أين نحن من الحضارة ؟؟
كثيراً ما تمر على مسامعنا وتصادفنا في قراءاتنا ومشاهداتنا كلمة الحضارة، ولعلّ الكثير منا يسأل : ما هي الحضارة ؟ هل هي التقدم العمراني والصناعي والتكنولوجي بشكل عام ؟ أم هي القوة الاقتصادية ؟ أم هي القوة العسكرية المتفوقة ؟
بالحقيقة الحضارة هي الاتحاد بين مزيج كل ما سبق والأخلاق الفاضلة التي تُنتِج القوانين الناظمة للمجتمع ومؤسسات الدولة والضامنة لحقوق جميع الأفراد بغض النظر عن لون بشرتهم وعرقهم وعقيدتهم بغية بناء مجتمع ذو تربة خصبة للإبداع والابتكار . ولا شك أن ازدهار الحضارة واستمرارها مرهون بالمحافظة على ذلك الاتحاد، لأنّ سقوط طرف منه يعني زوال الحضارة .
فالأخلاق الفاضلة لوحدها بدون قوة اقتصادية توفر أسباب العدالة الاجتماعية وبدون قوة عسكرية تحميها تتحول إلى ضعف ولن تتمكن من بناء الحضارة . وبنفس الوقت التقدم التكنولوجي والقوة الاقتصادية والعسكرية بدون ضوابط أخلاقية قد يؤدي إلى كوارث على حياة البشرية إذا وصل شخص متهوّر إلى رأس السلطة، ومازالت آثار الحرب العالمية الثانية الذي أشعل فتيلها هتلر وحروب صدام حسين ماثلاً في الأذهان .
وبالعودة إلى التاريخ نجد أن الإمبراطورية الرومانية كانت الأقوى عسكرياً والأوسع مساحة من الإمبراطورية اليونانية، ورغم ذلك تفوقت الحضارة اليونانية على الحضارة الرومانية لتميّزها في قوانينها الديمقراطية التي راعت حقوق الإنسان . أمّا الملك البابلي حمورابي فقد خلّده التاريخ للقوانين العادلة التي سنّها وسمت بشريعة حمورابي .
وإنّ كل ما وصلتنا من آثار القدماء العمرانية والثقافية والأدبية والفنون بشتى أنواعها ومقتنيات المتاحف ما هي إلا نِتاج الحضارة . فأين نحن منها ؟
العميد محمد رجب
14_9_2018
المقال يعبر عن رأي الكاتب
1281