ما هو أثر تمرد فاغنر على وضع روسيا في سوريا؟ وهل سيفتح ثغرة للتأثير الإيراني؟

ما هو أثر تمرد فاغنر على وضع روسيا في سوريا؟ وهل سيفتح ثغرة للتأثير الإيراني؟

Jul 07 2023

نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالاً للباحث البارز في مركز “زوميا” لدراسة المساحات غير الحكومية، جيريمي هودج، قال فيه إنه عندما بدأ تمرد رئيس مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين، في 23 حزيران/ يونيو، اعتقلت الشرطة العسكرية الروسية في سوريا، على الأقل، أربعة من كبار قادة مجموعة فاغنر، ونقلتهم إلى قاعدة حميميم الجوية، على الساحل الغربي، للبلاد كإجراء احترازي.

وتعتبر قاعدة حميميم، التي تضم عدة آلاف من الجنود والمقاولين الروس، مركز القيادة والسيطرة في سوريا، والمقر اللوجستي لجميع عمليات فاغنر في الخارج، وتغادر منها رحلات فاغنر على طائرات وزارة الدفاع الروسية إلى ليبيا ومالي والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وحتى فنزويلا. وعليه، لو منع الكرملين فاغنر من الوصول إلى هذه القاعدة العسكرية، فإن إمبراطورية بريغوجين العالمية ستتوقف.

ومثلما حدث في روسيا نفسها، حيث داهمت الشرطة وجهاز الأمن الفيدرالي مقر المجموعة، وأغلقت الشركات التابعة لها، ذكرت تقارير أن قادة فاغنر في حميميم تلقوا إنذاراً، وطلب منهم توقيع عقود جديدة مع وزارة الدفاع، أو العودة إلى ديارهم.

ويعلق الباحث بأن قوات فاغنر تعتبر أحد المكونات الأساسية لما تبقى لحماية مصالح موسكو في سوريا، ما يمنح بريغوجين نفوذاً كبيراً. ففي الوقت الحالي، لدى فاغنر ما بين 1000 و 2000 مقاتل منتشرين في سوريا، وهم جزء من شبكة أكبر تضم ما يزيد عن 10000 متعاقد عسكري محلي خاص يساعدون في حراسة البنية التحتية لمنشآت النفط والغاز والفوسفات.

وتدفع شبكة فاغنر للمقاولين العسكريين السوريين الخاصين جزئياً الإيرادات المتولدة من هذه المنشآت، ومعظمها مملوك أو مدار من قبل شركات مرتبطة بجينادي تيمشينكو، المقرّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي ضوء قوة الطاقة الروسية، فهي واحدة من أكبر مصدري الطاقة والسلع في العالم، فإن الإيرادات الناجمة عن الموارد الطبيعية في سوريا ليست مهمة لروسيا. إلا أنها تعتبر بالنسبة للنظام السوري مهمة ومصدراً ضرورياً للعملة الأجنبية الصعبة، كما أن سيطرة موسكو عليها تمنح روسيا نفوذاً يمكنها استخدامه لضمان ألا تتراجع دمشق عن التزاماتها الجيوستراتيجية تجاه الكرملين في أي سيناريو ما بعد الحرب، ومنها قاعدة حميميم وميناء طرطوس، الذي يمكّن روسيا من تركيب ردع نووي على طول الجناح الجنوبي لحلف الناتو.

ويعلق الكاتب أنه، وبغض النظر عما سيقرره قادة فاغنر الأفراد، فإن ضمان احتفاظ روسيا بنفوذها في دمشق يعني تأمين ولاء الآلاف من المتعاقدين العسكريين السوريين الخاصين الذين يقودهم بريغوجين. وأي توقف مؤقت أو تخفيض في الحوافز لهذه القوات ستستغله إيران، منافس روسيا الرئيسي هناك، والتي يمكن أن تقدم لهؤلاء المقاتلين أسلحة وأجوراً أفضل.

ويشير الكاتب إلى الخلاف الحاد بين إيران وروسيا، رغم الشراكة بينهما في حماية وإنقاذ نظام بشار الأسد من الحرب التي اندلعت ضد نظامه، عام 2011.

وكانت المصادر الطبيعية محلاً للخلاف، حيث اشتبك وكلاؤهما للسيطرة على احتياطيات الفوسفات في سوريا، واستمروا في القتال من أجل الوصول إلى الأصول الإستراتيجية الأخرى.

وقد أدى الصراع على التأثير إلى إضعاف موقف موسكو في سوريا، ففي ظل تلاشي الأمل بتسوية سلمية، وعدم تدفق الأموال من أجل إعادة الإعمار، تظل آمال موسكو قائمة للحصول على مكاسب من الموارد الطبيعية، ورفع العقوبات عن سوريا، وممارسة بوتين الضغط على الأسد.

وبدأت روسيا، منذ 2021، بقطع الدعم عن العديد من وكلائها في أجزاء من البلاد لم تعد تعتبرها إستراتيجية، وقد حول الكثير منهم الولاء لإيران للحصول على الرواتب التي توقفت. وقد تسارعت هذه العملية بعد غزو موسكو لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022.

كما أن التطبيع السريع الذي شوهد، في الأشهر الأخيرة، بين نظام الأسد ودول الجامعة العربية هو بحد ذاته إستراتيجية الملاذ الأخير من قبل السعودية والإمارات والأردن لاحتواء إيران، بعد قبول أن روسيا ربما لم تعد تمتلك الوسائل للقيام بذلك.

في الوقت الحالي، يعتبر مرتزقة فاغنر وشبكة مقاوليهم في مواقع النفط والغاز عبر سوريا أحد المكونات الأساسية العديدة لما تبقى من الاحتلال الروسي. وبدعم جزئي من تدفق عائدات مستقل ومستدام، فقد أثبتوا حتى الآن مقاومتهم إلى حد كبير جهود إيران.

ومع ذلك، ففي حالة سقوط ركيزة أخرى في نظام بوتين، فإن الوضع قد يتغير، ذلك أن مرتزقة فاغنر السوريين قد يسيروا على نفس المسار الذي اتبعه العديد من الوكلاء الروس السابقين. ويشير الكاتب لعدد من الأمثلة، ففي نيسان/ أبريل 2021، تجاهلت روسيا طلبات الدعم من ميليشيا مدعومة من القبائل تقاتل القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا. بعد هزيمتهم وطردهم من منازلهم، فتح مقاتلو العشائر أبوابهم أمام إيران، التي نقلت كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الثقيلة، وعوّضتهم عن الرواتب التي توقفت.

مثال آخر، كان اللواء الثامن التابع لجيش النظام السوري، في يوم من الأيام، أكثر الوحدات ولاء لروسيا داخل القوات المسلحة في جنوب سوريا. ومع ذلك، بحلول أواخر عام 2021، أصيبت موسكو بالإحباط بسبب فشلها في إرسال قوات كافية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وخفضت رواتب اللواء إلى النصف. بحلول عام 2022، توقفت عن الاتصال تماماً، والآن يحارب اللواء الثامن لصالح مديرية المخابرات العسكرية السورية، التي تعد من أقوى وكلاء إيران والمتورطين بشكل كبير في تجارة المخدرات الإقليمية إلى جانب “حزب الله” وجماعات أخرى.

وبالمثل، في تموز/ يوليو 2022، انفصلت ميليشيات قوات الدفاع الوطني شرقي دير الزور بقيادة حسن الغضبان عن موسكو، بعد أن أخفقت الأخيرة في دفع رواتبها لمدة ستة أشهر. وبعد فترة وجيزة اندمجت المجموعة مع الفرقة الرابعة، واحدة من وحدات النخبة السورية المدعومة من إيران، بقيادة ماهر الأسد -شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد- الذي يجلس على رأس تجارة المخدرات في سوريا.

ويعلق الكاتب أنه في حالة فقدان روسيا ولاء المرتزقة السوريين، الذين يحرسون البنية التحتية للطاقة في البلاد، فلن تتمكن موسكو بعد الآن من ضمان استمرارها في إجبار الأسد على السماح للكرملين باستخدام الأراضي السورية لتهديد الناتو والتوسع في جميع أنحاء إفريقيا.

بعد هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”، في عام 2018، شنّت روسيا حملة شرسة لإصلاح جيش النظام السوري الباهت، والذي كانت موسكو تأمل في الشراكة معه، باعتباره العميل الرئيسي لها في سيناريو ما بعد الحرب. تمت ترقية الجنرالات السوريين الذين يتحدثون الروسية، وتطهيره من المئات من كبار الضباط، وصودرت أسلحة وبطاقات هوية عسكرية من الميليشيات المدعومة من إيران، واعتُقل مموّلوها.

وقد أثار البرنامج موجة من العنف ضد القوات الروسية ووكلائها من قبل الجماعات المدعومة من إيران التي رفضت نزع سلاحها، وسرّعت بدلاً من ذلك مِن تسلّلها إلى المؤسسات السورية.

وبحلول عام 2020، استسلمت روسيا، مقيدة بالانكماش الاقتصادي الناجم عن جائحة كوفيد -19، وفشلها في تحقيق أي مظهر من مظاهر النظام، قلّصت وزارة الدفاع الروسية جهودها، وتحولت إلى شبكتها الخاصة من المتعاقدين العسكريين الخاصين لبناء قوة غير نظامية لإدارة مصالحها المحددة الآن بشكل ضيق.

وقد تسارعت وتيرة هذا التحول بسبب الموقف العدائي لروسيا تجاه تركيا، التي خاض وكلاؤها نزاعين منفصلين مع موسكو، في عام 2020، مما أوجد حاجة ملحة لمجندين جدد. بين كانون الأول/ ديسمبر 2019 وآب/ أغسطس 2020، جنّدت فاغنر آلاف المرتزقة السوريين، من خلال أكثر من اثنتي عشرة شركة أمنية خاصة، للقتال في ليبيا ضد الحكومة المدعومة من تركيا إلى جانب أمير الحرب خليفة حفتر.

خلال القتال، سيطرت فاغنر على حقلين نفطيين كبيرين ومنشآت تصدير ومجمع بتروكيماويات، وشكّل ذلك نفوذاً رئيسياً استخدمتْه المجموعة للتلاعب الانتقائي بأسواق الطاقة من خلال فرض الحصار.

خلال الفترة نفسها، شاركت الميليشيات المدعومة من فاغنر في صراع أقصر ضد المتمردين المدعومين من تركيا في محافظة إدلب السورية، مما أدى إلى مكاسب إقليمية كبيرة لنظام الأسد.

بعد هذه الحملات، سرعان ما اضطرت روسيا إلى التعبئة مرة أخرى، هذه المرة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في وسط سوريا. في الأشهر الثمانية، من آب/ أغسطس 2020 إلى آذار/ مارس 2021، خرجت المجموعة في مناطق نائية من الصحراء وقتلت أكثر من 460 جندياً ومدنياً، وجرحت مئات آخرين. تركزت غالبية الهجمات حول مصانع معالجة الغاز وحقول النفط في البلاد، وهي محاولة من قبل تنظيم “الدولة” لابتزاز مدفوعات من الشركات التي أدارت إنتاجها.

وقد شكلت هجمات “الدولة الإسلامية” تهديداً مباشراً لمصالح روسيا الأساسية، واستنفدت موسكو جميع الخيارات رداً على ذلك. تم إحياء المتعاقدين العسكريين الخاصين الذين اعتادوا تجنيد السوريين للقتال في ليبيا في جميع أنحاء البلاد، مع تدريب المجندين في السقيلبية، وهي بلدة مسيحية أرثوذكسية كبيرة على مشارف الصحراء، حيث جنّدت روسيا أكثر المرتزقة ولاء لها. أصدرت وزارة الدفاع الروسية إنذاراً للوحدات الموالية داخل جيش النظام السوري: إرسال مقاتلين، أو وقف رواتبهم.

أخيراً، ولأول مرة منذ عام 2017، دخلت الوحدات الروسية التي تقاتل في الصحراء في شراكة مع وكلاء إيران، بما في ذلك الميليشيات الشيعية الأفغانية. خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، قصفت هذه القوة المشتركة، بدعم من القوة الجوية الروسية تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودفعت العديد من مقاتليه إلى العراق، أو الأجزاء التي يسيطر عليها الأكراد في شمال شرق سوريا.

الآن، يعد الحفاظ على هذه الشبكة من المرتزقة، التي تم تكوينها طوال عام 2020، أمراً أساسياً لضمان التشغيل السلس لاحتياطيات الطاقة والفوسفات في سوريا، والتي أصبحت منذ ذلك الحين الأولوية الرئيسية لروسيا. في غضون ذلك، انتهزت إيران الفرصة لتقويض الواجهة المتعثرة لموسكو، والتقاط الوكلاء السابقين الذين لم يعد بإمكان الكرملين تحمل رعايتهم.

قوات فاغنر والسوريون الذين يتعاقدون معهم هم من المرتزقة، وبحكم المهمة يقاتلون من أجل المكاسب المادية. والبعض، مثل المسيحيين الأرثوذكس في السقيلبية والمدن المجاورة، ربما شعروا ببعض التقارب مع روسيا، أو نظروا إليها على أنها حصن ضد التعدي الطائفي الشيعي الإيراني. ومع ذلك، إذا سحبت موسكو البساط بالكامل من تحت قيادة بريغوجين، فسيضطر جميع وكلاء فاغنر إلى اتخاذ قرارات عملية.

ومن بين قادة فاغنر الأربعة في سوريا، الذين اعتقلوا أواخر الشهر الماضي، اثنان في حميميم وواحد في دمشق، وواحد في محافظة دير الزور الغنية بالنفط، وآخر في السقيلبية.

وفي حالة استمرر اعتقالهم، قد يجد مسيحيو السقيلبية، وجماعات أخرى، أنفسهم على الطرف المتلقي لعروض إيرانية مغرية.

وعليه، فإن الموقف الضعيف لروسيا حالياً، قد يؤخر أي خطوات قوية لكبح جماح وضع بريغوجين في سوريا. ولأن الاحتلال الروسي ليس مدفوعاً بالسعي وراء الربح، فإن السماح لبريغوجين بمواصلة جني ثروة متواضعة هو ثمن ضئيل يجب دفعه لضمان بقاء وجود موسكو على البحر المتوسط سليماً. إذا فعلت روسيا العكس، فإن الكرملين يخاطر بخلق فجوة سيتدخل وكلاء إيران قريباً لاستغلالها.

73