عقب الاتفاق المصري- اليوناني.. تحشيد عسكري غير مسبوق شرقي المتوسط وخشية من مواجهة عسكرية

عقب الاتفاق المصري- اليوناني.. تحشيد عسكري غير مسبوق شرقي المتوسط وخشية من مواجهة عسكرية

Aug 09 2020

ارك نيوز... عاد شبح المواجهة العسكرية بقوة إلى شرق البحر المتوسط عقب الاتفاق المصري اليوناني لتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة بين البلدين وانهيار “الهدنة الألمانية” وإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استئناف التنقيب في مناطق متنازع عليها وسط تحشيد عسكري غير مسبوق وانتشار واسع لسفن التنقيب وفرقاطات وغواصات حربية، وإعلان أنقرة تنفيذ مناورات حربية بالذخيرة الحية خلال الأيام المقبلة.

وفي أبرز تطور، أكدت وسائل إعلام تركية أن الجيش التركي أطلق إنذاراً بحرياً في مناطق واسعة شرق المتوسط ستجري فيها مناورات حربية بالذخيرة الحية يومي الإثنين والثلاثاء، بمشاركة سفن وفرقاطات وغواصات حربية، بالإضافة إلى قوات مختلفة من سلاح الجو، وهي مناورات قد تجري في مناطق متنازع عليها وتزيد من مخاطر الاحتكاك بين القطع البحرية التركية واليونانية المتزايدة في المنطقة.

ومنذ التوقيع على الاتفاق التركي اليوناني، أرسلت تركيا تعزيزات عسكرية بحرية كبيرة إلى شرق المتوسط، وأكدت مصادر مختلفة أن سفناً حربية وفرقاطات عبرت من مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل باتجاه شرق المتوسط، فيما نشر نشطاء أتراك مقاطع فيديو مختلفة لسفن عسكرية محملة بصواريخ ثقيلة وغواصات حربية تتحرك بشكل نشط في شرق المتوسط وخاصة في محيط جزيرة ميس اليونانية القريبة من السواحل التركية والتي تعتبر أحد أبرز ساحات الخلاف المتصاعد بين البلدين.

في المقابل، أكدت وسائل إعلام يونانية أن القوات البحرية اليونانية رفعت حالة الاستنفار في صفوفها وأرسلت تعزيزات عسكرية جديدة إلى شرق المتوسط، لافتةً إلى أن الجيش اليوناني يتابع تحركات الجيش التركي وعبور قطع بحرية جديدة باتجاه شرق المتوسط، فيما وصف الإعلام التركي هذه الأنباء بأنها “حالة من القلق والإرباك تسود في صفوف الجيش اليوناني”.

وعقب الاتفاق اليوناني المصري، أعلن الرئيس التركي استئناف عمليات التنقيب التي أوقفتها تركيا مؤقتاً بوساطة ألمانية، وقال: “استأنفنا عمليات التنقيب وأرسلنا من جديد بهذا الهدف (سفينة المسح الزلزالي) خير الدين بارباروس في مهمة”. وأكد أردوغان أنه كان وافق على تعليق عمليات التنقيب بناء على طلب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بهدف “تسهيل” المحادثات بين تركيا واليونان، لكنه اتّهم أثينا “بعد م الوفاء بوعودها”.

لكن الخطر الأكبر لا يتعلق بتحريك سفينة “خير الدين بارباروس”، وإنما بتأكيد وسائل إعلام تركية أن أنقرة ستحرك أيضاً سفينة “أوروتش ريس” الموجودة حالياً قبالة سواحل مدينة أنطاليا والتي أوقف تحركها قبل نحو أسبوعين وساطة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والتي وصفتها صحيفة “بيلد” الألمانية بأنها منعت وقوع مواجهة عسكرية محققة بين تركيا واليونان.

وترافق سفن وغواصات حربية إلى جانب طائرات استطلاع ومروحيات عسكرية على الدوام سفن التنقيب التركية المنتشرة في شرق المتوسط، حيث تتواجد حالياً سفينتا “ياووز” و”بارباروس خير الدين باشا”، فيما تستعد سفينة “أوروتش ريس” للتحركات بحماية عسكرية من سواحل أنطاليا إلى شرق المتوسط.

وسفينة “أوروتش ريس” من المقرر لها أن تبدأ التنقيب في مناطق واقعة في محيطة جزيرة ميس اليونانية الموجودة على بعد 2 كيلومتر فقط من السواحل التركية وعلى بعد 580 كيلومتر من السواحل اليونانية، وتقول تركيا إن اليونان تسعى من خلال منح الجزيرة جرفا قاريا بمساحة 40 ألف كيلومتر مربع إلى محاصرة تركيا تماماً وهو ما تشدد أنقرة على أنها لن تقبل به على الإطلاق.

وبحسب موقع “خبر 7” التركي، يتوقع أن تشمل تحركات سفن التنقيب والسفن الحربية التركية مناطق واقعة ضمن الاتفاق الموقع مؤخراً بين مصر واليونان ومناطق واقعة في إطار الاتفاق التركي الليبي، بالإضافة إلى المناطق الواقعة في محيط جزيرة ميس، وهي جميعها مناطق حولها خلافات كبيرة ويمكن أن تؤدي إلى احتكاك عسكري مع اليونان بالدرجة الأولى ومصر بدرجة أقل.

وتشدد تركيا على أن الاتفاق التركي اليوناني “غير شرعي”، وقال أردوغان إن “الاتفاقية بين اليونان ومصر باطلة ولا قيمة لها”، مضيفاً: “اليونان ليس لها حدود مع ليبيا ولا مع مصر، ولا يحقّ لها توقيع هذه الاتفاقية”، مشدداً على أن بلاده سوف تطبق “بحزم اتفاقياتها مع ليبيا”، والتي تمر من خلالها بعض المناطق التي يشملها الاتفاق اليوناني المصري.

في السياق نفسه، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الخميس، إن “ما تسمى اتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية بين مصر واليونان، تنتهك الجرف القاري لتركيا وليبيا وحقوقهما”، لافتاً إلى أن “الاتفاقية باطلة من ناحية تركيا وتسببت في خيبة أمل لدى الاتحاد الأوروبي”.

وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الخارجية التركية، أن المنطقة التي يشملها الاتفاق المصري اليوناني تقع ضمن الجرف القاري التركي الذي جرى إبلاغ الأمم المتحدة به من قبل أنقرة، مشددة على أن “مصر التي تخلت عن 11.500 كم مربع بموجب الاتفاقية الموقعة مع إدارة قبرص الجنوبية اليونانية في 2003، تفقد مرة أخرى من صلاحية حدودها البحرية عبر هذه الاتفاقية المزعومة مع اليونان”، مؤكدة على أن “أنقرة لن تسمح لأي أنشطة ضمن المنطقة المذكورة، وستواصل بلا شك الدفاع عن الحقوق المشروعة لتركيا وللقبارصة الأتراك شرقي المتوسط”.

وفي إطار المعركة المتصاعدة في شرق المتوسط، تتوقع مصادر تركية أن تتجه اليونان إلى توقيع اتفاق جديد مع قبرص اليونانية لتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة، وفي حال حصل ذلك بالفعل، فإن حزمة أكبر من الخلافات بين البلدين سوف تشتعل، لا سيما وأن تركيا ترفض أي استغلال لموارد قبرص قبيل التوصل إلى حل نهائي لتقاسم موارد الجزيرة بين شقيها التركي واليوناني.

من جانب آخر، وفي ظل زيارات واتصالات ولقاءات ثلاثية مكثفة جداً بين تركيا وليبيا ومالطا في الأسابيع الأخيرة، تتكهن مصادر تركية باحتمال التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين مالطا وليبيا، وذلك للمساهمة في قطع الطريق على التحركات اليونانية، وهو ما يزيد بدوره من تعقيد الصراع الذي يتسع تباعاً ليشمل أطراف أخرى مختلفة مطلة على المتوسط.

وكان التصعيد بين تركيا واليونان قد دخل مرحلة جديدة من مستويات الخطورة التي تنذر باحتمال حصول مواجهة عسكرية بين البلدين بسبب الخلافات المتصاعدة والمتزايدة حول الكثير من الملفات أبرزها الحدود البحرية والجرف القاري والجزر المتنازع عليها، بالإضافة إلى الانتشار العسكري شرقي المتوسط والتحركات المتزايدة المرافقة لتصاعد الأزمة في ليبيا.

ومع الاتفاق المصري اليوناني الجديد، يتوسع خطر المواجهة هذه المرة ليشمل مصر بقوة، حيث تتداخل مناطق الاتفاق الجديد مع مناطق الاتفاق التركي الليبي حيث تتعهد أنقرة التي تنشر سفن تنقيب وسفن حربية في المتوسط بحماية تلك المناطق، ومع انهيار الوساطة الألمانية يتوقع أن تعود السفن التركية للتحرك في مناطق متنازع عليها كما يتوقع أن تتحرك سفن مصرية في مناطق الاتفاق مع اليونان وهي تحركات يمكن أن تؤدي إحداها إلى احتكاك عسكري ربما يتوسع لمواجهة أكبر في ظل الاحتقان غير المسبوق بين القوى المتنازعة في شرق المتوسط، الأمر الذي يستدعي تحركا أوسع من قبل أمريكا والاتحاد والأوروبي لضبط الأطراف المتنازعة ومنع سيناريو حصول مواجهة عسكرية تكون نتائجها كارثية على جميع الأطراف.

ومن المتوقع أن يؤدي توقيع اليونان على الاتفاق مع مصر واستئناف عمليات التنقيب بشكل يخالف ما جرى الاتفاق عليه مع تركيا بوساطة ألمانية إلى دفع تركيا للتعنت أكثر واستخدام كافة إمكانياتها لتعزيز انتشارها في شرق المتوسط وحماية المناطق التي تعتبرها تقع ضمن جرفها القاري، الأمر الذي سيصعب أي مهمة مقبلة لثني الأطراف عن التحرك ميدانياً والاتجاه نحو مائدة المفاوضات مجدداً، وهو بدوره سيزيد من مخاطر الصدام، وكتبت صحف تركية عناوين من قبيل “اليونان فقدت فرصتها الأخيرة”.

956