اللغات لا تُهدم الأوطان بل تبنيها

اللغات لا تُهدم الأوطان بل تبنيها

May 18 2020


لارا أيوب

قال المخرج الفرنسي هنري ديلاكروا: شخصية الفرد يتم بناؤها من خلال معرفته بلغته واللغات أخرى.

وأنا أسأل في مقالتي هذه ما نفع منع اللغة العربية وهوياتنا وجوازاتنا لازالت تحمل "الجمهورية العربية السورية " وحين نعرّف عن أنفسنا نقول "سوريُّ الجنسية"؟

في ظل سلبيات الحرب الكثيرة على سوريا أصبحنا نسمع عن إغلاق المدارس الحكومية في منطقة الجزيرة، بسبب منع اللغة العربية وتدريس الكوردية بدلاً عنها.

الأمر الذي أدى إلى عزوف أغلبية الطلبة عن الذهاب إلى المدارس ولجوئهم إلى العمل، جاهلين التعليم والمعرفة اللذين يعدان من أساسيات نشوء مجتمع كامل متكافئ، معتمد على نفسه، في جميع مجالات الحياة .

الحرب هي تلك" الأذية" التي لم يسلم منها أحد ، فلماذا نساهم نحنُ أيضاً في تقديم العلم ناقصاً يجعل من الطالب غريباً في وطنه، حدوده التعليمية تكون ضمن لغته، وإذا ما خرج من تلك الحدود يتحول إلى أميٌّ أمام أي ورقة مكتوبة بغير لغة، الأمية التي منحناه إياها حين كنّا نفرض وجودنا الكوردي، وكأنّ انتصار الدولة الكوردية محصورٌ في تعلم اللغة فقط !

اللغة الكردية لسكان الجزيرة هي اللغة الأم، وجميلٌ حين تحب قوميتك وتنتصر على كُلّ أشكال الدكتاتوريات وأنت تفرض لغتك في المدارس ، ولكن الاكتفاء بلغة واحدة ليست كافية لتخرج جيلاً ناضجاً مثقفاً ،

فكيف باستطاعتكم التخلي عن اللغة العربية وأنتم تسكنون وطناً عربياً حدوده مطلّة على ثلاث دولٍ عربية أخرى، وهي اللغة السائدة في الشرق الأوسط كله من أجل نزعة عنصرية ؟

لماذا تحاربون لغة ستمنح أولادكم شهادة جامعية فقط لأنكم على خلافٍ مع حكومة ذاك الوطن ؟

هل اللغة العربية هي لغة سورية ؟ أم أنّ في سوريا فقط يتكلمون العربية ؟

العربي الذي احتل الأرض الكوردية في القديم، وساهم في تعريبهم، لم يترك لهم قوة يستطيعون من خلالها غلق حدودهم والاكتفاء بذواتهم، نحنُ لا نملك إقليماً ذاتياً يمكننا من افتتاح الجامعات الكوردية ، لا زُلنا نبعثُ بأبنائنا إلى الجامعات الحكومية العربية،

فكيف سيتمكن طلابنا من دخول تلك الجامعات إن حُصِرَ تعليمهم للغتهم فقط ؟

علينا نحنُ ككرد أن نقوم ببناء الجامعات الكوردية في مناطقنا أولاً ومن ثمّ جعل اللغة الكوردية الرسمية إلى جانب اللغة العربية والإنكليزية إلخ....

فاللغات ليست لها علاقة بالسياسات والحروب، تعلم اللغات حضارة ، ويُتيح للفرد من خلالها التّعرف إلى ثقافات جديدة وتبادل الخبرات، وعن طريق الثّقافة يتمكّن الشّخص من بناء علاقات مع النّاس في مختلف مناطق العالم .

إنّ أولى الأسباب التي تخلق الإهمال والفوضى في المدارس الكوردية هو اختيارهم لكوادر تعليمية أغلبيتهم ليسوا من خريجي الجامعات ولا يمتلكون حتى شهادة البكالوريا،

كيف سيتمكن هذا المعلّم من تدريس الطلبة وهو نفسه يفتقرُ إلى أساليب التوعية والتعليم ؟

وكيف سيعطي لتلاميذه دروساً وهو لا يمتلكُ شهادة تؤهله لأن يكون قدوة إضافة إلى أنه كان ذات يوم تحت وطأة دكتاتور لا يسمح له حتى التفوه باسمه إن كان كوردياً ؟

إذاً سيقتصر إعطاؤه على استرداده الدروس من وسائل الإنترنت والتي تُبث على الصفحات التعليمية.

والذي يُثير الجدل أكثر هو المنهاج الغير أكاديمي الذي يُدرس وهو لا يحتوي دروساً تعليمية، تربوية وتثقيفية،

على الأطراف المعنية بشؤون الطلبة والتدريس القيام بتطوير المنهاج الكوردي ليكون منهاجاً معتمداً يمنحُ لخريجيه شهادة معترفة في جميع الدول وتمكنه من دخول الجامعات، وإضافة اللغات الأخرى إلى المدارس فالانتصار ليس بلغة واحدة، بل بتعلم جميع اللغات، الانتصار هو أن تقرأ المجلات والصحف جميعها، حين تكتب عن كوردستان في مواقعهم العربية وتفرض عليهم قراءة مقالتك رغماً عنهم وحين تحارب عدوك وأنت ترفع يدك في وجه لتقول له بلغته أنا كوردي .

جميلٌ عندما يكون الإنسان محباً لوطنه ، ماضِ إلى ساحة الشهادة بكل فخر، ولكن السلاح وحده لا يبني الأوطان حدوده تكون مقتصرة في الدفاع ويقفُ صامتاً أمام المشورة العلمية، ولا العلم وحدة قادراً على حماية حدود الوطن،

إذاً علينا بناء مجتمع متكامل تنصره قوة السلاح في الحرب وقوة القلم في السلم، وعلينا تقبل جميع اللغات وتدريسها ليكون أبناؤنا بوابتنا إلى المستقبل وإلى الوطن الذي سيبنيه الطالب بشهادته.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

1175