مستقبل ثروات العرب في حال تفكك أمريكا!

مستقبل ثروات العرب في حال تفكك أمريكا!

Aug 07 2021

على العرب أن يجيبوا على سؤال الخروج من عنق الزجاجة الحالي الذي دخله عرب الثروة والنفط في الجزيرة العربية والخليج طوعا، مع بوادر أفول القوة الأمريكية، وتراجعها أمام الصين وروسيا والدائرين في فلكهما، وكان هدف دخول الزجاجة هو تأمين الدولة الصهيونية أمام احتمالات اعتدال موازين القوى الإقليمية والعالمية، وأمام عودة الأمل في تحرير الأراضي المحتلة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان وغيرهم، وإنهاء نظام الفصل العنصري في أرض فلسطين التاريخية؛ مثل ما جرى في جنوب أفريقيا، وذهب إلى غير رجعة، وأضاع العرب كثير من ثرواتهم، ومنهم من قدم لمواطنيه أسوأ الخصال، وأخضعوا أصولهم وثرواتهم للتبديد، وفيهم من حول نفسه لسمسار فيما يملك، وفيما جادت به الطبيعة من موارد لم يقدرها حق قدرها.

ولا يمكن إعفاء مصر الرسمية من تحمل نصيبها في مسؤوليتها عن أوضاع «القارة العربية» بدور مسئوليها في التفريط فيما كان ممكنا تحقيقه من الانتصار العسكري في أكتوبر 1973، الذي ضرب نظرية الأمن الصهيونية، ولو حل بعد رحيل جمال عبد الناصر شخص فيه نصف التزامه الوطني غير السادات، الذي استسهل اتباع «مسار كيسنجر» ومكنه من نفسه ومن بلده ومن باقي العرب، وسار السادات على ذلك المسار، وطبقه بحذافيره؛ سياسة «الخطوة خطوة» والتغيير بالصدمات، وكانت نهايته دامية، وكانت جلية فيما يُعرف بحادث المنصة، واشتعلت المنطقة بالحروب الأهلية والبينية.

وانقلبت الآية؛ من نصر عسكري إلى هزيمة سياسية؛ فرضت إذعانا كاملا للمشروعات والحلول الصهيو أمريكية؛ واضع بذرتها، ومروج فكرتها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، ومن المعروف أن بداية العلاقات الأمريكية السعودية كانت في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين، مع تأسيس «شركة الزيت العربية الأمريكية» وحفر أول بئر نفطي في المنطقة الشرقية لجزيرة العرب، وقتها طالبت شركات النفط من السلطات الأمريكية ضمان أمن واستقرار جزيرة العرب والخليج سياسيا، وربَط الرئيس روزفلت عام 1943 الدفاع عن المملكة العربية السعودية بالمصلحة الحيوية للولايات المتحدة، وبناء على ذلك حطت اول بعثة عسكرية أمريكية على أرض الجزيرة العربية.

وقبيل نهاية الحرب العالمية الثانية (فبراير 1945) التقى الرئيس فرانكلين روزفلت بالملك عبدالعزيز بن سعود على ظهر الطراد الحربي «كوينسي» في مياه البحيرات المُرَّة بقناة السويس، وأعتُبر ذلك اللقاء تدشينا لعلاقات أمريكية سعودية، تطورت لعلاقات استراتيجية دائمة؛ أكدها الرئيس دوايت ايزنهاور في 1957، وتحولها لشراكة اقتصادية سياسية عسكرية بين الرياض وواشنطن!!

والمرحلة الراهنة مرحلة فراغ، وامتداد لفراغ لم يُملأ بعد غياب عبد الناصر، ولم يعوضه جلوس أنور السادات على كرسي الرئاسة المصرية، فقد ارتكب أكبر حماقاته وجرائمه الوطنية، وهي إجهاض نصر اكتوبر العسكري العظيم، وأحل الإلتزام بـ«مسار كيسنجر» بديلا عن النصر السياسي، وهو مسار انهزامي، وجريمة عسكرية وسياسية، أكدتها إشاداته الدائمة بـ«صديقه هنري»؛ الشخصية الأخطر في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وثعلب السياسة الأمريكية المعاصرة،

وقد نجد بعض التفسيرات، فيما نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» في سبعينيات القرن العشرين عن علاقة السادات بالمخابرات المركزية الأمريكية، ومدى ضلوعه في دس السم لعبد الناصر، وفق ما قال عنه الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في قصة «فنجان القهوة» الذي أعده السادات بنفسه وناوله للزعيم في فترة راحة بين جلسات مؤتمر القمة العربي في أيامه الأخيرة (انعقد المؤتمر فيما بين 21 إلى 28 سبتمبر 1970)؛ وبها أضيفت رواية لروايات انتشرت بعد الوفاة المفاجئة للزعيم، وموسم فتح ملف الوفاة يحل في ذكراها السنوية في سبتمبر من كل عام، وتظهر فيه شهادات مؤثقة وأخرى ملفقة!!.

والغريب أن الأكثر حرصا على استمرار الالتزام بمسار كيسنجر هو «المشير السيسي» ويكرر نفس خطايا السادات، والسير على سياسة الخطوة خطوة، ثم القفزة قفزة؛ وصولا للهرولة.

هذا في ظروف وضع مصري خاص وحال عربي عام يمر بحالة لا يَقين؛ صنعها إصرار رسمي على التزام مسار كيسنجر؛ الممعن في التبعية والصهينة، وما زالت الكوادر والأبواق الرسمية تبحث عن حل «خارج الصندوق»؛ يجددون به دفاعهم عن المصالح الصهيو أمريكية، وكأن «القارة العربية» خُلُوٌ من المصالح، ومن أصحابها الحقيقيين؛ المتطلعين لحياة كريمة، وعدل اجتماعي، ومساواة قانونية وإنسانية كاملة في الحقوق والواجبات.

والظاهرة اللافتة هي عاهات المستويات العليا في الإدارة المصرية؛ إلا من رحم ربي؛ تتمثل في الأفق الضيق، والمعرفة المحدودة، والتفكير القاصر، والثقافة المفتقدة، وإذا ما عمَّت بما لا يسمح بتجديد أو ابتكار أو تطوير، أو خلاصات تجارب ومشروعات وطنية واجتماعية وسياسية كانت ناجحة بامتياز في الماضي المتوسط والقريب، وكانت نتاجا وطنيا خالصا، ومصادرة الابتكار والنتاج الوطني يمثل أعلى درجات الجمود والتحجر، ولا يمكن علاج ذلك باستمرار الرهان على صناعته وصناعه، وهو ما أوصلنا إلى ما تحت الحضيض.

ونأتي لنبوءة السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام؛ أفصح عنها في (2020) يصف فيها خسارة الجمهوريين في الإنتخابات، فيقول لن يكون هناك أي رؤساء جمهوريين في المستقبل، وسيؤدي ذلك إلى انتقال الصراع إلى مستوى الولايات وتكتلاتها، والتي لا يزال يحتفظ الجمهوريون فيها بسيطرتهم على السلطة. وضرب مثلا بولاية تكساس، التي طالبت مع 17 ولاية أخرى بإلغاء نتائج الانتخابات في الولايات المتنازع عليها، وقوبل ذلك بتشكيل تحالف مضاد!!،

ويستطرد: لم يكن يتوقع ما أطلق عليه «هذه الخطوة العملاقة والانتقال من الحرب الأهلية الباردة نحو الحرب الأهلية الفعلية بهذه السرعة. ولن يغلق رفض المحكمة العليا لنظر الطعون تلك القضايا، بل سيدفع بعض الولايات إلى الطعن في شرعية المركز الفدرالي نفسه، ورفض الإذعان للحكم، وفي حال الخسارة (الانتخابات) فالصراع السياسي، يمكن أن يُحَوِّل تلك الولايات في لمح البصر إلى دول ذات سيادة. ونتذكر كيف كان تصويت البرلمانات في الجمهوريات السوفييتية كافيا لإعلان استقلال هذه الجمهوريات، في ظروف ضعف السلطة المركزية».

ويواصل: كنا نرى، حتى وقت قريب إرهاصات واتجاهات، ونرى الآن فعليا الآليات التي يتطور بها كل شيء. والسؤال هو متى سيتم تجاوز نقطة التحول في كل من هذه الاتجاهات؟..

سيمتنع البيض، خلال العشرين عاما القادمة، من المحافظة على كونهم الأغلبية في الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال السنوات العشر القادمة، لن يتمكنوا من الحفاظ على كونهم أغلبية في المنطقة المتاخمة للحدود مع المكسيك وعدد من الولايات الأخرى. وأصبح الانقسام غير الرسمي بعد الخطوة التي قامت بها ولاية تكساس رسميا، ويمكن القول بأن هذا العامل قد أصبح جاهزا بالفعل، ولا حاجة للانتظار لعشر سنوات.

وأضاف: أن الكوارث الاجتماعية تؤدي إلى الثورات وتُفَكِّك الدول متعددة الأعراق والجنسيات. وانهيار هرم الديون وارتفاع التضخم المفرط، الناجم عن طباعة المصرف المركزي الأمريكي أوراقا مالية بلا أغطية؛ عامل كاف لإحداث انهيار في الولايات المتحدة. لا يمكننا التأكد من أن انهيار هرم الديون مع الانهيار اللاحق للاقتصاد الأمريكي سيحدث بالتأكيد قبل عام 2030، لكن احتمال حدوث ذلك مرتفع للغاية. من الممكن أن يحدث ذلك فعليا الآن. لكن حتى الحفاظ على التدهور الاقتصادي الناعم في الوقت الراهن هو أمر كاف لانتقال المواجهة لمستوى جديد نوعيا في السنوات القادمة.

ألا تُشعِر مثل هذه النبوءة أصحاب الثروات من العرب، من المراهنين على الأمركة والتطبيع والصهينة بالخطر؟.. ماذا هم فاعلون وثرواتهم المودعة في الولايات المتحدة معرضة للتآكل، وإذا ما تبقى منها شيء فهو تحت رحمة تضخم من المتوقع ارتفاعة لأرقام قياسية، وتحت إشراف قوم فقدوا الأهلية والجدارة في القيام بأي عمل إيجابي يحمي هذه الثروات، فهم من أوصلوا العالم إلى هذه الحال من القلق الشديد، فهل يتم البحث عن حلول قبل فوات الأوان؟
محمد عبد الحكم دياب

المقال يعبر عن رأي الكاتب

526