جدلية العلاقة بين كورد جيايي كورمنيج  والأرض والزيتون

جدلية العلاقة بين كورد جيايي كورمنيج والأرض والزيتون

Dec 27 2021

لا يمكن لنا فهم هذه العلاقة إلا في سياق :

1- ديالكتيك الذات والموضوع.

2- نظرية التحدي والاستجابة ل توينبي .

أما فيما يخص ديالكتيك الذات والموضوع، فإن تفاعل العوامل الذاتية والموضوعية وإنتاج منتوج جديد والغوص فيها أكثر توضح مدى عمق هذه العلاقة التي تشبه علاقة العاشق بالمعشوقة حسب تعبير الشعراء، وهي ترجع إلى الذات الكوردوارية، إلى أصلاء كورد جيايي كورمينج الذين بادروا مبادرات إبداعية للتأقلم والتكيف مع البيئة وجعلها متعاونة لتلبية احتياجاتهم وجعلها كالأم المرضعة التي ترضع أبناءها و تغذيهم من حنانها.

لقد تراكمت خبراتهم عبر الأجيال وترجمت من خلال التأثير المتبادل بين الذات والموضوع من خلال التفاعل مع الأرض والأشجار وتربية المواشي و زراعة السفوح والتلال والقمم وحفر الآبار المحلية وصناعة الأدوات لتجني مما صنعته، وتحصد مما زرعته وتنسج علاقات تجارية بسيطة ما لبثت أن تطورت ثم تعقدت وتموضعت ضمن المنظومة الاقتصادية، فأصبحت أراضي جيايي كورمنيج الأم التي تعطي العطاء دون مقابل حتى استحق الكورد لقب أبناء الزيتون المباركة.

بارك الله بشعوب تأكل مما تزرع وتصنع الأدوات لتلبية احتياجات أبنائها اليومية.

أما العوامل الموضوعية فهي ترجع إلى البيئة: فالبيئة الجبلية القاسية كانت تشكل تحدياً كبيراً للسكان، وتجسّد تحديهم بإصلاح الأرض وزراعتها وإعمارها وحفر الآبار.

وبتفاعل الذات مع البيئة والأرض والأشجار تنتج علاقة عشقية لا يفهمها إلا من عاشها.

ومع كل إشراقة صباحية يخرج الفلاح الفنان العاشق للقاء الزيتون المعشوقة وفاءا بوعده وعهده المقدس، ينظر لها من بعيد، يشعر بأنه داخل عبقها يشم عطر أزهارها ويستمتع برؤيتها وجمالها وأغانيها.

والفلاح العاشق هو الفنان الحقيقي الذي يرسم لوحة الطبيعة ويجعل من أشجاره لوحة وتحفة جمالية يتذوقها المبدع كلما نظر إليها ويكتشف أسراراً جديدة في كل مرة ومن كل الاتجاهات.

إنه يسير إليها بأرق المشاعر ويلحنها ألحانا ومعزوفات وأشعارا ...

يدنو منها ويتغزل بها ويغار عليها حتى من الرياح أن تداعب أفنان شعرها الطويل...

يزينها ويجملها بأدواته، ويمشط شعرها في لحظة تعجز الكلمات عن وصف الحالة، فسعادته لا تقدر بثمن وكأنها لحظات النشوة بالنصر.

والفلاح الفنان أخلاقيا هو الصادق الأمين الذي يضحي من أجل ابتسامات الزيتون ويرويها بعرقه ومن وريده ليعيشا معا في أسعد لحظة عشقية عنوانها العطاء دون مقابل.

وتجد كلاً منهما يبذل من أجل الآخر ليعطي أكثر من الثاني كينابيع متدفقة دائمة العطاء.

هذه العلاقة العشقية المنتجة لا يقدر على فهمها والشعور بها إلا الأصلاء، ليصبح كل منهما جزءا من الآخر ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر وكأنهما أصبحا كلًا موحدا يكمل بعضهما الآخر.

ومع مرور الزمن تنبت وتكبر هذه العلاقة وتتشبث الجذور بالأرض ويصبح كل منهما مرآة للآخر.

وبعد القيام بالواجب المقدس في حقله وبين أشجارالزيتون يقرر الفنان العودة إلى بيته ويرفع يده بعفوية الطفل وبراءة الزيتون لتغني أغنية النصر كأنهما في لحظة الانتصار، إنه النصر الحقيقي إسعاد الزيتون كما الفلاح الفنان ...

ولو سألت أي فنان عن سر عشقه للزيتون لقال " والتين والزيتون وطور السنين ..." وقال أسطورة الحمامة التي أتت بغصن الزيتون بعد الطوفان لسيدنا نوح عليه السلام رمز الخلاص والسلام والأمان .

هذه اللحظات لا يعرفها الغرباء والدخلاء وتجسيدا لهذه العلاقة عاد مهاجرو جيايي إلى الأرض المقدسة بعدما هجرهم أطراف المؤامرة قسرا بمجرد أن سنحت لهم الفرصة ليزرعوا من جديد ويعيشوا معا لحظات الخلود مهما كان الثمن.

ومن أجل عيون الزيتون أقسم أبناء الزيتون الاستجابة لكل التحديات بالعمل والعلم والمعرفة وما إبداع أبناء الزيتون في كل المجالات العلمية والأدبية في كل الأمصار وتقلدهم لأرفع الأوسمة العلمية إلا استجابة لهذه التحديات وآخر إنجاز وليس آخره تخرج دفعة من شموس الزيتون من جامعة حلب لتعيد لعفرين رونقها.

أسسوا الجمعيات والمنظمات الأهلية والمدنية واللجان لتدوين التاريخ وصياغة المستقبل، ونسجت علاقات اجتماعية مبنية على القيم والتسامح فيما بينهم، ليصبحوا مثل الجسد الواحد يشعرون بحجم بالمسؤولية الاجتماعية والتاريخية الملقاة على عاتقهم، فهم مشاعل نور ترشد الأجيال القادمة نحو تحقيق أهدافها، وترسم لهم طريق المستقبل المشرق.

الكاتب: ريبر فوزي


المقال يعبر عن رأي الكاتب

572