جولات جديدة من الحرب السورية

جولات جديدة من الحرب السورية

Nov 17 2018

الحرب السورية
بقلم وليد خليفة -

رغم التهدئة الظاهرة على جبهات الحرب على امتداد الجغرافيا السورية إلا إن استمرار الخلافات الدولية والإقليمية تلقي بأثرها على الجبهات وتجعل من التهدئة مجرد عنوان هش ومخادع في انتظار جولات ربما تبدو أكثر دموية من السنوات السبع العجاف التي عاشها السوري، فيصبح السوري الناجي هو الذي وجد مكانا في المنافي البعيدة، فيما يصبح القلق والوجوم عنوانا للسوري المقيم بين مطارق الحرب وسندان الانتظار الصعب.

ما ينتظره السوري الكثير وما يملكه القليل، سواء تعلق الأمر بالقوة أو بالتأثير، فالمسألة الأكثر رعبا في نظره، تفاصيل الاتفاقات غير المعلنة بين الأطراف الدولية والإقليمية التي تدير أمور ما تبقى من حياة في سوريا، أمريكا وروسيا وتركيا أيران بالدرجة الأولى ومن ثم تأتي حكاية قطر والأردن والامارات والسعودية ولبنان والعراق وإسرائيل في الدرجة الثاني، رغم ما توحي به هذه الأخيرة، إسرائيل، من ظاهر قوتها، فورقة غزة خرجت من سوريا مع سقوط أول قتيل في الحرب السورية وأصبحت سوريا مسألة من المسائل التي تحرج المجتمع الدولي في المناسبات الرسمية المتعلقة بالسلام في العالم، ومعها تحولت مسألة فلسطين وتحديدا غزة من الأوراق التي يحتكرها اللاعب التركي مسنودا على القطري.

غاب السوريون نهائيا عن الاتفاقات المتعلقة بتقرير مصيرهم منذ أن أنتقل الملف السوري إلى عواصم العالم القريب والبعيد، غابوا بكافة انتماءاتهم وبكامل إرادة نخبهم السياسية، عندما سلموا أوراق اعتمادهم للعواصم وأجهزة الأمن والشركات العابرة للحدود المستوطنة في شرايين النظام العالمي الذي تعيد تأسيسه حسب عواصفها، الآن وحيث المال أصبح أشبه بالوهم، مجرد أرقام تتناسل، لا تكفي أوراق العالم كلها لطباعة الأرقام المالية لميزانية ثلاث شركات عالمية فقط مثل أمازون وغوغل وفايسبوك.

من غرائب الأمور لدى السوريين، أن يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، أن بلاده سترسل قوات حفظ سلام إلى إدلب ومناطق شمال غربي حلب، نعم حفظ سلام بعد ثماني سنوات حرب، يقولون أنهم سيبدلون "الرايات السود وياحسين " بالقبعات الزرق التي تعلوها رايات لا إله إلا الله بالخط الكوفي، وذلك بناء على طلب من حكومة دمشق و تزامنا مع إعلان موسكو فشل فصائل المعارضة المعتدلة عن المتطرفين في إدلب، بعد الإعلان الأمريكي أن بقاء القوات الأمريكية في سوريا مرهون بتصفية تنظيم داعش وإنهاء الوجود الإيراني في سوريا الهدف الذي لا تتوقف إسرائيل عن إعلانه كل حين وأما تركيا التي دخلت باتفاقات مع أغلب الأطراف حول سوريا وبغياب السوريين فما زالت تعلن أن معركتها مع حزب العمال الكردستاني لا نهاية لها في .

أما من جهة من يقال أنهم سوريون، فمن معشر المعارضة في الشمال السوري، ما زالت الخلافات تتصاعد بين الجبهات الإسلامية باختلاف مسمياتها بين خطين متوازيين، خط جبهة النصرة وأحرار الشام بشكل أساسي وما يضمها من فرعيات وآخر يمثله " حراس الدين" والجبهة التركستانية ، كامتداد للتشظي في تنظيم القاعدة بين داعش والنصرة في سنوات سابقة، صراع ينذر بالمزيد من الدماء في حروب بينية وأخرى بالنيابة عن الإقليم والعالم، ومن جهة أخرى يدخل المتصارعين الملتحين في صراعات أخرى وفي مقدمتها صراع مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها تركيا العدو الأول وراس حربة خصمها الأكبر في الساحة الكردية حزب العمال الكردستاني، وهنا يبدو أن الصراع يتجاوز في دوافعه الجغرافيا السورية التي تضيق بناسها إلى الجغرافيا التركية المتداخلة مع قضايا عالمية ولعل في مقدمتها أمن القارة الأوروبية من وصول شظايا الصراع السوري الملتهب كما حصل في الأعوام 2014ـ 2016 ، تدخل أوروبا في الصراع وهي على يقين أن الأمريكي يدير الخطوط والدوائر.

من جهة حكومة دمشق فهي الأخرى غير مدعوة للتداول في أية اتفاق يخص مستقبل مواطنيها، لا في دمشق ولا في مناطق حاملها الاجتماعي على الساحل السوري، ناهيك عن مناطق الفصائل الإسلامية والأخرى التي تم تدميرها بداعي التحرير، وهكذا يختصر دورها في الحضور لتبرير وجود هذه القوة العسكرية أو تلك دونما اهتمام من تلك القوى بأي حضور لممثليها من حضور الاتفاقات الدولية الخاصة بالشأن السوري.

من الطرف الكردي، لا يخفى على أحد أن دور الكردي يختصر على القتال، يحضر مع الحرب ويغيب حين تحضر السياسة، وجوده مشروط بالبنادق وسيول الدم والعويل وأما على طاولات الاتفاق فلا أثر يذكر له، لا حضور سياسي له حتى بين أهله من كرد وعرب، فمجلس سوريا الديمقراطي واجهة الحزب الكردي القائد للعملية السياسية يعاني من الوهن والفرقة ما يضاهي به خصمه الوكيل ، جبهات الإسلام السياسي من الأخوان إلى القاعدة، ومن المؤسف أن الكردي لا يحاول الحضور وكأنه استطاب الإقامة في الغياب.

حروب في الشمال تنتظر وأخرى في الشرق وما زال الجنوب لم يلملم أنقاضه المبعثرة، كأن على السوري أن يقضي أعمار أجيال وأجيال في انتظار تجديد المآسي وإعادة ضخها في الرماد المتبقي من بلاد كانت تسمى سوريا، أو من معتقلات أبدية كانت تدعى جمهورية " الأسد إلى الأبد" وحين ترنح الأسد كانت القيامة التي أنهت البلاد.
موقع سؤال

المقال يعبر عن رأي الكاتب

618