فرنسا مصرّة على «الانتقال السياسي» في سوريا رغم التقارب مع موسكو

فرنسا مصرّة على «الانتقال السياسي» في سوريا رغم التقارب مع موسكو

Jul 30 2018


فرنسا مصرّة على «الانتقال السياسي» في سوريا رغم التقارب مع موسكو

باريس: ميشال أبو نجم

أكثر من إشارة تقارب بين باريس وموسكو بشأن الملف السوري برزت في الأيام الأخيرة، تعكس رغبة واضحة على أعلى المستويات لجعل الطرفين يعملان معاً. فالرئيسان فلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون التقيا مرتين مؤخراً: الأولى في مدينة سان بطرسبرغ يوم 24 مايو (أيار) بمناسبة زيارة رسمية للثاني إلى روسيا، واللقاء الآخر جرى في 15 يوليو (تموز) على هامش نهائيات كأس العالم لكرة القدم في موسكو. وفي كلتا المرتين، كان الملف السوري حاضراً. وبحسب مصادر فرنسية رسمية، تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن باريس لا ترى اليوم وسيلة «للحضور والتأثير» في هذا الملف إلا عبر موسكو التي تمسك بيديها الكثير من الأوراق بعد التغييرات الميدانية الجذرية، وتمكين النظام من إعادة السيطرة على المناطق التي كانت بأيدي المعارضة، وآخرها محافظتي درعا والقنيطرة.

تقول المصادر الفرنسية إن الترجمة «العملية» لهذا التقارب ظهرت بوضوح في 21 من الشهر الحالي، عندما قامت طائرة «أنطونوف» روسية عملاقة بنقل 44 طناً من المساعدات الإنسانية من مطار شاتورو (وسط فرنسا) إلى مطار حميميم الروسي في سوريا، لتوزع في الغوطة الشرقية عبر الهلال الأحمر السوري وبإشراف الأمم المتحدة. العملية، الأولى من نوعها، التي أثارت الكثير من الجدل في فرنسا، أقرت في لقاء الرئيسين الثاني. ذلك أن باريس ترى في العمل الإنساني مدخلاً للعودة إلى الملف السوري. لكن طموحها له أيضاً وجه سياسي، حيث نجح ماكرون في إقناع نظيره الروسي بإيجاد «آلية تعاون» بين مجموعة آستانة من جهة (روسيا وتركيا وإيران) و«المجموعة المصغرة» (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن ومصر). وفي الأيام الأخيرة، أشار بوتين إلى هذه الآلية، وإلى رغبته في تفعيلها. لكن، عملياً، لا وجود فعلي لها حتى اليوم. غير أن الطرف الفرنسي، وفق ما نقلت مصادر رسمية لـ«الشرق الأوسط»، «مقتنع» بأن روسيا، رغم الانتصارات الميدانية التي حققها النظام بدعم من الطيران الروسي وإيران والميليشيات المؤتمرة بأمرها، «تحتاج لفرنسا» من أجل السير بالحل السياسي.

ورغم الرغبة في التقارب والعمل المشترك، ما زالت هناك هوة تفصل بين العاصمتين. وما زالت باريس تتمسك بـ«رؤيتها» للحل رغم «البراغماتية» التي تطبع مقاربة الرئيس ماكرون لهذا الملف. وكان ماكرون قد عمد في 27 يونيو (حزيران) إلى تعيين «ممثل خاص» وسفير لفرنسا في سوريا بشخص فرنسوا سينيمو، الذي يشغل حالياً منصب سفير بلاده في طهران، وسبق له أن كان مديراً للمخابرات الفرنسية الخارجية. ويخلف سينيمو، السفير فرانك جوليه، الذي كان يمسك بهذا الملف منذ العام 2014.

في الاجتماع الأخير لمجلس الأمن حول الملف السوري، برزت الخلافات الفرنسية ــ الروسية، حيث أعاد السفير الفرنسي فرنسوا دولاتر التأكيد على تمسك باريس بالحل السياسي الذي يعني وجود عملية انتقال سياسية. وقال دولاتر ما حرفيته: «لن نشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يجر انتقال سياسي فعلياً بمواكبة عمليتين دستورية وانتخابية (....) بطريقة جدية ومجدية». وحرص السفير الفرنسي على إعادة التذكير بأن الانتصارات العسكرية «لا تصنع سلاماً»، مضيفاً أن انتقالاً سياسياً هو شرط «أساسي» للاستقرار، ومؤكداً أنه من دون استقرار «لا سبب يبرر لفرنسا والاتحاد الأوروبي تمويل جهود إعادة الإعمار». والطريق إلى ذلك، وفق باريس، هي في الجلوس حول طاولة المفاوضات والعودة إلى مرجعية القرار 2254 الذي يشير إليه وزير الخارجية الروسي بمناسبة ومن غير مناسبة، وهو ما فعله عندما جاء إلى باريس في إطار جولة شملت إسرائيل وألمانيا وفرنسا.

كلام السفير الفرنسي في مجلس الأمن، أول من أمس، جاء رداً على دعوة مساعد السفير الروسي في الأمم المتحدة ديميتري بوليانسكي، الذي حث الأسرة الدولية على مساعدة سوريا من أجل إنعاش اقتصادها، ولكن من غير الربط بين المساعدات وإجراء تغييرات سياسية تلحق بالنظام. ورغم أن باريس لم تعد تشير من قريب أو بعيد إلى خروج الرئيس الأسد من السلطة، إلا أنها ما زالت تصر على الحاجة لحصول عملية «انتقال سياسية» من دون أن تحدد حقيقة معناها وشروطها. وتقول المصادر الفرنسية إن «النقطة السوداء» في الوضع الحالي هو موقف واشنطن المتأرجح بين القضاء على «داعش» والرغبة في الخروج السريع من سوريا. وجاء تخلي واشنطن عن فصائل المعارضة المسلحة في جنوب سوريا التي دربتها وأمدتها بالسلاح، لتثير تساؤلات عميقة حول «الخطة» الأميركية لما بعد «داعش» ومستقبل الحضور الأميركي العسكري في سوريا. وكانت باريس تعول على قمة بوتين - ترمب لجلاء الموقف الأميركي. لكن ما بعد القمة ليس أكثر وضوحاً مما قبلها، وبالتالي، فإن الورقة «الرابحة» الوحيدة بأيدي الفرنسيين والأوروبيين هي ورقة تمويل إعادة الإعمار، لأن العواصم المعنية تعي أن لا روسيا ولا إيران لديهما الإمكانات للقيام بذلك، وبالتالي فإن موسكو ستكون مضطرة لتقديم «تنازلات» ما، والضغط على النظام للسير في «الحد الأدنى» من العملية السياسية. والخلاصة الفرنسية أن الأزمة السورية لم تنته، وأن فصولاً أخرى لم تغلق بعد، ومنها فصل الحضور الإيراني في سوريا ومستقبل العلاقات بين دمشق والأكراد السوريين.

تقول مصادر دبلوماسية فرنسية، تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، قبل الاجتماع الأخير بين ممثلي «قوات سوريا الديمقراطية» والنظام في دمشق، إنها تدعو الأكراد إلى «الحذر»، وإلى عدم السير بمقترحات تقدم إليهم «من غير ضمانات» جدية وفي إطار حل سياسي واسع. جدير بالذكر أن لباريس حضوراً عسكرياً متواضعاً في مناطق سيطرة «سوريا الديمقراطية» إلى جانب الحضور العسكري الأميركي. ومشكلة فرنسا، كما تعترف بذلك مصادرها، تكمن في أن لديها رؤية وأفكاراً محددة، لكن وسائل الضغط والإمكانات التي بحوزتها ليست كثيرة، وبالتالي قاصرة عن التأثير جدياً في مسار الأحداث.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

860