هل ستكون القامشلي نقطة تصادم أمريكي روسي ؟؟
هل ستكون القامشلي نقطة تصادم أمريكي روسي ؟؟
علي تمى
مع إنطلاقة الثورة السورية في أواخر 2011 وتصاعد حدة الاحتجاجات في معظم المدن السورية ، زار السفيران الأميركي والفرنسي مدينة حماة التي كانت محاصرة ومهددة بعملية أمنية ، وذلك في محاولة للنظام لوقف التظاهرات المعارضة فيها. حيث هاجم حينها مناصرون للنظام السوري السفارتين الأميركية والفرنسية في دمشق، وحاولوا اقتحامهما، وكانت بداية للتدخل الأمريكي الفرنسي المعلن في سوريا
التدخل العسكري .
بدأت واشنطن بقصف مواقع تنظيم داعش لأول مرة داخل مدينة كوباني في 19 أكتوبر 2014 تحت اسم التحالف الدولي الذي يضم أكثر من 20 دولة ، والذي شُكِل لمحاربة هذا التنظيم بعد أن اعلن الرئيس الأمريكي بارك أوباما يوم 10 سبتمبر/أيلول 2014، أنه أوعز ببدء شن غارات جوية في سوريا دون انتظار موافقة الكونغرس، وأمر أيضاً بتكثيف الغارات في العراق على التنظيم ، وخطره على المدنيين، ووقف تقدمه في العراق وسوريا بعدما سيطر على مساحات شاسعة في البلدين ، و تمكن بعدها التحالف الدولي من طرد داعش من كوباني ليمتد إلى الرقة، وصولاً الى ديرالزور ليعلن الانتصار على داعش في 2019 في بلدة الباغوز بريف ديرالزور
وفي يوم 19 سبتمبر/أيلول 2014 ، دخلت فرنسا على خط المواجهة كثاني دولة تشارك في الحملة بتنفيذها عدة ضربات جوية ضد تنظيم الدولة، وكذلك أرسلت قوات خاصة إلى كردستان العراق لتدريب قوات البشمركة على استعمال السلاح والعتاد .
التدخل الروسي في سوريا .
عززت موسكو مكانتها في الشرق الأوسط بعد تدخلها المباشر في سوريا ( 2015) وجاء ذلك خلافاً للرأي الذي كان سائداً منذ أزمة الخليج الثانية عام 1990 بأن روسيا لم تعد قادرة على حماية حلفائها أو ممارسة التأثير في قضايا المنطقة، وأن الولايات المتحدة هي الفاعل الأوحد في الشأن الدولي والاقليمي, إلا أن التدخل الروسي في الأزمة والصراع في سوريا جاء مغايراً للتوقعات، وأن ما تقوم بها روسيا في سوريا على الصعيد السياسي والعسكري وخاصة بعد تدخلها العسكري , توحي بأن سوريا تمثل المصالح الجيو السياسية والاستراتيجية لروسيا، وموطئ قدم لها في الشرق الأوسط ، وان التفريط فيها يعني خسارة منطقة الشرق الأوسط برمتها .
و بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية في الأراضي السورية بتاريخ 30 سبتمبر 2015، بعد أن طلب رئيس النظام السوري بشار الأسد دعمًا عسكريًا من موسكو من أجل كبح القوات المعارضة له في الحرب التي كانت تقرع أبواب القصر الجمهوري إنطلاقاً من ساحة العباسيين وسط دمشق ، ووافق مجلس الاتحاد الروسي حينها على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد فكانت الشرارة الأولى للتدخل العسكري الروسي ضد قوات المعارضة في سوريا .
التحضير للمواجهة المحتملة.
بعد ترتيب كل دولة أوراقها، وتثبيت موطىء قدم لها في سوريا ، فموسكو بنت قاعدتها العسكرية في طرطوس لتكون صلة الوصل مع قاعدتها في حميميم ونشرت فيهما آلاف الجنود معززين بأحدث الأسلحة والطيران الحربي.
بينما سارعت واشنطن هي الأخرى بعد 2016 إلى بناء 12 قاعدة ونقطة عسكرية في مناطق متفرقة من شرق الفرات، ورتبت ادأوراقها ،وشكلت جيشاً قوياً مؤلفاً من 70 الف مقاتل باسم قوات سوريا الديمقراطية لفرض الأمن والاستقرار في المنطقة بعد طرد داعش منها .
التهرب الأمريكي من المواجهة مع أنقرة.
بعد التغلغل الأمريكي في شرق الفرات دون التنسيق مع حليفتها في الناتو ( تركيا ) أدركت الأخيرة أن أمنها ( القومي ) بات مهدداً مع استقدام الأمريكيين السلاح والعتاد بشكل شبه يومي إلى الحسكة وديرالزور، وتحصين مواقعها العسكرية قرب الحدود التركية، الأمر الذي دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التحرك، والقيام بعملية عسكرية جديدة ضد قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا تحت اسم ( نبع السلام ) ، بهدف إقامة "منطقة آمنة" وذلك الأربعاء 9 أكتوبر/تشرين الأول من 2019 ، ما اعتبرتها قوات سوريا الديمقراطية، طعنة في الظهر من الولايات المتحدة، وتحديداً من ترامب .
التخلي الأمريكي عن قسد في المواجهة العسكرية مع أنقرة .
لا يخفى على أحد أن واشنطن طلبت مراراً وتكراراً من حزب الاتحاد الديموقراطي( pyd) فك ارتباطه مع " حزب العمال الكوردستاني" المصنف إرهابياً (في تركيا وحتى أمريكا وأوروبا) والذي يسيطر فعلياً على زمام الأمور في شرق الفرات، وترجمت أمريكا اقوالها من خلال عقد لقاء ثنائي في باريس بين المجلس الوطني الكوردي وحزب الاتحاد الديمقراطي باشراف الخارجية الفرنسية (2019) وبضوء أخضر أمريكي ، وتم الاتفاق حينها على فتح مقرات أحزاب المجلس في مناطق ذات الأغلبية الكوردية، والكشف عن مصير المعتقلين لدى الاتحاد الديموقراطي ،لكن هذه الجهود باءت بالفشل بسبب تهرب الأخير ، وعدم حضوره لقاءات أخرى في باريس .
وبعدها أوعزت واشنطن إلى لندن مهمة ايجاد اتفاق توافقي بين المجلس الوطني الكوردي والاتحاد الديموقراطي ،وانتهت هي الأخرى بالفشل ، و اقتنع الرئيس ترمب بأن فرضية قطع العلاقة ما بين الاتحاد الديمقراطي والعمال الكوردستاني كقطع ( الرأس عن الجسد) وبالتالي هذه المهمة صعبة ومعقدة للغاية فيما بعد اتفق مع اردوغان من خلال اتصال هاتفي جرى بينهما آنذاك مطالباً بالانتقام من هذا ( الحزب ) الذي أصابه الغرور والتهور ، فكانت عملية ( نبع السلام ) لكسر شوكته ، وحينها وصفهم ترمب بالحرف ( حزب العمال الكردستاني "أسوأ" من تنظيم "داعش") وهذا ما فسره المراقبون بمدى استياء الأمريكان وانزعاجهم من سياسة حزب الاتحاد الديمقراطي المصر على العمل تحت جناح حزب "العمال الكوردستاني" في سوريا . بدوره البيت الأبيض قال حينها: إن القوات التركية ستمضي قريباً في عمليتها العسكرية التي تخطط لها منذ فترة طويلة، لإنشاء ما وصفتها "بمنطقة آمنة"، وأن القوات الأميركية بعد هزيمة تنظيم داعش لن تكون موجودة في المنطقة الحدودية مع تركيا بعد الآن.
الصراع على القامشلي .
يعتبر موسكو ،القامشلي مدينة ذات موقع استراتيجي كونها تشكل عقدة مواصلات هامة بين إقليم كوردستان ومناطق سورية أخرى، فبدأت في الأيام الماضية بحشد تعزيزات عسكرية من خلال مطار القامشلي، مستعرضة قوتها من خلال دوريات لشرطتها العسكرية أمام الدوريات الأمريكية.
ويرى مراقبون أن واشنطن لن تتخلى عن المنطقة الشرقية الغنية بالنفط وتتركها للمليشيات الايرانية لتستغل الفراغ وتمرح فيها كيفما تشاء .
موسكو هي الأخرى حاولت منذ 4 اشهر بفتح باب التطوع لشبان المنطقة، وفتحت مقراً لهذا الغرض في بلدة تل تمر بريف الحسكة، إلا أن الاستخبارات الأمريكية دخلت على الخط، وأفشلت هذا المخطط ونبهت أهالي المنطقة بالابتعاد عن هذا المشروع وبالفعل تهرب الشبان من التطوع ، فكانت خنجراً في ظهر المشروع الروسي في شرق الفرات لترتيب اوراقها للسيطرة على القامشلي
أما الجيش الأمريكي فيشرف على تدريب قوات سورية الديمقراطية المقسمة بين جناحين ( إيراني- أمريكي) ومن هنا يتوقع المراقبون أن تنقسم هذه القوات على نفسها، وتدخل في صراع داخلي يودي بها إلى الهلاك والتفكك، ويبدو ان موسكو جادة ومصرة لاستعادة المناطق النفطية في شرق الفرات إلى سلطة النظام السوري بينما واشنطن هي الأخرى تعاني من فقدان لحليف موثوق به يكون برنامجه سورياً بحتاً وبعيد عن الاجندات الاقليمية، ومن هنا يمكننا ان نقول ان الصراع الروسي الأمريكي على القامشلي سيستمر في الفترة اللاحقة ،ومن المحتمل جداً أن يدفع موسكو جماعة ( الدفاع الوطني ) للمواجهة مع قسد داخل القامشلي، إن فشلت في اختراق صفوفها والسيطرة على قيادتها بينما واشنطن لن تسمح بذلك، وبالتالي ربما ننتقل الى حرب الوكلاء بين واشنطن وموسكو على القامشلي في الفترة اللاحقة .
المقال يعبر عن رأي الكاتب
974
