حين يسقط الأسد

حين يسقط الأسد

Jun 29 2020

ارك نیوز... هل يجرؤ الأسد على إعلان "انتصاره" على معارضة شعبية تقدّر بثلث الشعب السوري، أو ما يزيد، إثر تسع سنوات عجاف من حملته العسكرية على كل من قال لا لبطشه واستقوائه بالجماعات المسلحة والدول الحليفة من أجل أن يخرج بجلده وجلد أسرته من جحيم المعركة، وليبقى متربعاً على كرسي الحكم حتى انتهاء حياته كما فعل أبوه من قبل وقد يفعل أبناؤه من بعده؟ وهل يمكن تفادي هذا السيناريو القاتم إلا في حالة صحوة ضمير أممية تمنع استمرار حكم الطغاة الذي هو أصلاً خارج عن المنظومة الدولية ودورة التاريخ مع وصولنا إلى القرن الحادي والعشرين.

قد يصلح ادعاء الرئيس السوري بشار الأسد، الانتصار على شعبه لبعض الوقت، لكن لن يصلح البتة لكل الوقت. فهذا الدكتاتور "الشاب" الذي لجأ في سن مبكّرة لاستعمال وسائل الإرهاب والقمع والتنكيل كافة ضد شباب من عمره خرجوا في العام 2011 سلميين مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، استطاع أن يعمّر في الحكم عشر سنوات مضافة، لكن على كوم من الجماجم التي لن يغفر أهلها له، ولا لمن آزره، ارتكاب تلك الجرائم التي طالت الإنسانية جمعاء.

ربما يكون الأسد قد استعاد ثلثي مساحة سوريا بمساعدة من القوات الروسية الرسمية والمرتزقة منها كمجموعة فاغنر، وكذا بدعم من الميليشيات الإيرانية العقائدية العابرة للحدود، إلا أن الحال الشعبي لم يتغيّر عن إرادات العام 2011؛ وليس خروج السويداء في شهر حزيران 2020 مطالبين بإسقاط الأسد إلا إنذاراً شديد اللهجة لبشار الأسد بأن الثورة مازالت مستحقَّة، وأن من حيّد نفسه عن الانخراط في الحدث السوري قد لا يبقى محايداً إلى الأبد.

الأسباب التي خرج لها الشعب السوري ما تزال قائمة، فلا النظام عدّل من سلوكه، ولا أفرج عن معتقلي الرأي الذين يعدّون بعشرات الألوف قضى العديد منهم تحت التعذيب، ولا لجأ إلى بعض من التوازن في توزيع الثروة المحتكرة في قبضة شلة من المقرّبين والأصدقاء الشخصيين للأسد وعائلته، ولا انخرط في عملية إصلاح سياسي جذرية تتحوّل بالنظام الأحادي الشرس إلى منظومة سياسية تواكب العصروتعترف بحقوق الشعب الإنسانية والسياسية وتتخلى عن الانفراد بالقرار وتفتح الأبواب الموصدة منذ نصف قرن للحريات العامة وتشكيل الأحزاب غير المقولبة أو المعدّة مسبقاً بصياغات بعثية لا تنتمي للعصر.

وبينما دخل قانون قيصر للعقوبات الأميركية على النظام السوري وداعميه حيّز النفاذ ابتداء من 17 حزيران/يونيو، فإن سعر صرف الليرة السورية استمرّ في التدهور بسرعة غير مسبوقة، والمجال الاقتصادي للحركة يضيق على النظام بصورة مطردة.

وتضيف الضائقة الاقتصادية حالة جديدة على المجتمع الموالي والصامت في الداخل السوري، وهي حالة من الشقاق عن النظام - معلن في معظم الأحيان وخفي في بعضها- بحيث يبدو بشار الأسد وحكومته وحزبه يقفون عراة في مهبّ الريح المدويّة للعاصفة التي أثارها قانون قيصر الأمريكي حتى قبيل بدء تنفيذ بنوده.

أما الموالون الذين قدّموا آلاف الضحايا على مذبح كرسي الأسد دعماً لاستمراره، واستجابة لذرائعه في حماية الطائفة التي كان يحمي منها أسرته وحسب، فقد بدت الحياة بالنسبة لهؤلاء الأنصار في العام 2020 أسوأ بكثير مما كانت عليه في سنوات الحرب الطاحنة ولا سيما في العامين 2014 و2015 حين خسروا في المعارك الشرسة التي كانت دائرة الآلاف من شبابهم فداء لاستقرار عائلة الأسد واعتلائها الحكم، وهاهم اليوم يدفعون الثمن من جديد من معيشتهم ولقمة أطفالهم دون غطاء حكومي موعود.

قد تكون هذه الظروف الجديدة في سوريا الفرصة الأثمن أمام الولايات المتحدة الأميركية من أجل العمل الجدّي على تحقيق الانتقال السياسي الكامل في سوريا من خلال ما أقره مجلس الأمن في القرار الأممي (2254). ويجدر بالبيت الأبيض أن يلجأ بالسرعة المطلوبة إلى الروافع السياسية والدبلوماسية كافة للدفع في هذا الاتجاه وتحقيق العدالة الإنسانية للشعب السوري التي طال انتظارها، ولاسيما أن حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط وأوروبا يدعمون التعجيل بالانتقال السياسي المقونن والمراقب دولياً.

وقد تكون الفرصة الذهبية للسوريين قد أزفّت الآن، والمطلوب من قوى الثورة والمعارضة مجتمعة أن تكون بمستوى المسؤولية التاريخية لأن الشروع بالحشد لعملية التغيير الملزمة للنظام في سوريا سيختصر المزيد من المعاناة ليس على القابعين تحت خط اللجوء والنزوح من معارضي النظام وحسب، بل عن ضحايا النظام من الموالين والداعمين الذين لم يجنوا من مناصرتهم للأسد سوى الخسارة البشرية التي ألحق بها الآن خسارة اللقمة.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

475