ماذا يريد حزب العمال الكردستاني؟

ماذا يريد حزب العمال الكردستاني؟

May 16 2024

ماذا يريد حزب العمال الكردستاني؟
د. عبدالحكيم بشار

منذ النشوء المشؤوم لحزب العمال الكردستاني وهو محاط بالكثير من الشبهات و إشارات الاستفهام وبات حزبا" إشكاليا" يهدد الوجود الكردي وقضيته العادلة، منطلقا" من آيديولوجية عسكرة المجتمع والتحريض على العنف ويخوض مناوشاته بأسلحته البدائية ومحدودة القدرات مقابل الترسانة العسكرية وتقنيات التكنولوجيا المتطورة للدولة التركية حيث تصنف كثاني قوة عسكرية في الناتو، وبالرغم من الفرق الكبير بين قدرات الجانبين المذكورين، فإن هذا التنظيم في كل مغامرة لامسؤولة له يدّعي فيها الفوز المحتوم، وهذه من ثقافة الأنظمة والأحزاب الشمولية والدكتاتورية حيث كل فشلهم واخفاقاتهم هي بمثابة انتصارات وهمية وبالتالي استخفاف بعقول الشعب والتجارة بدماء الأبرياء منذ أكثر من أربعين عاما".

منذ نشوء هذا التنظيم الشعاراتي والشعب الكردي يدفع ثمن مغامراته الصبيانية المتطرفة البعيدة عن منطق السياسة وحتى عن منطق الحروب، والتي تتطلب تقييم القدرات الذاتية والظروف المحيطة وأين تكمن المصلحة الكردية ؟

لنعود قليلا" لمسيرة العمال الكردستاني على مر العقود ، ولا شك أن كل متابع محايد يرى الأفعال والممارسات التي قام بها هذا الحزب والذي يمكن تلخيصه بسجل من العنف والقتل والاغتيال وتجنيد القاصرات والقاصرين والتدمير والتخوين، ففي تركيا وفي أولى نشاطاته شن حملة اغتيالات ضد قيادات وكوادر وأنصار الأحزاب الديمقراطية الكردية في تركيا، كما طالت عمليات الاغتيال الكثير من الوجهاء والشخصيات الوطنية، بعدها بدأ التنظيم بتوسيع حملته العسكرية، وتسبب بتدمير وتهجير حوالي 4000 قرية كردية، وأُغلقت المدارس في معظم القرى والمدن الكردية بسبب التهديد للأهالي و اغتيالهم لعشرات المدرسين بحجة تعليم ثقافة العدو؟! ، وبذلك تراجع التعليم لدرجة غير مسبوقة، وبالتالي سيطرة الجهل والتخلف والعزوف عن الحالة المجتمعية المدنية وطغيان العسكرة، تلاها سلسلة اغتيالات ضمن صفوف قادته أيضاً ممن بدأ الشك يراود نمط تفكيرهم.

أما بخصوص الأطفال فلم يكتفي التنظيم بإبعاد الالاف منهم عن مقاعد الدارسة فحسب إنما عمل على تجنيدهم لغاياته التنظيمية وأجنداتهم التي تدمر الجيل الناشئ والذي هو نقطة ارتكاز مفصلي لبناء المجتمع ، ولم ينحصر نشاطه في الشرق الأوسط فقط إنما امتد نشاطه إلى دول الاتحاد الأوروبي، كما اتبع سياسة فرض الضرائب على معظم الأنشطة التجارية الكردية في تلك الدول رغم صغر تلك الأنشطة، واستعمل العنف وحرق الكثير من المنشآت الشخصية ممن امتنع أصحابها عن الاستجابة لتهديدات أنصاره، وتركز نشاطه الأساسي في تجارة المخدرات، ونتيجةً لأعمال العنف والتهديد والاغتيال وتجارة الممنوعات فقد تم تصنيفه أوربياً وأمريكياً على لائحة الإرهاب.

وبعد طرد مقاتلي التنظيم من تركيا واستقرارهم في جبال قنديل استمروا بنفس الممارسات ممثلة بالعنف والاغتيال وتجنيد القاصرات وزج الأطفال القُصر في جبهات القتال، وإفراغ 700 قرية كردية في كردستان العراق من سكانها وعدم تفويت أية فرصة للنيل من تضحيات ومنجزات الإقليم، واتخاذ جبال قنديل مركزاً للتدريب على الاغتيالات وتجنيد الأطفال، وزعزعة الاستقرار بالاقليم ناهيكم عن تشويه التاريخ الكردي ورموزه ومنها العلم الكردي.

وفي كردستان سوريا يقوم التنظيم بنفس الممارسات الشنيعة وعبر اذرعه، وهو ما يوحي لمتابع تاريخ هذا التنظيم بأنه لم ولن يحترم خصوصية وإرادة اية منطقة ولا يتقن سوى الثقافة الدخيلة على الشعب الكردي و المرفوضة جملةً وتفصيلا، بما أنها تسبّبت بتهجير أكثر من مليون كردي سوري من مناطقه، ناهيكم عن تأليب الرأي العام السوري ضد الكرد وقضيتهم بسبب الممارسات الارهابية لميليشياته وسيطرتهم لمناطق عربية وارتكاب افظع الانتهاكات فيها وإدارتها بمسميات القوات الكردية والإدارة الكردية من قبل عناصر اجنبية من كرد تركيا وايران ممن قضوا سنوات طويلة في كهوف قنديل منقطعين عن العالم الخارجي وعن الحضارة، وهذا يزيد من خلق الأعداء وتحريضهم على الكرد في وقت نحن بأمس الحاجة لكسب الاصدقاء وتعزيز ثقافة الشراكة والسلم الأهلي بين المكونات السورية.

وإزاء هذه الممارسات فقد سألت نفسي وغيري من الأصدقاء الأكثر وعياً وثقافةً ومعرفةً السؤال التالي يا ترى ماذا يريد حزب العمال الكردستاني وما هي أهدافه؟ ولكن بقي السؤال مفتوحاً بلا جواب، وهنا لن نتحدث عن شعاراته في بدايات انطلاقه والذي أعلن من خلالها العزم على استقلال كامل كردستان، وأي شعار عداه فهو خيانة للتاريخ الكردي وللشعب الكردي ولوجوده وحقوقه، بينما عملياً فهو أوَّل من خان هذا الشعار ليطرح شعاراً ديماغوجياً وهو كونفدرالية الشرق الأوسط، مما يعني أن الحزب سيغير كل الأنظمة في الشرق الاوسط ويغير دساتيرها ويعلن الكونفدرالية، الأمر الذي تعجز عنه أمريكا وروسيا سويةً، أما الآن فبات حزبهم إيكولوجيا بيئياً، بينما هم أكثر الناس عداوةً للبيئة، حيث أنفاقهم ونفاياتهم وطرق التكرير البدائية لمعاملهم وخاصة النفط تؤكد على ذلك، والأنكى من ذلك يعلنون في أدبياتهم السياسية بأن الحقوق القومية هي حقوق بدائية!!! وانهم يعملون لخلق امة وهمية هي الامة الديمقراطية، وقودها دماء الشباب الكرد الامر الذي يناقض مبررات تاسيس الحركة الوطنية الكردية وشرعية وجودها، في الوقت الذي نقاتل وندافع بكل الطرق الدبلوماسية والسلمية لانتزاع حقوقنا ؟! وبكل أسف هناك البعض من الكرد الذين عطّل التنظيم العقائدي أدمغتهم و صدّقوا شعاراته المتحوُّرة والتي باتت للاستهلاك المحلي وللتغطية على فشلهم على مر العقود.

والسؤال المطروح فإذا كنتم من أنصار البيئة ومن الأحزاب الإيكولوجية، فهل شروط حماية البيئة تمر عبر الاغتيالات والاعتقالات وحرق المكاتب وتجنيد القاصرين واستعمال العنف المفرط في كل الممارسات؟ أم أن الأحزاب الإيكولوجية تقوم بزرع الأشجار والورود وتشجيع الناس على الوعي والاهتمام بالطبيعة وتحث الأطفال للبقاء في مقاعدهم الدراسية وليس الإلتحاق بجبهات القتال وزجهم في معارك لا يعلمون عنها شيئاً؟

وفي الأخير فنحن نتابع ونشاهد ونعلم ماذا يفعل حزب العمال الكردستاني منذ تأسيسه، و نعلم بأنه لن يدخر جهدا لتقويض وتشويه عدالة القضية الكردية، ونسف بناء جسور الثقة بين الكرد وباقي المكونات وخلق المزيد من الاعداء للكرد، ونعلم بأنه يقوم بدور وظيفي مرحلي للاجهاض على القضية الكردية ، ونعلم بأنهم يبنون كياناتهم الوهمية في اي منطقة يسيطرون عليها على حساب تضحيات الكرد، ونعلم بأن لا مستقبل لهم ولمنظومتهم بمجرد تطبيق حل سياسي في سوريا، لذا إن كنتم حقاً من الأحزاب الإيكولوجية كما تدّعون فعليكم الإلتزام بمبادئ تلك الأحزاب وأولها النشاط السلمي، وأتمنى من الحزب الذي يحارب الكرد قاطبة أن يوضح أهدافه الحالية على الأقل لأنصاره، وأن يمتلك الجرأة ويعلن على الملأ ماذا يريد؟

المقال يعبر عن رأي الكاتب

34439