عندما لا تنتمي للشعب (حزب العمال الكردستاني نموذجاً)
لا أعتقد أننا نحتاج إلى الكثير من الشرح وتقديم الأدلة والبراهين وهي واضحة للقاصي والداني أن الإدارة القائمة في شمال شرق سوريا تدار من قِبل كوادر حزب العمال الكردستاني بعناصر تسمى (الكادرو) الذين بمعظمهم لا يمتلكون الحدود الدنيا لأية مؤهلات علمية أو معرفية، ولاهم من ذوي كفاءاتٍ إدارية تمنحُهم حقّ إدارة المؤسسات المدنية، فأغلبهم أمضوا سنوات طويلة في جبال قنديل، تلقوا ثقافة العسكرة وحرب العصابات والانغلاق على العالم الخارجي، وهذه ثقافة بدائية لا تواكب العصر، حيث العمل السياسي الدبلوماسي والنضال السلمي والتفاعل مع الآخر.
بهذه العقلية المؤدلجة تُكرّس نزعة التفرُّد والعزوف عن العلم والمعرفة في المجتمع الكردي، كما عمل التنظيم المذكور طويلاً، ولا يزال على إبعاد الشباب الكرد عن الجامعات والمعاهد والمدارس وزجّهم في الجبال بعد غسل أدمغتهم، وبالتالي خلق ثقافة الاغتراب عن العلم والمجتمع المدني، ومؤسسات شمال شرق سوريا تُدَار من قبل هذه البضاعة السياسية!!
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: هل سوء الإدارة وانعدام الكفاءة هما السببان الوحيدان لمأساة سكان شمال شرق سوريا أم أن هناك أسباباً جوهرية أخرى؟ وهنا لا بد من معرفة علاقة حزب العمال الكردستاني مع شعوب المنطقة عموماً والشعب الكردي على وجهٍ الخصوص، حيث أن سلوك وممارسات واستراتيجيات حزب العمال الذي يرفض مبدأ الشراكة مع الآخر، ولا يملك أية خصوصية كردية في مشروعه، ويبتكر مصطلحات وشعارات خارج نطاق التاريخ، ويتدخل بشكل سافر (وصاية) في بقية أجزاء كردستان وعدم احترام خصوصيتهم، ويحارب العلم الكردي، ورموز الكرد التاريخيين...فكل هذه المحدّدات تشير إلى الهوة الشاسعة بين هذا التنظيم والشعب الكردي، وهي حالة طارئة ومارقة لا تمتُّ للشعب الكردي وقضيته بأية صلة، بل يسعى جاهداً لتشويه عدالة القضية الكردية وخلق المزيد من الأعداء وإرضاخ الشعب لأيديولوجيته عبر سياسات كمّ الأفواه وممارسات ترهيبية وفرض أمر واقع يخدم أجنداته فقط، لذلك فإن علاقته مع الكرد هي علاقة استخدام وتسخير وليست علاقة انتماء.
من هذا المنطلق فإن المسألة الجوهرية من إدارة حزب العمال الكردستاني لمناطق شرق الفرات تكمُنُ في استخدام سكانها لصالح مشروعه الإيديولوجي، وليس بهدف تقديم الخدمات لهم أو العمل من أجلهم، بل على العكس فتلك المنظومة العقائدية تتصرّف كقوة احتلال مؤقتة لمعرفتها بأنها لن تدوم، وأنها عابرة كغيرها، وسينتهي دورها بانتهاء المهمة الموكلة لها، لهذا تتصرف بعقلية المستثمر الانتهازي وبدور وظيفي مؤقت، حيث يتلخص سلوك التنظيم وممارساته من خلال:
العمل على استنزاف أهل المنطقة وخيراتها اقتصادياً لسحب المزيد من الأموال من شرق الفرات على حساب سكان المنطقة دون أيّ اكتراث بمصالحهم، ودون التفكير بمآلات سياسة الإفقار التي سيكون لها تأثير مباشر ليس فقط على الجانب المعيشي والخدماتي، إنما سيكون لها تأثير حتى على الجانب الثقافي والأخلاقي، لأن السياسة الممنهجة لتجويع المجتمع هو السير على تجهيل أبنائه، وعندما يتم خلق جيل جاهل بعيد عن العلم والمعرفة، وهمُّه فقط التفكير بكيفية تأمين لقمة العيش، فهذا سيُمهّد لخلخلة في النظام الأخلاقي الذي هو انعكاسٌ للفقر وتداعياته على الأمراض الاجتماعية، وبالتالي تهميش الحالة الثقافية، حيث الثقافة هي نتاج الطبقات المتوسطة التي يعملون على إلغائها، وبالتالي فالطبقات المعدمة لا يُعوَّل عليها بما أنها مشغولة فقط بالبحث عن تأمين سبل العيش. إضافة إلى الدفع باتجاه انحراف الشباب تحت ضغط الفقر المدقع واستشراء الممنوعات التي يتاجر بها أصلاً حزب العمال الكردستاني.
تجنيد المزيد من الشباب والشابات القُصّر لمصلحة قنديل، بما أن هذا التنظيم لا يمتلك مشروعاً مدنياً مستقراً، ولا مستقبل له في المدن والبلدات، طالما كان همُّه استمرار الحروب والمناحرات والاضطرابات، وهو يعكس درجة انغلاقهم وعدم امتلاكهم أية رؤية للمشروع الكردي، ولا حتى الوطني العام والذي أبعدهم للعمل كمنظمات مدنية في المدن التركية كأيّ تنظيم سياسي معني بمصالح الشعب ويعمل على توفير الخدمات له ككل الأحزاب السياسية في العالم، حيث أن فرص ممارسة العمل السياسي في المدن أتيحت لهم في ذلك البلد أكثر من مرة، ولكنهم تنصلوا من العمل بين الناس في المدن لمعرفتهم أنهم غير قادرين على ممارسة العمل السياسي الصرف بعيداً عن منطق التهديد والوعيد، فمرحلة حرب العصابات قد ولّت، وباتت الدبلوماسية والنضال السياسي السلمي هما سمةُ العصر ووسيلة استحقاقات الشعوب لحقوقها .
انطلاقاً من ذلك فإن سوء الخدمات العامة، وفرض الضرائب الباهظة على السكان، وتدهور الوضع الاقتصادي بسبب استنزاف خيرات المنطقة هي استراتيحية مستمرة إلى حين، طالما يتحكّم حزب العمال الكردستاني بالإدارة القائمة هناك، وبناءً عليه فإن الإدارة العتيدة أصدرت قراراً بتحديد سعر القمح الذي هو عملياً أقل من سعر التكلفة، والإدارة من هذا المنطلق تعمل على مبدأ التاجر الجشع والمرابي الذي يستغلُّ حاجة الناس، الأمر الذي سيتضرر من ورائه كل سكان المنطقة، ويرفع من وتيرة هجرة أبنائها، ولكن نتيجة الضغط الشعبي في الشارع من خلال الاعتصامات والاحتجاجات التي قد تعمُّ مدن ومناطق شرق الفرات، ونتيجة الضغط الإعلامي الكبير قد تلجأ الإدارة من أجل امتصاص نقمة الشارع إلى رفع أسعار القمح تلبيةً لمطالب الناس في حدودها الدنيا، ولكن تبقى استراتيجيتها الرئيسية قائمة على استنزاف خيرات المنطقة كتاجرٍ مرابٍ لا ينتمي لهذا الشعب، إنما يحاول جاهداً جمع الأموال المنقولة بكافة الطرق والتهيؤ للرحيل المفاجئ، كما فعل كوادر حزب العمال الكردستاني من قبل في أكثر من منطقة بعد انتهاء عقودهم كشركة أمنية تدار من قبل مموليها.
المنطق والتاريخ يؤكدان أن لا مستقبل للمجموعات الطارئة وسلطات أمر الواقع التي فرضت على شعوبها بقوة السلاح وتنفيذ المهمة الموكلة لهم على حساب حقوق وكرامة مواطنيها (حزب العمال الكردستاني - نموذجا" )
المقال يعبر عن رأي الكاتب
17616