أربع سنوات...مازالت شنكَال حكاية ألم

أربع سنوات...مازالت شنكَال حكاية ألم

Sep 04 2018

شنكَال المدينة الهادئة المتربعة على جانبِ سفحِ جبلٍ عُرف باسمها، المدينة المفعمة بالحياة والنشاط منذ آلاف السنين حيث سكن منطقة سنجار مجتمعات وثقافات قديمة، وتشهد آثار إمبراطوريات كالفارسية واليونانية والرومانية وحتى الإسلامية، يعود أصل اسم سنجار للتسمية الكوردية «شنكآل»، وهي تتألف من كلمتين «شنك» أي الجميل، و«آل» التي تعني الجهة بمعنى الجهة الجميلة. لكن بعض الروايات ترجع أصل التسمية لقصة سفينة نوح عليه السلام والطوفان، وتشير القصة إلى أن السفينة عندما مرت بالمنطقة اصطدمت في الجبل، فقيل « هذا سن جبل جار علينا »، ومنها جاءت تسمية الجبل سنجار.

تتميز منطقة سنجار بطبيعتها الخلابة، وتوجد بها أماكن مقدسة خاصة بالإيزيديين الذين يفتخرون بالجبل وطبيعته الخلابة ومصيفه المعروف بـكرسى. ويوجد فيها أيضاً معبد «شرميرا» بأعلى نقطة في الجبل.

معظم سكان شنكال من الإيزيديين هم مواطنون بسطاء يعملون ويكدحون ليؤمنوا لقمة عيشهم بشرف، معروفون بالرجولة وشجاعة وحب الآخرين، ويتميزون بصفة كرم الضيافة، فمشهود للإيزيديين بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل لدرجة استدعت أن يفضل ربّ العمل المسيحي أو المسلم أن يعتمد عليهم اعتماداً كبيراً في عمله، ويأتمنهم على أمواله أكثر مما يفعل مع أبناء دينه أو طائفته، فهم - وبإجماع من تعامل معهم - أناس يستحقون الثقة. وقد كان لاستقرار الإيزيديين بهذه المدينة عواقب وخيمة على مر العصور حيث تعرضت لعمليات إبادة على فترات متباعدة، وقد تعرض عبر التاريخ إلى 72 حملة إبادة شُنت ضدهم لأسباب دينية وعرقية، تسببت هذه الحروب والمذابح بالويلات والمآسي لهذا الشعب المسكين وكان آخرها استهدافهم من قبل القاعدة وداعش، القاعدة استهدفتهم في2007 في مجمعي سيبا شيخ خدر وتل عزير بصهاريج مفخخة قتلت أكثر من خمسمائة شخصاً وجرحت وأعاقت الكثيرين. أما الهجوم الأعنف والأكثر دموية في فجر يوم الثالث من آب عام 2014 وما تعرضوا له على يد تنظيم داعش الإرهابي منذ دخلت قواتهم المدينة فهم لم يطردوهم أو يطلبوا منهم جزية بل كان العقاب للرجال هو الذبح وللنساء السبى والبيع فى سوق للنخاسة أقامه تنظيم «داعش» خصيصا من أجل حسناوات جبل سنجار من الإيزيديات.

في ذلك اليوم صُدِمَ العالم أجمع وفقد الإحساس بالإنسانية لهول وبشاعة ما جرى في المدينة الآمنة، وسيحاسب التاريخ جميع قادة العالم والمنظمات التي تنادي بالحرية والحقوق الإنسان على أثر جينوسايد شنكال وهدم المعالم الأثرية والدينية والحضارية وتغيير ديموغرافية المنطقة بجرائم ترتكب في وضح النهار وأمام أنظار العالم.

بعد قيام الإرهابيين بالهجوم على مجمعات وقرى وقضاء شنكال واحتلها جميعها مستقلين سيارات حديثة وعجلات عسكرية ومدرعات، مدججين بأسلحة حديثة ومتطورة، سقطت شنكال بأيدي داعش والقوى المؤازرة لهم من رجال القرى العربية المجاورة مما أدى إلى قتل أكثر من خمسة آلاف وخمسمائة من الرجال والنساء ومعهم الأطفال الذكور الذين تتجاوز أعمارهم 14 سنة، والسبي والخطف عدد النساء مع الفتيات مع الأطفال يقدر بخمسة آلاف مختطف ومختطفة، وتم بيع وإهداء وتوزيع ألفان وأربعمائة وسبعون امرأة وفتاة ايزيدية بعد وقوعهم في الأسر، وحُصر في جبل سنجار أكثر من عشرة آلاف شخص علق على سفح الجبل وبين الوديان ومات أكثر من ألفان ستمائة بسبب الجوع والعطش والأمراض، خاصة كبار السن والأطفال والرضع، ومن بعده تم فك الحصار من قبل قوات البيشمركة الأبطال والتحالف الدولي، وعلى إثر هذه الأحداث أيضا نزح جميع ساكني نواحي وأقضية ومجمعات وقرى الايزيدية التابعة لمحافظة نينوى، وشردوا جميع الإيزيديين الساكنين في هذه المناطق والعدد يقارب ثلاثمائة وخمسون ألف انسان، ونزحوا الى اقليم كوردستان وتركيا وسوريا واوربا، كما قام التنظيم بتفجير ثمانية عشر مزار ديني مقدس لدى اتباع الديانة الإيزيدية، ووصل عدد الاطفال اليتامى لأكثر من أربعمائة طفل وطفلة، والخسائر المادية للإزيديين من جراء عمليات داعش من نهب ومصادرة بيوت سنجار وبعشيقة وبحزاني وبابيري كانت بملايين الدولارات بالإضافة الأموال التي صرفها الإيزيديون الذين تركوا منازلهم ويمكن ان نختصر الخسائر بالقول بان الممتلكات المالية والمادية لأربعمائة ألف إيزيدي قد ضاعت للأبد مع مصادرة وإتلاف الثروة الزراعية والحيوانية والمشاريع المنتجة ونهب كافة الممتلكات المنقولة والثابتة, اي ان البنية التحتية لمناطق سكنى الايزيدية قد دمرت بالكامل.

وقد كان لأحداث شنكال وقعٌ كبير على الشعب الكوردي في كل مكان وفي ذلك قال الرئيس مسعود البارزاني: « الكورد الأيزديين هم كورد أقحاح، لقد تعرض الكورد الإزيديين الى عمليات إبادة لأكثر من مرة والكورد بشكل عام تعرضوا على مر التاريخ إلى عمليات إبادة جماعية منها عمليات الأنفال وإبادة الكورد الفيليين وتغييب اكثر من 182 ألف كوردي من كل كوردستان، أن ما جرى على الأيزديين جرى على الكورد بشكل عام وسبي الفتيات الأيزديات ليس عار عليهم، بل ان الفتاة الإيزدية هي قمة الشرف والعفة وسنعمل بكل ما اوتينا من قوة لإعادة كل فرد إيزدي إلى أهله وذويه وأحضان كوردستان.

كما وجه الرئيس مسعود البارزاني رسالة الى الرأي العام الكوردستاني في كارثة شنكال:

بسم الله الرحمن الرحيم، يا جماهير كوردستان العزيزة، بعون من الله وتوفيقه وإرادتكم وقوات البيشمه ركه الأبطال تدافع كوردستان اليوم ببسالة في مواجهة الهجمات الوحشية للارهابيين، لكي تدحرهم وتثأر لشهدائنا ونازحينا وكارثة شنكال، التي نجح فيها بيشمركتنا بفتح ممرات آمنة لإنقاذ الإخوة الايزيديين المحاصرين في جبل شنكال والذين تم إنقاذ عدد كبير منهم، واذ نثمن عاليا جهودهم فاننا نقدر ونشكر الولايات المتحدة الامريكية والدول الصديقة التي أعلنت دعمها لشعب كوردستان ومساهمتها في إنقاذ النازحين والمحاصرين.

لقد تعرض إخوتنا الايزيديون الى كارثة بعد أحداث شنكال وتم عزل المسؤولين الأمنيين والعسكريين والحزبيين الذين كانت تقع على عاتقهم مهمة حماية شنكال، وتم تشكيل لجنة تحقيقية لتقصي الحقائق، وان هذه اللجنة هي من تقرر معاقبة المسؤولين المقصرين في حماية المواطنين والبيشمركة.

إن ما حدث في شنكال لم يشمل الأخوة الايزيديين فقط، بل انه جرح يؤلمنا جميعا، وكان على المسؤولين أن يضحوا بحياتهم ولا يتركوا شنكال، كما وعدوني من قبل، كان عليهم أن يبقوا مع أولئك البيشمركة الأبطال الذين بقوا هناك ودافعوا ببسالة. وبعون من الله سنمنع الأعداء من بلوغ أهدافهم.

كما انهارت النائبة عن الكتلة الصفراء في مجلس النواب فيان دخيل بالبكاء خلال إلقائها بياناً في جلسة مجلس النواب، حول الجرائم التي ترتكبها داعش ضد أبناء طائفتها الايزيديين في شنكال وزمار.

وقالت دخيل النائبة عن المكون الايزيدي، وهي تجهش بالبكاء ان أبناء طائفتها من الإيزيدين يذبحون على ايدي الارهابيين ونسائهم تسبى في حملة إبادة جماعية، مبينة أنهم يذبحون تحت راية « لا اله إلا الله ».

وفي مؤتمر صحفي ل فيان دخيل آنذاك، أوضحت من خلال الوضع الإنساني المرير الذي يواجهه مهجري قضاء شنكال ومايتعرضون له من جرائم لاإنسانية من قبل داعش، وأن عناصر داعش تقوم بقتل وتهجير المئات من الكورد الإيزيديين بدون رحمة وبقاء العشرات منهم داخل القضاء يواجهون تهديدات هذا التنظيم الإرهابي، وطالبت النائبة حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية ترك خلافاتهم السياسية والعمل على إنقاذ مواطني قضاء شنكال، لافتة إلى أن نتيجة الوضع السيء الذي يواجهه الكورد الإيزيدييون في جبل شنكال أدى إلى وفاة ما يقارب الـ 70 طفلاً و100 مواطن آخر جوعاً وعطشاً.

كما وثقت هيومن رايتس ووتش نهجاً من الاغتصاب والاعتداءات الجنسية والاسترقاق الجنسي والتزويج القسري المنظمة من قبل تنظيم داعش الارهابي. وتعد تلك الأفعال جرائم حرب وقد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية. وما زالت الكثيرات من السيدات والفتيات في عداد المفقودين، لكن الناجيات الموجودات الآن في كوردستان بحاجة إلى دعم نفسي اجتماعي وضروب أخرى من المساعدة.

قالت ليزل غيرنتهولتز مديرة برنامج حقوق المرأة: « لقد ارتكبت داعش أعمال الاغتصاب والاعتداء الجنسي المنظمة وغيرها من الجرائم المروعة بحق سيدات وفتيات إيزيديات. وتحتاج اللواتي حالفهن الحظ فهربن إلى العلاج من الصدمة التي لايمكن تخيلها والتي تحملنها.

نادية مراد باسي طه هي فتاة إيزيدية عراقية من قرية كوجو في قضاء سنجار ولدت في سنة 1993، نادية مراد هي إحدى ضحايا تنظيم داعش الإرهابي الذي قام بأخذها كجارية عندهم قتل أهلها من بينهم أمها و ستة من أخوانها، لكنها بعد فترة تمكنت من الهروب من داعش ووصلت إلى مكان أمن ثم تم ترحيلها إلى ألمانيا ليتم معالجتها هناك من الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرضت لها من قبل أفراد تنظيم داعش من الاغتصاب الجنسي والعنف وكافة أنواع التنكيل، وبعد فترة ظهرت في عدة مقابلات تلفزيونية ولقاءات دبلوماسية منها مجلس الأمن الدولي، قالت نادية: « انا لا أخاف فليس لدينا شيء ان نخسره بعد، هم سرقوا منا حياتنا، سرقوا منا عوائلنا، سرقوا منا احلامنا وارضنا وكل ما نملك، ليس لدي شيء بعد لأخسره، انا حيث قررت ان اخبر العالم عن قصتي اخترت ان لا أخاف وان أكون صوتا للآلاف الذين يتم هتك كرامتهم كل يوم. وفي شهر يناير 2016 تم ترشيح نادية مراد لنيل جائزة نوبل للسلام حيث أنها أصبحت رمزاً للإضطهاد التي تعرض له الإيزيديين والناس عامة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.

وفي 13- 11- 2015 وباشراف ميداني مباشر من قبل رئيس الاقليم الرئيس مسعود البارزاني، وبهمة وتضحيات ابطال قوات البيشمركة، تم تطهير شنكال من رجس عصابات داعش الارهابية بعد ملحمة تاريخية، وعادت شنكال حرة ابية الى حضن كوردستان.

انه يوم تاريخي ومتميز للإيزيديين خاصة ولشعب كوردستان عامة، وقد اوفى الرئيس مسعود البارزاني بالوعد الذي قطعه على نفسه في اكثر من محفل عندما قال ان قوات البيشمركة ستحرر شنكال مهما غلت التضحيات.

وقد أُعتبر جريمة شنكال من الجرائم ضد الإنسانية من قبل منظمة الأمم المتحدة وجميع الدول العالم والمنظمات الإنسانية، أما مجلس النواب العراقي بعد عامين تفاعل مع مأساة الإيزيديين وصوت بتاريخ 28 نيسان 2016 على اعتبار شنكال « منطقة منكوبة »، ولكن بقي حبر على ورق.

وفي النهاية لا بد ان نذكر وبعد مضي أربع سنوات على الجريمة البشعة ضد الكورد الإيزيديين ما زالت الحكاية مستمرة فهناك الكثيرين مازالوا مفقودين، والكثير الكثير من الإيزيديين يعيشون في المخيمات ينتظرون العودة، ومازال الدمار والخراب يخيم على منطقة شنكال ينتظر الإعمار.

كما لا يخفي على احد بانه وخلال السنوات القادمة سيواجه الكثير من الإيزيديين العديد من المشاكل الاجتماعية التى نتج عن احتلال داعش لمناطق الإيزديين بمساندة ومؤازرة بعض العشائر العربية المجاورة للايزيديين وهذا الفعل ادى الى انهيار المنظومة الاجتماعية التي كانت ترتبطهم بالارض.

وكذلك عن السبايا وسوق النخاسة فعندما تسبى نساء ايزيديات على يد أفراد تنظيم داعش، فهي أبشع جريمة إنسانية ووصمة عار في جبين دعاة الحرية ومنظمات حقوق الانسان والمنظمات الدولية.

وما حل بالشعب الإيزيدي من مأساة في شنكال قبل أربع سنوات فهي جريمة إبادة الإيزيديين وهتك أعراضهم وإحتلال أراضيهم وسبي نسائهم، فدوافع تستند إلى أفكار عنصرية متطرفة، ناهيك عن الخلاف الديني بين الجاني والضحية. وأما الهدف فقد كان واضحا هو إبادة شعب.

عزالدين ملا

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1102