بأزمة عالمية، يبدو حسب التاريخ أنها بوادر حرب كبرى.

كرة الثلج

من دمشق لأوكرانيا، بدأت كرة الثلج بالتزايد، وسلسلة التغير في المشهد العالمي بدت واضحة منذ العام 2015، منذ تدخلت روسيا القيصرية عسكريًا في سوريا. التغير الذي أفصحت عنه الدراسات الجيوبوليتيكية الروسية على لسان منظريها العنصريين وعلى رأسهم “ألكسندر دوغين” ومن خلفه مركز “كاتخيون” للدراسات، ومفادها عودة الإمبراطورية الروسية لقيادة الحلف الأوراسي في مواجهة حلف الناتو.

المواجهة التي تفترض: الوصول للمياه الدافئة في المتوسط، والتي تحققت في الساحل السوري، وها هي تثبّت أقدامها على بحري أزوف والأسود المحاذيين لأوكرانيا وجنوب أوروبا؛ وفتح الممرات البرية التي تصل قلب روسيا إلى كل أصقاع العالم، معلنة فتح “بوليفار” روسيا حين تم السيطرة على البوكمال السورية عام 2016، ليصرح دوغين حينها: أن الطريق البري، من موسكو إلى طهران فبغداد ومنها للبوكمال فدمشق وصولًا للمتوسط، بات سالكًا!

ومنذ العام 2017، وبعد معارك حلب الكبرى، تحاول تثبيت وتأمين خطي M4, M5، لتأمين طريق موسكو أنقرة فالساحل السوري. واليوم تتابع المسيرة في أقاليم أوكرانيا الشرقية للوصول لبحر أزوف.

النزعة الجيوبوليتيكية الراسبوتينية

منذ العام 2015 والعالم بأممه المتحدة، ومنظومة عولمته الاستثمارية الربحية النفعية، وعلى مرأى من عينها، تشاهد روسيا وهي تطبّق مخططاتها الجيوبوليتيكية. فرغم تحذيرات الخارجية الأمريكية ومراكز بحثها في تقارير متتالية من عودة تنامي النزعة الجيوبوليتيكية الراسبوتينية تلك، وذلك بدءًا من قضية القرم 2014 والمسألة السورية بالفيتو المتكرر قبل التدخل المباشر العسكري، والمترافقة مع التمدد الإيراني في الشرق الأوسط والتحذير من التنامي الاقتصادي والتقني الصيني المتزايد.

رغم هذا فضل الغرب وبمقدمته الناتو، أو هكذا حَسبها نفعيًا، ترك المسألة السورية وطريقة حلها بنسبة 90 في المئة حسب التصريحات الأمريكية، للاستفراد الروسي عسكريًا، على أن يتم التفاهم على طرق الحلول الجزئية السياسية مع الزمن.

السياسة التي ترجمت بسياسة خطوة مقابل خطوة الأمريكية بداية عام 2021، ولم تنتج لليوم سوى المزيد في تعقيد الملف السوري وانفلاته ناحية أوروبا.

هذا فيما فضلت أوروبا، خاصة فرنسا وألمانيا، لعب دور الوسيط في كل الملفات الدولية، سواء الملف النووي الإيراني، أو القضية السورية، وحتى المسألة الأوكرانية، وذلك في محاولة لتجنب الحرب المباشرة التي ذاقت مرارتها سابقًا في حربين عالميتين كبريين.

اليوم، التمدد الجيوبوليتيكي الروسي، وعبر قيصرها بوتين يقول إنها عودة لعالم متعدد الأقطاب، وليتها كانت كذلك!
فعالم متعدد الأقطاب هو عالم متعادل القوى ومتكافئ الموازين قد يحقق عدالة لشعوب العالم المضطهدة؛ لكنه حسب بوتين هو عالم متعدد الأقطاب يقضي بإحكام الهيمنة بالقوة العسكرية المفرطة وفرض تهجير البشر وذلك من بوابة الدول الضعيفة، أو الزوايا الهشة في السياسات الدولية، والتي تمثلها أوكرانيا اليوم، وسوريا قبلها.

فيما ينذر هذا التمدد باحتمال صاعد للصدام الدولي سواء المباشر منه، أو عبر إقامة التحالفات الإقليمية وتوزع أدوار المواجهة دون الصدام المباشر.

وأبرزها زيادة وسائل التحالف الأوروبي الأمريكي في حلف الناتو في أوروبا، فيما التمدد الإيراني المرتبط بالروسي، بات تحت عين الكشف الإقليمي، وبات التحالف العربي الإسرائيلي الأمريكي قيد الانشاء، خاصة على مستوى الدفاعات الجوية، حسب التقارير المسربة في الآونة الأخيرة. ليأتي تحالف المياه البعيدة الأمريكي، البريطاني، الكندي، والأسترالي لمواجهة التمدد الصيني في السياق ذاته.

فوهة بركان

العالم يقف على فوهة بركان، والقضية السورية التي لم يساهم العالم المتقدم بتقديم حلول جدية فيها تمددت لقلب أوروبا، والقاسم المشترك فيها الجيوبوليتيك الروسي في مواجهة العولمة الأمريكية، ما ينذر بالخراب العالمي.

فيما لو أن أوروبا اختارت، وبين العامين 2013 و2015، المساهمة الجدية في الحلول فيها والالتزام بالمواثيق الدولية التي تعترف بحق تقرير مصير الشعوب، والاعتداد بميراثها العصري في المدنية وسيادة القانون. تلك التي بدأت عليها الثورة السورية، قبل تحولها لمستنقع عالمي لتصفية الخلافات الدولية وقضايا التطرف والإرهاب.

حينها كان يمكن الحديث عن عالم متعدد الأقطاب دون الهيمنة الأمريكية الوحيدة أو الراسبوتينية المضادة، عنوانها الشراكة الأورومتوسطية بين أوروبا والدول العربية الناشئة بحكم الربيع العربي. لكن يبدو أن أوروبا لم تعرف المثل العربي القائل “الصيف ضيعت اللبن!” فيما السوريون اليوم يتساءلون: ما الذنب الذي ارتكبناه؟ وهل بات لزامًا علينا انتظار كارثة عالمية ما، وكأننا أيام الجاهلية وعصر الظلمات؟ فجلّ ما نريده هو جبر خاطر في عيدنا بعد عجز الأمم المتحدة عن تحقيق ولو شبهة حلّ…!

كاتب سوري جمال الشوقي

المقال يعبر عن رأي الكاتب

427