نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها

نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها

Apr 24 2021

نظرية ولاية الفقيه وتداعياتها
صالح الملا

من الأفكار الشائعة بين الناس أن الشيعة في منطقتنا على قلب رجل واحد وأنهم فيما بينهم متفقون على من هم خصموهم ومن هم الأعداء وبالتالي ترويج هذا الفكر في المنطقة أمتد لسنوات طويلة حاولت فيها إيران تسخير كل طاقاتها في سبيل ترسيخ هذا المبدأ، في واقع الأمر أن نظرية ولاية الفقيه ليست إيرانية المنشأ على العكس تماماً فإن منبع هذه الفكرة كان من جبل عامل في لبنان المنطقة ذات الأغلبية الشيعية والشيخ أحمد النراقي كان أول من تحدث عن نظرية ولاية الفقيه وبأن أحوال الشيعة قد ساءت كثيراً ولذلك من غير المجدي الانتظار حتى ظهور المهدي وقيام الحكومة الإسلامية وبالتالي علينا تنصيب شخصاً يكون الحاكم بِاسمه وهو الولي الفقيه إلى حين ظهور الأمام المهدي ومن هنا جاءت التسمية والنظرية وقد كانت متداولة فقط في الأوساط العُلمائية والدينية وكانت موضع خلاف عميق بين رجال الدين حيث كان هناك من تقبلها وأيضاً كان هناك مراجع رفضوا الفكرة والطرح من الأساس ولم تكن تلقى رواجاً في بداياتها، إلى أن تم نفي اية الله الخميني من قبل شاه إيران الى العراق وبالتحديد إلى مدينة النجف حيث كانت هناك حوزة علمية وكانت تقدم دروس و حلقات دينية في الحسينيات وكان للخميني حلقات يقدمها هناك وبالطبع لم يكن حينها إمامًا أو مرجع ديني معروف ولكن الافكار التي كان يطرحها في حلقاته كانت ملفتة للانتباه واستطاع أن يؤثر في شريحة واسعة من الشباب هناك عبر ترويجه لنظرية الولي الفقيه والتحريض على نظام الحكم في إيران وضرورة القيام بثورة شعبية وتأسيس جمهورية أسلامية وتنصيب حاكمًا يحكم بإسم وأمر الامام المهدي.

من غير المنطقي ربط الشيعة جميعهم بإيران والقول بإنهم يأتمرون بأمر الولي الفقيه ويرسخون لنظرياته إذ آنَ الشيعة مدارس فكرية وليست مدرسة واحدة وكان هناك اختلاف واضح بين المراجع الدينية الشيعية والخميني حول ما كان يروج له حينها وحصلت تصادمات كثيرة بينهم نتيجة الأطروحات التي كان يقدمها حول الشيعة كطائفة دينية وجماعة سياسية حيث آن كل الشهادات التي واكبت تلك المرحلة تؤكد بإن السيد موسى الصدر والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي وغيرهم، هذه المراجع الدينية حينها لم تكن على وئام ووفاق معه نتيجة ما كان يقدمه ضمن حلقاته في النجف من تأجيج النزعة الدموية في الأوساط الشبابية والحث في أشرطته المسجلة على ترسيخ مبدأ العنف كوسيلة للوصول الى قيام الحكومة الإسلامية وبأنه لا ضير ان يذهب ضحايا من الناس في سبيل تحقيق ذلك. وبالتالي تاريخياً هناك حقائق تدل وتؤكد بأن الشيعة في المنطقة لم تكن تتبع لإيران.

وللتعمق أكثر في معرفة الفرق بين الشيعة في إيران وبقية الشيعة في منطقتنا سنأتي على فترة وجود بعض رجال الدين المحسوبين على حوزة النجف في إيران قبل سقوط نظام صدام حسين في العراق حينها كان الكثير من المرجعيات الدينية منفية من العراق إلى طهران بعد نجاح الثورة الإسلامية هناك ومن ضمنهم السيد محمد باقر الحكيم اذ كان يقول بإن أول عمل سيقوم به عند عودته إلى النجف هو تعريب المرجعية حيث كان مقتنعاً بأن الشيعة في إيران لا ينظرون إليهم كشيعة أيضاً بل على العكس كانوا في نظرهم عرب فقط وكانت معاملة عامة الناس معهم سيئة جداً طوال فترة وجودهم هناك.

أغتيل بعدها السيد محمد باقر الحكيم وتم تنسيب الأمر الى تنظيم القاعدة ولكن الكثيرين كانوا غير مقتنعين بهذه الرواية وكان الكثير من الشك يدور حول هذه الرواية وتوجهت أصابع الاتهام إلى مكان آخر نتيجة مواقف وكلام السيد محمد باقر الحكيم.

اليوم بعد أن أطبقت إيران سيطرتها على العراق والتغلغل في كامل مفاصل الدولة عبر أزلامها وعملائها أصبح أغلب المرجعيات الدينية تتماشى مع الأوامر التي تأتي من خارج الحدود وكأنها سلمت بالأمر الواقع، هنا بدأت تخرج للعلن أصوات شيعية المنبت تتبنى فكرة الدولة المدنية وضرورة إزالة كل ما ترتب على العراق والمنطقة من تداعيات نظرية الولي الفقيه واخراج الطائفة الشيعية من خندق العداء مع جيرانهم وبقية الطوائف والقوميات الأخرى والوصول الى بلد يتساوى فيه كل أبناءه ضمن سقف الدولة والاحتكام الى الدستور في حال الاختلاف لا التوجه نحو السلاح في فرض الآراء، هذه الأصوات بدأت تلقى رواجاً في الشارع الشيعي بشكلٍ عام وأصبحت تؤثر بشكل مباشر على البيئة الشيعية في العراق بشكل خاص والمنطقة على وجه العموم.

كل ما ترتب على المنطقة من آثار سلبية بعد تغلغل إيران بشكل مباشر في أربع دول عربية لا يتحمل وزرها كل من ينتمي إلى الطائفة الشيعية بل على العكس فأن أكثر من تضرر من هذا المشروع هم نفسهم أبناء هذه الطائفة قبل غيرهم واليوم وبعد أن توضح بؤس هذه النظرية ووصول المشروع إلى حافة الهاوية أصبحت ساحات العواصم الأربعة تكتظ بالشيعة قبل غيرهم يصدحون فيها ويطالبون بإسقاط من يحكمون باسم الدين ومطالبين بالعيش الكريم ورفض الجوع والحياة البائسة والتوجه نحو بناء دولة مدنية تؤمن لهم أبسط مقومات الحياة الكريمة.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

699