الفتاة الإسرائيلية المتسللة إلى سوريا.. قصة حبّ عبثية أم مقدمة لصفقة تطبيع جديدة؟

الفتاة الإسرائيلية المتسللة إلى سوريا.. قصة حبّ عبثية أم مقدمة لصفقة تطبيع جديدة؟

Feb 19 2021

ارك نیوز... بعد إحاطة الموضوع بهالة من السرية، وفرض حظر نشر طيلة أيام، تخللتها جلسة حكومة سرية، تم الكشف أخيرا عن إتمام صفقة تبادل بين إسرائيل وسوريا بوساطة روسيا، وفيها أفرجت السلطات السورية عن فتاة إسرائيلية مقابل الإفراج عن راعيين سوريين، وإلغاء حكم “العمل لصالح الجمهور” على نهال المقت، فتاة من قرية مجدل شمس في الجولان المحتل، سبق وأدينت بالتحريض. وهي شقيقة الأسير المحرر صدقي المقت الذي أفرج عنه في صفقة أخرى عام 2019 بين سوريا وإسرائيل.

ورفض دياب قهموز، أسير سوري من قرية الغجر في الجولان المحتل المحكوم بالسجن 16 عاما، المشاركة في الصفقة لرفضه الانتقال إلى دمشق مطالبا بالعودة إلى بلدته وأهله في الغجر. وانتقد المعلق السياسي في الإذاعة الإسرائيلية التلاعب بالتسميات، واستذكر أن مسؤولين إسرائيليين قالوا عند إلقاء القبض على الراعيين السوريين إن الحديث يدور عن جاسوسين لحزب الله، ولكن عند الإفراج عنهما قيل إنهما راعيان.

راعيان سوريان
وكانت السلطات الإسرائيلية قد اعتقلت الراعيين السوريين بعدما خطفتهما وهما داخل الأراضي السورية بدعوى أنهما وكيلان سريان لحزب الله. في المقابل بقيت بعض تفاصيل الصفقة طيّ الكتمان، ومنها شيء آخر ستقدمه إسرائيل حظرت الرقابة العسكرية الكشف عنه. وتم تسليم الراعيين السوريين بواسطة “الصليب الأحمر” للجهات الروسية الرسمية عبر معبر القنيطرة، وأعلن التلفزيون السوري عن وصول الراعيين محمد حسين وطارق العبيدان إلى قريتهما في محافظة القنيطرة.

وكانت طائرة صغيرة قد أعادت الفتاة الإسرائيلية (25 عاما) من موسكو إلى تل أبيب، وكان برفقتها رئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات، ومسؤول ملف الأسرى والمفقودين، يارون بلوم، ورئيس طاقم موظفي ديوان رئاسة الوزراء آشر حيون.

وأُعلن أن الفتاة الإسرائيلية تحدثت مع عائلتها فور عودتها إلى البلاد وأنها ستخضع لفحوصات طبية قبل أن التحقيق معها من قبل المخابرات الإسرائيلية (الشاباك). وبحسب المعطيات القليلة التي سُمح بنشرها، يدور عن فتاة إسرائيلية من مستوطنة “موديعين عيليت”.

حادثة إنسانية
واكتفى نتنياهو في تصريح تلفزيوني بالقول إن الحديث يدور عن حادثة إنسانية عبرت فيها فتاة إسرائيلية الحدود إلى سوريا قبل أيام دون أن يوضح دوافعها، وإنه طلب مساعدة صديقه بوتين من أجل استعادتها. وبحسب تسريبات إسرائيلية، تنتمي الفتاة لعائلة يهودية متزمتة (حريديم) وقد سبق أن حاولت دخول قطاع غزة قبل ذلك، لكن دورية للجيش الإسرائيلي ألقت القبض عليها، كما أنها تورطت بعدة مشاكل في دول أخرى.

وطبقا لموقع “واينت” الإخباري الإسرائيلي، يدور الحديث عن فتاة ولدت في عائلة متدينة لم تقدم أي شكوى عن فقدانها، لكنها تبنت نمط الحياة العلمانية وانفصلت عن عائلتها وتجندت للجيش. وكُشف أمس أن الفتاة اليهودية التي بقيت هويتها محجوبة قد اجتازت الحدود مع سوريا من الجولان المحتل عبر موضع بدون سياج فاصل قريبا من جبل الشيخ، وإنها حاولت التسلل أكثر من مرة في الماضي عبر وديان محيطة ببلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل.

وحسب موقع “والا” العبري، فإن مكان التسلل بلا سياج حدودي بسبب صعوبته من ناحية التضاريس، منوها إلى حاجة المتسلل للتسلق في منطقة جبلية شديدة الانحدار، علاوة على وديان ومواقع يصعب اجتيازها مشياً وهي منطقة مسموح فيها الدخول للجنود فقط.

استغلال سياسي
ووفقا للإذاعة العبرية أيضا، أعربت جهات أمنية إسرائيلية عن خشيتها من إقدام نتنياهو على ترتيب استقبال رسمي للفتاة الإسرائيلية العائدة في مطار اللد. ونقل عنهم القول: “طيلة أسبوعين انشغلنا في تقزيم الحادثة كي لا يكون الثمن عاليا، وطرحناها كمسألة إنسانية هامشية”. وتابعت الإذاعة: “كان من شأن تضخيم الحادثة العودة بشكل مرتد على إسرائيل من ناحية الثمن الذي ستضطر لتسديده مقابل استعادتها مستقبلا”.

بعد إتمام صفقة التبادل التي تمت بالتزامن مع تصعيد إسرائيل هجماتها على أهداف إيرانية في الأراضي السورية، قال رئيس نتنياهو إنه قدم شكره للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مساعدته في إطلاق سراح الفتاة الإسرائيلية المعتقلة في سوريا، لافتا أن إسرائيل عملت وستعمل كل ما بوسعها من أجل استعادة مواطنيها المفقودين.

وتابع نتنياهو الذي بدا كمن يحاول كسب نقاط واستثمار الحادثة انتخابيا: “أشكر أيضا الرئيس الإسرائيلي، ومستشار مجلس الأمن القومي، ومنسق شؤون الأسرى والمفقودين، الجيش الاسرائيلي، الشاباك، الموساد، وزارة الأمن، وزارة الخارجية الاسرائيلية وكل من ساعد في هذه العملية الهامة، أشكركم جميعا”.

يشار أيضا إلى أن بوتين وعلى غرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد شارك في منح نتنياهو هدايا سياسية عشية جولات انتخابية سابقة، منها إعادة ساعة يد للجاسوس الإسرائيلي التاريخي في سوريا إيلي كوهين، ورفاة زخاريا باومل، وهو جندي إسرائيلي قُتل في معركة السلطان يعقوب خلال اجتياح لبنان عام 1982.

وقد استثمر نتنياهو مثل هذه العطايا للتأثير على وعي الإسرائيليين وتسويق نفسه كقائد وزعيم بمصافي زعماء العالم الكبار والقادر على التوفيق بين صداقتين مع أمريكا روسيا معاً بفضل مهاراته الشخصية.

غريبة الأطوار
كما نقل موقع “والا” عن مصدر إسرائيلي مجهول الهوية، قوله إن الفتاة اليهودية اجتازت الحدود ووصلت قرية سورية قبل أسابيع وقام سكان محليون بتسليمها للسلطات السورية. وقال أيضا إن إسرائيل علمت بالموضوع من روسيا. وتابع: “بعدما حققت المخابرات السورية مع الفتاة الإسرائيلية، اكتشفوا أنها غريبة الأطوار وليست جاسوسة. وعندئذ أبدوا استعدادهم للتوصل إلى صفقة مع إسرائيل”. منوها أن الفتاة تعلمت العربية وقررت الانتقال إلى سوريا بحثا عن مغامرات مثيرة، لكن وسائل إعلام إسرائيلية أخرى أكدت أن الفتاة اجتازت الحدود بحثا عن صديق سوري تعرفت عليه وأحبته كما قالت القناة العبرية 12.

بين فارس وبيرتا
وتثير قصة الفتاة الإسرائيلية تداعيات تاريخية مغايرة ومشابهة. وتذكّر بقصة تاريخية حقيقية تم توثيقها أحيانا في روايات أدبية كما فعل الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف، الذي أتى على علاقة حب بين فلسطيني ويهودية في أحد فصول روايته “نهر يستحم في البحيرة” الصادرة عام 1997 بعد أربع سنوات على توقيع اتفاق أوسلو.

في هذه الرواية، يروي يخلف ابن بلدة سمخ المهجرة جنوب طبريا، قصة الحب بين اليهودية بيرتا وبين الشاب الفلسطيني فارس الفارس. و” بيرتا” راقصة يهودية كانت ترقص في ملهى الليدو في طبريا قبل نكبتها عام 1948 وكانت تعشق فارس، ابن طبريا “الرياضي، الملاكم، القبضاي، شميم الهوا، قطاف الورد “.

وقد فضلته بيرتا على أصحاب الملايين، وعاشت معه أجمل لحظات العمر، وكانت حكايتهما نشيد البحيرة، ومعزوفة الأمواج، ورفيف الأجنحة وعطر الليل. وعندما حدثت نكبة عام 48، واحتل الصهاينة طبريا، هاجر فارس الفارس إلى مخيم عين الحلوة في لبنان مع أهله والكثيرين من أهالي مدينته، فلحقت به بيرتا سوية مع حشود اللاجئين وعاشت معه في مخيم اللجوء والشتات. قبلت أن تسكن معه في الخيمة التي تهزها الرياح، وشاع الخبر، فجاء رجال المباحث اللبنانيين، وألقوا القبض عليهما، أفرجوا عنه، وأما بيرتا فقد سلموها إلى رجال الصليب الأحمر الذين سلموها بدورهم إلى السلطات الإسرائيلية، وهكذا عادت إلى طبريا، وبقي قلبها عند فارس الفارس في مخيم عين الحلوة. لكن الفلسطينيين والعرب واليهود رفضوا هذا الحب العابر للقوميات والأديان والحدود كما يؤكد الكاتب يحيى يخلف.

وبسبب عزف فارس وبيرتا عن الزواج بقيا وفيين للحب الأول. فيما عادت بيرتا لمدينة طبريا، مُنع يحيى يخلف من العودة إلى مسقط رأسه سمخ، وبقي مع العائدين في رام الله، لكنه دائم الزيارة لطبريا وسمخ، بل التقى بيرتا في إحدى زياراته بعد توقيع اتفاق أوسلو كما أكد بنفسه لـ”القدس العربي”.

مقدمة لصفقة أكبر
بين هذا وذاك، وردا على سؤال “القدس العربي” يوضح الباحث في العلاقات الدولية الدكتور ثائر كنج، من مجدل الشمس، أن الحديث يدور عن صفقة هزيلة ومحرجة، لكنه يرجح أنها مقدمة لصفقة كبيرة بين إسرائيل وسوريا بوساطة روسيا، في مركزها نوع من التطبيع.

ويوضح كنج أن هناك عدة مؤشرات على ذلك، منها تزامن “صفقة التبادل” مع ضربات وهجمات إسرائيلية غير مسبوقة ضد أهداف إيرانية في سوريا، علاوة على انشغال كل قادة إسرائيل مع نظرائهم الروس منذ أسبوعين بهذه “المسألة الإنسانية”.

كذلك يشير كنج لتصريحات الفنان السوري المقرب من النظام الحاكم دريد لحام الذي قال إنه يؤيد التطبيع استنادا لمبادرة السلام العربية، جازما أن لحام لا يجرؤ على الإدلاء بمثل هذه التصريحات دون ضوء أخضر من النظام السوري الحاكم.

ويرجح كنج أن الصفقة الكبيرة ستتم بوساطة الإمارات، وفي جوهرها اعتراف أمريكي- إسرائيلي بنظام بشار الأسد بعد انتخابه مجددا كرئيس في انتخابات صورية وشيكة مقابل إعلانه رسميا مطالبة إيران بالانسحاب من الأراضي السورية.

ويتابع كنج: “ستكون هذه صفقة ثلاثية يكسب فيها بشار الأسد اعترافا بحكمه بعد مجازره بحق شعبه، مقابل انسحاب إيران. وهو مصلحة لروسيا التي تنتظر الاستئثار بمقدرات سوريا وإعادة بنائها بموافقة أمريكية وإسرائيلية وسيسدد الشعب السوري ثمن هذه الصفقة”.
القدس العربي

732