كورد وأمازيغ... ويهود

كورد وأمازيغ... ويهود

Dec 14 2023

كورد وأمازيغ... ويهود
جان كورد

منذ أن نشأت المتحدات الاجتماعية-القروية في منطقتنا التي يسميها الغربيون بالشرق الأوسط، وهي تسمية غريبة حقاً، وبعد أن تحولت تلك المتحدات على أطراف الأنهار الكبرى والصغرى إلى مدن اجتذبت القرويين بحثاً عن عمل أو تجارة أو لكي يصبحوا جنوداً للحاكمين والملوك المستبدين، عرفت هذه المجتمعات تمازجاً بشرياً لم تعرفه القرى الصغيرة التي كانت على الأغلب ذوي تماسك ديموغرافي منغلق على ذاته، من عائلاتٍ مزارعة أو رعوية، إلاّ أنها كانت تشاركية وتعاونية، وظلّت طويلاً تدفع الضرائب المرهقة للحكام إلاّ أنها لم تكن تشعر بقبضة السلطات كما في المدن، حيث تحدث في المدن كل الجرائم بحق المواطنين بذريعة أن السلطة مسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار.

ورافق تطور واتساع المجتمعات القروية نمو التفكير الديني بأشكال وأطوارٍ مختلفة وظهرت طبقة من رجال الدين، تنازعت شرائحها فيما بينها على أولوية حقها في الإشراف على طبقات المجتمعات، حتى على الأسر الحاكمة التي استغلت السحر والدين والأسطورة أيضاً في سبيل تعزيز مواقعها في مجتمعاتها، كما استفاد "رجال الله" سلطاتهم التي انتزعوها بدايةً من المرأة / الأم وشرعوا في التحالف مع الحاكمين، بل والسيطرة عليهم، وهذا نراه واضحاً جداً في بلاد ما بين النهرين ووادي النيل.

المهم في هذا كله، هو أن تاريخ المنطقة تاريخ طويل من الحياة المشتركة للشعوب التي تخللتها حروب دامية ومآسٍ فظيعة عبر القرون، فالكورد والعرب واليهود والأمازيغ والآشور والكلدان والفرس والأرمن وسواهم ظلوا من مكونات المنطقة الواسعة من بحر العرب/المحيط الهندي إلى المحيط الأطلسي، رغم الغزوات التي رافقها الدمار والتقتيل والحرق والإغتصاب والتهجير والتغيير السكاني والقضاء على ثقافات شعوب بل ووجودها، وذلك بسبب غزوات الرومان والقبائل التركية التي كانت تهرب من المغول وتحولت بعد انتشارها في معظم شرق البحر الأبيض المتوسط إلى دولةٍ "عثمانية" مدمرة ومتخلّفة عن حضارات المنطقة ومن ثم جاءت الحروب الصليبية الطويلة الأمد التي بدأت إحتلالها بمجزرة إبادية شاملة للسكان في مدينة أنطاكيه وفي القدس، بصورة فظيعةٍ لا توصف، إذ شرع المحتلون بذبح 10.000 مواطن قدسي من مسلمين ومسيحيين ويهود كل يوم لمدة أسبوع كامل.

نعم، عرفت المنطقة غزواتٍ و"فتوحات!!!" عديدة من خارجها، كغزوات الأقوام التركية والمغول والتتار، من جهة الشرق والصليبيين من الغرب، والعرب من الجنوب، إلاّ أن مكونات المنطقة حافظت على تضامنها ووجودها وسعت لحماية ثقافاتها ولغاتها وعاداتها.

هذا يعني أن مكونات المنطقة، ظلت تدافع عن وجودها وتناسقها وتماسكها بالأرض رغم كل التحديات، ورغم أن بعضها حاول السيطرة بسلاح العقيدة على بعضها الآخر، أو لأنها امتلكت القوة ودعم المستعمرين الغرباء في فرض نفسها على المكونات الأخرى، إلاّ أن رغبة شعوب المنطقة في التعايش الإنساني المشترك لا زالت قوية وأنها ترفض هيمنة قوميةٍ على أخرى وسعي البعض للسيطرة العنصرية أو بذريعة دينية على رقاب الشعوب الأخرى... وستبقى المنطقة ملكاً لجميع مكوناتها وليس لأي قوة ساعية للعب دور السيادة والتحكم كما تشاء.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

269