كاميرا الصحافي

كاميرا الصحافي

Nov 10 2018

كاميرا الصحافي
إبراهيم اليوسف

ليس بخاف على أحد، أن حصيد" الكاميرا" يشكل بالنسبة إلى الصحفي نصف المادة الخبرية التي يقدّمها، بل إنه ثلاثة أرباع المادة، أو المادة كلها، في أحايين كثيرة، حيث أن ما يخطه الصحافي بيراعه- كما كان من قبل- أو ما يثبته على شاشة كمبيوتره، كما هو الآن، حول أي حدث، ليظل ناقصاً، لا شأن له، في الكثير من صنوف المواد الإعلامية، وهو ما انتبهت إليه الصحافة الورقية منذ لحظة نشأتها الأولى، وانتشار آلة التصوير في حدودها البدائية، إلى الدرجة التي بات يقال في عالم الصحافة "الصورة أولاً"، وصارمن يمنح الصورة مساحة أكبر في عالم هذه الصحافة، لتنشر إلى جانب القليل من المادة الكتابية، ولقد باتت أهميتها تزداد أكثر في زمان الصورة الإلكترونية، إلى أن بلغ الأمر أن هناك وسائل إعلامية باتت تعتمد على الصورة وحدها، على اعتبارها قادرة على أن تقول كل شيء، لاسيما في ما يجري من حولنا من انتهاكات وحشية بحق حياة الإنسان، نتيجة توأمة روح الانتقام وآلة القتل والدمار الرهيبين..!

لعلي، أعترف، في هذه العجالة، أنني بدأت أكتشف بعد حوالي أكثر من ثلاثة عقود من الكتابة في مجال الصحافة، وإصابتي بلوثتها المدهشة، أنني لم أكن إلا مجرد نصف صحفي، وذلك لأنني كنت أعول في ما مضى على الكلمة بدلاً عن الصورة، تاركاً أمر التقاط الصورة لمن هو معني رسمياً، حسب كل مرحلة من عمر هذه العلاقة، وهو ما قد يكون مقبولاَ ضمن حدود معينة، بيد أن مسافة شاسعة، قد تبقى بين المادة المدونة والصورة، في مالو لم يبادر الصحفي نفسه بمهمة التصوير، أو لو لم يتول توجيه عدستها، كما يتطلب نبض الحدث، وهو أمر على غاية من الأهمية.

إن فداحة الإحساس بغياب الصورة تبلغ أوجها لدى الصحفي- بل لدى أي شخص معني بتأريخ اللحظات الفارقة في حياته-من وقائع وأحداث وأسفار، وعلاقات حميمية مع أشخاص وأماكن، حتى ضمن حدود ما يستلزم من أرشفة ألبومية، وذلك بعد الانقطاع عنها، إما لمانع تأريخي، أو لداع جغرافي، أو لأمر بيولوجي، حيث رحيل هؤلاء الأشخاص، وامحاء تلك الأمكنة، وهوما يستشعره امرؤ تعامل بلا مبالاة مع حصيد عدسته، أو ترك شأن ما التقطه من صور لضمير الذاكرة الإلكترونية التي قد تتآمر عليه، مادام أنه يعلق صيده على حبال المجهول، غير المروض، لامبالياً به، ومؤكد أن من لا يهتم برصيده من عالم الصور، فمن حق الآخرين ألا يبالوا به، ويغدو الأمر أكثر مأساوية، حين يتم تهميش الكاميرا في أثناء صولات وجولات الصحافي، ولقاءاته بالناس، أو حتى في ما يخص لحظاته الحياتية الشخصية، وهذا أمر عام، بالنسبة إلى كل إنسان.

وحين نتتبع تاريخ علاقة الكاميرا بالصحافي، فإننا لنقع على مجلدات هائلة لا تنتهي، من القصص التي جرت مع الصحافيين، منذ لحظة مصاهرة الكاميرا والخبر، واعتبارها من "عدة الصحفي" بل و"الصحافة"، وقد نجد هناك حالات عشق بين بعضهم وهذه الآلة الساحرة، حيث هي رفيقة الصحفي، في حله وترحاله، بل إنها نافذته على العالم، وجزء من الهواء الذي يتنفسه، كما أن وفاء كثيرين من الصحفيين قضوا حيواتهم وهم يؤدون واجبهم الصحفي، في ساحات المعارك، أو اثناء الكوارث الطبيعية وغيره-وما أكثر حالات استشهادهم معها- فيه البرهان الأكبر، على عظمة هذه العلاقة بين هذا الإنسان وآلته التي تصر على التقاط الحياة، في لحظاتها، قبل أن تهرب إلى ساحة النسيان..!

جريدة كوردستان




المقال يعبر عن رأي الكاتب

707