"بارعٌ هذا الموت".. نيجيرفان حاجي.. في رثاء المناضل أبو مزكين

Sep 30 2020

آرك نيوز..بارعٌ هذا الموت..

يتجوَّلُ في الحدائق.. فيقطف أكثرَ الورود عَبقاً

يَترَبَّصُ بالبلابلِ.. فيصطادُ أجمَلها صوتاً ولحناً

يَعرفُ أقدارَ الرجال.. فيُصارِع الجَسورَ الشجاع

مُباغِتٌ هذا الموت..
يخطف الأحبَّة.. ويترك الصَّدمة تنهشُ ما تبقى لنا من صمود

يمنحنا الأمان كُلَّ مرة.. لننسى ونَظُنَّ أنْ لن يعود, فيَعودُ ويعود

صارمٌ يَبخَلُ بالفُرصَة.. إنْ طُرِقَتْ عليه أبوابُ الرجاءِ كُلُّها.. لا يجود

بارعٌ هذا الموت، اختار رجُلاً وأيَّ رجُل!.. اختار أبا مزكين، أو كما أعرفهُ مُذ كنتُ غَضَّ العود ناعم الظفر،

"العم أبو مزكين".

رَجلٌ ستَشتاقُه غُرَفُ الاجتماعات الحزبية أيام كان النضالُ في سبيل القضية جناية.. أيام كان الليل فيه قلعة "رجال النهج" وحصنهم المنيع.

أيام كانت ذئاب الشتاء مُستأنسة بصوت أقدامه ورفاقه على الطرقات الوعرة.. متعودةً على صولاتهم وجولاتهم التي لا تنتهي.. تعرفهم من ظلالهم المرهقة.

رجلٌ ذاقَ الويلات من يَدِ الأنظمة المستبدة التي عاصرها، فما زادته إلا جسارة وعنفواناً.

رجلٌ لم يرق له "رغد العيش" في أوروبا فعاد إلى أبناء جلدته يتقاسم معهم الحياة في خِيَم اللجوء.. عاد إلى رفاقه يتابع معهم النضال كتفاً لكتف.

رجلٌ آمن بجيل الشباب وأنَّه المُكَمِّل لِما بدؤوه، فشَدَّ أزرَه وعزيمته.

رجلٌ برحيله خسرَ (الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا) فارساً من فرسانه الأشِدَّاء.

اجتمَعْتُ به في آواخر ديسمبر العام 2018 في مدينة زاخو، كان قد مضى على آخر لقاء بيننا أكثر من عشرة أعوام، قَضيتُها بعيداً عن البيت ما بين مُنشَغِلٍ بالدراسة وعالقٍ في زحمة اللجوء. توجهت نحوه.. سلَّمت عليه..

- كيف حالك يا عم؟

- نشكر الله ونحمده.. مَنْ هذا الشاب الجميل؟.. ملامحك ليست غريبةً عليَّ.. أكادُ أعرفُها... لا تؤاخذني فالعمر له حقه... (مُبتسماً كعادته)

- أنا.. (أكملت مُعَرِّفاً بنفسي)

- يا هلاااا برازي!!.. كيف حالك وحال أبيك؟..

برازي.. لقد مضت سنوات عديدة.. كبرتم وأصبحتم رجالاً ومن الصعب علينا نحن كبارَ السن التَّعرفُ عليكم.. المهمة تقع على عاتقكم.. يجب أن تبادروا بالسلام وتسألوا عن أحوالنا.

- معك حق يا عم.

تحدثنا لبرهة، ثم انصرف لبعض شؤونه واجتماعاته.

وَدَّعنا بعضنا على أمل اللقاء مجدداً دون أن يدري كلانا، بأنه الأخير.

(أوَليسَ بارعا هذا الموت!!.. ينتظر أن نجتمع فيلقي بسهمِ فراق).


"العم أبو مزكين"، لك الرحمة والمغفرة

لذويك ومحبيك ورفاقك الصبر والسلوان

وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.

نيجيرفان حاجي
30 أيلول 2020

905