أربيل... قبلة العراقيين للسكن والاستقرار

أربيل... قبلة العراقيين للسكن والاستقرار

Mar 27 2022

قبل 18 عاماً من الآن، كان الحضور العربي في أربيل محدوداً إن لم يكن معدوما، ومن يعرفون العربية يقتصرون على أبناء أجيال ما قبل الانتفاضة الكوردية عام 1991، إذ كانت العلاقات الاجتماعية بين الكورد والعرب متماسكة لقرون عدة، فجنوب كوردستان يعتبر العمق العربي من حيث العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التجارية المتبادلة بين الطرفين، ولكن في فترة الحرب الإيرانية العراقية وظروف تسعينات القرن المنصرم أدت إلى نوع من جمود العلاقات بين الشعبين، ثم عادت العلاقات بالتدريج من بعد 2003 نتيجة الأحداث التي مر بها العراق من تهديدات امنية وسوء خدمات، ومن جهة أخرى الانفتاح الاقتصادي والتجاري والتوسع البنياني الذي تمتع به الإقليم خلال الفترة الماضية.

أربيل الملاذ الآمن
الشيخ عمر صالح الدوحان، أحد وجهاء وشيوخ عشيرة البو علوان المعروفة في العراق والأنبار جاء إلى أربيل بعد اجتياح داعش لثلث مدن العراق ومن ضمنها محافظته التي كان يسكنها أبا عن جد، يقول في حديث لـ (باسنيوز)، إن «أربيل هي الملاذ الآمن لكل المكونات سواء العرب أو الصابئة أو المسيحيين».

وأضاف الدوحان «انتقلت إلى أربيل لأني اعتبرها آامن مدينة في العراق ونقلت جميع أشغالي وممتلكاتي إلى هنا أيضاً وقررت الاستقرار مدى الحياة».

ويصف حول تعامل الآخرين معه قائلاً: «لقد التمست التعامل الحسن من أهل أربيل كذلك التنظيم الذي تتمتع به المدينة والنظافة والحرية والاحترام الذي أتلقاه من أي شخص أتعامل معه سواء من الجهات الأمنية الذين منحوني الموافقات الرسمية لانتقالي إلى أربيل أو من قبل الناس».

ويضيف الدوحان «في السابق كنا ناتي إلى أربيل وباقي مدن كوردستان للسياحة وقضاء الإجازات، أما الآن فهي أصبحت مقر سكننا الدائم».

من جهته يقول الكاتب والباحث علي البيدر لـ (باسنيوز): «انتقلت إلى أربيل لأني كنت مهدداً في بغداد من قبل الجماعات المسلحة»، مشيرا إلى أن «وجود الكثير من المجتمعات المحلية الجديدة كانت الفرصة المناسبة للعيش والاستمرار، وكان اللاجئون العرب من مختلف مناطق العراق المثال الأكبر عن ذلك، بالإضافة إلى أبناء الطوائف المسيحية، وحتى اللاجئون السوريون والقادمون من تركيا وإيران، فرصة مناسبة لخلق بيئة عيش مديد جديدة، ونوعاً ما الانتماء إلى هذه المكان والولاء له».

ويسترسل البيدر بالقول: «عندما تتجول في سوق قلعة أربيل تجد في كل مكان متسوقين عرباً مقيمين في الإقليم أو أتوا من محافظات وسط وجنوب البلاد بقصد السياحة، وتلبية لمتطلباتهم تجد محالاً متخصصة ببيع الملابس العربية التقليدية، الرجالية منها والنسائية. وأينما حللت في المدينة تجد مواطنين عرباً يعملون في كل القطاعات الخدمية والتجارية والصناعية».

اما المواطن سالار عزيز، أحد سكنة أربيل الأصليين يقول لـ (باسنيوز): «أصبح التحدّث باللغة العربية في إقليم كردستان العراق ضرورة ملحة، في ظل وجود عدد ليس بقليل من العرب القادمين من غرب ووسط العراق، فضلاً عن السياح القادمين من دول عربية خلال موسم الصيف. من هنا، يضطر أصحاب الشركات والمتاجر وسائقو سيّارات التاكسي والباعة وغيرهم، وحتى خطباء الجمعة في المساجد، إلى معرفة اللغة العربية إلى جانب الكوردية. بعض الخطباء يقسّمون الخطبة إلى قسمين، الأولى بالوكردية والثانية بالعربية».

التعايش السلمي هو القرار
من جانبه يقول الباحث والكاتب الصحفي سربست برزو لـ (باسنيوز)، إن «المنتقلين إلى إقليم كوردستان من العرب وجدوا ما كانوا يأملون ويهدفون اليه، لذلك قطعوا حياتهم وجذورهم التي كانت في المناطق الأخرى من العراق. فإقليم كوردستان العراق، وبالرغم من قسوة ما تعرض إليه من عمليات الأنفال وقصف حلبجة بالكيمياوي والإعدامات والترحيل والتسفير على مر عقود، إلا أن الجهات العليا في الإقليم اتخذت قرارا وهو منع الانتقام والتعايش السلمي، ما خلق حالة اندماجية وبيئة جاذبة لمئات الآلاف من العراقيين».

من جهته، يقول خطيب جامع أبو بكر الصديق في أربيل الشيخ آزاد أحمد، إن «الخطبة باتت بلغتين، ويفضل العرب الصلاة في مسجد يجيد شيخه العربية». ويضيف «أقرأ الخطبة بالكوردية لسبع دقائق، ثم أعيدها بالعربية قبل رفع صلاة الجمعة»، موضحاً أن اللغة العربية باتت ملحة اليوم، ولم يفكّر أحد بتعلّمها في وقت سابق، باستثناء جيل السبعينيات والثمانينيات.

وبحسب علي سندي وزير التخطيط السابق في حكومة الإقليم، فإن عدد النازحين من بقية مناطق البلاد والمقيمين في الإقليم يصل إلى نحو مليون ونصف المليون شخص بحسب إحصاءات تعود إلى عام 2018، فيما يبلغ عدد سكان الإقليم خمسة ملايين و900 ألف.

وعاد قسم من هؤلاء النازحين خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، لكن آخرين قرروا البقاء والاستقرار في مدن الإقليم لما توفره لهم من أمن وفرص عمل، إذ يتواجد في محافظة إربيل وحدها وفق أرقام حكومية، نحو 280 ألف عربي، من مجموع سكانها البالغ نحو مليون و200 ألف، أي أن قرابة ربع سكان المدينة هم من العرب.

والجدير بالذكر، أن المقيمين في أربيل ومن كل القوميات والمذاهب يستطيعون تملك الأراضي والدور وتأسيس المعامل والشركات والعمل بالمستشفيات والدوائر والمؤسسات الحكومية وغيرها وتأسيس الجمعيات والمبادرات المدنية، كما أنهم يحصلون على كامل الخدمات العمومية التي يتمتع بها مواطنو الإقليم، من تعليم وصحة عامة وحماية أمنية واجتماعية وقانونية.

باسنيوز

429