حزب العمال الكوردستاني و

حزب العمال الكوردستاني و"الأمة الديمقراطية"

Jun 18 2021

حزب العمال الكوردستاني و"الأمة الديمقراطية"
غزالة خليل وضحي - الموقع الرسمي لصحيفة كوردستان

مصطلح "الأمة الديمقراطية" هو مصطلح خاطئ لأنه ليست هناك "أمم ديمقراطية"، بل هناك "أنظمة ديمقراطية". هذا المصطلح أوجده حزب العمال الكوردستاني الذي عبارة عن مشروع لإقامة إتحاد كونفيدرالي بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، بضمنها شعب كوردستان. مشروع إقامة إتحاد كونفيدرالي بين شعوب منطقة الشرق الأوسط ليس مشروعاً جديداً أو فكرة جديدة أتى به حزب العمال الكوردستاني، حيث أنّ مشروع دمقرطة بلدان الشرق الأوسط وإقامة سوق شرق أوسطية مشتركة أو تأسيس إتحاد كونفيدرالي بين شعوب المنطقة، تمّ إقتراحه من قِبل الرئيس الإسرائيلي الراحل (شمعون پیریز)، حيث أنه، بالإشتراك مع السيد (اريي نائور)، أصدرا في سنة 1993 كتابهما الشهير المعنون (الشرق الأوسط الجديد) والذي تمّت ترجمته الى أكثر من ثلاثين لغة. كما أنّ وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، السيد (هنري كيسينجر) طرح هذه الفكرة أيضاً. الفرق الوحيد بين مشروع حزب العمال الكوردستاني والمشروع الغربي – الإسرائيلي هو أن مشروع "الأمة الديمقراطية" يُحمّل شعب كوردستان إنجاز هذه المُهمّة الفاشلة في الوقت الذي لم تستطع هذه القوى الكبرى انجاز هذا المشروع.

في البداية يجب أن نعرف أنّ مجتمعات منطقة الشرق الأوسط هي مجتمعات متخلفة، تتألف من شعوب وقوميات وإثنيات وأديان ومذاهب متنافرة ومتعادية، لا تجمع بينها وحدة المصالح والأهداف والمصير والثقافة لأسباب تاريخية وسياسية وثقافية متراكمة. لذلك فإن أية محاولة للجمع بين هذه المجتمعات المُتضادّة، ستفشل لأنها لا تستند الى البُنية الفكرية والثقافية والسياسية المتنافرة لهذه المجتمعات.

يجب أخذ الدروس والعِبر من التاريخ، حيث عاشت شعوب منطقة الشرق الأوسط ضمن كيانات سياسية موحدة لِحوالي مائة سنة وخلال هذه الفترة الطويلة، فشِل التعايش بين هذه الشعوب، حيث لم تلتئم لحمة هذه الشعوب، ولم تستطع الحفاظ على وحدة دولها الهشة المفروضة عليها وغرقت هذه البلدان في دوامة من الحروب والدمار والخراب والتخلف والجهل والجوع والمرض. كما أنّ الهجمة الوحشية لإرهابيي داعش على غربي وجنوبي كوردستان وسوريا والعراق والفوضى السائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتطاحن والحروب المندلعة بين الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب فيها والخراب والدمار اللذيْن تعرضت لهما بلدان المنطقة بسبب هذه الحروب، تكشف بِوضوح عن العلاقة غير الودية التي تربط إثنيات وقوميات وطوائف المنطقة وأنّ الفكر القومي والديني والمذهبي والقبلي يسود في هذه المجتمعات وهذا يُثبت سذاجة النظرية القائلة بِإمكانية العيش المشترك بين المكونات القومية والدينية والمذهبية ضمن كيانات سياسية واحدة.
في بداية نضاله المسلح، كان حزب العمال الكوردستاني يرفع شعاره المزيف تحرير كافة الأراضي الكوردستانية من الاحتلال الإستيطاني وتأسيس دولة كوردستان بعد تحريرها، إلا أنه بعد خطف عبدالله أوجلان وسجنه من قِبل تركيا، قام بِتغيير شعار الحزب الى الأمة الديمقراطية والتي تعني بمعناها إقامة إتحاد كونفدرالي بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، حيث يعتقد الحزب الآن أن قيام دول قومية قد عفا عليه الزمن.

مادام حزب العمال لا يؤمن بتأسيس دولة كوردستان وينادي بإتحاد شعوب المنطقة في نظام كونفدرالي، فأنه يجب عليه أن يتحالف مع قوى المنتمية مع شعوب المنطقة التي يريد اقامة اتحاد فيدرالي معهم بدلاً من جعل كوردستان ساحة للحرب والدمار، حيث أنّ حزب العمال الكوردستاني يحارب الحكومة التركية منذ حوالي أربعين سنة وكانت نتائجها كارثية لِشعب كوردستان، فتمّ خلال هذه الفترة التضحية بعشرات الآلاف من حياة شابات وشباب كوردستان وخراب كوردستان وتدمير بيئتها وتشريد سكانها، دون أن يقوم هذا الحزب بمراجعة أساليب نضاله على ضوء التطورات والتغيرات الحاصلة في الظروف الكوردستانية والإقليمية والدولية والتكنولوجية.

كما أنّ حزب العمال الكوردستاني ترك ساحته وشعبه في شمال كوردستان ولجأ الى إقليم جنوب كوردستان الذي تحكمه إدارة كوردستانية وجعل من الإقليم ساحةً للحرب والدمار بدلاً من القيام بالنضال بين سكان شمال كوردستان والعمل على تحريره، حيث عزل نفسه في جبال قنديل وإبتعد عن جماهير شمال كوردستان وهذا قاد الى إنهيار معنويات الكوردستانيين في شمال كوردستان وإضعاف شعورهم القومي الكوردي والوطني الكوردستاني نتيجة عدم تمخّض النضال الدامي الذي يخوضه حزب العمال الكوردستاني منذ حوالي أربعين سنة عن أية إنجازات تُذكر وكذلك نتيجة ترك الجماهير الكوردستانية هناك لتواجه لوحدها القتل والتشريد والتتريك ودمار مدنهم وقراهم ومزارعهم وبيوتهم وخراب بيئة شمال كوردستان.

ها مضت حوالي أربعون سنة على حمل السلاح من قِبل حزب العمال الكوردستاني ضد تركيا ولم تسفر عن أي نصر يُذكر. كما يجب القول بأنّ قتل بضع جنود أتراك وحتى آلاف منهم، لا يُرضِخ الحكومة التركية على الإستسلام وتلبية مطالب حزب العمال الكوردستاني والإعتراف بحقوق شعب كوردستان. لذلك على هذا الحزب أن يقوم بِتقييم نضاله وإيجاد أساليب جديدة تتجاوب مع الإمكانيات الذاتية والظروف الكوردستانية والتركية والإقليمية والدولية. إنّ أهم مقومات النصر على الحكومة الطورانية هي توعية سكان شمال كوردستان والكورد المتواجدين في المدن والبلدات التركية من خلال التواجد بينهم وتنظيمهم ومساعدتهم، بدلاً من الإكتفاء بالتقوقع في جبال قنديل والإنعزال عن الجماهير الكوردستانية هناك وجعل إقليم جنوب كوردستان ساحة للعمليات المسلحة، التي هي ليست الساحة الحقيقية للحزب.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

824