انتصار حزب البارتي: إرادة الكورد في مواجهة القوى الإقليمية وتحديات المستقبل

انتصار حزب البارتي: إرادة الكورد في مواجهة القوى الإقليمية وتحديات المستقبل

Oct 25 2024

انتصار حزب البارتي: إرادة الكورد في مواجهة القوى الإقليمية وتحديات المستقبل
خالد إبراهيم

في خضم التحولات السياسية المتسارعة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، يُعتبر انتصار حزب البارتي في الانتخابات الأخيرة علامة بارزة على تطلعات الشعب الكوردي نحو الحرية والكرامة. هذا الانتصار، الذي يتجاوز كونه فوزًا سياسيًا لحزب واحد، يمثل إرادة أمة كاملة تسعى لتحديد مصيرها في ظل ظروف صعبة ومعقدة. ومع ذلك، يأتي هذا الانتصار في وقت حرج حيث تتعاظم الهيمنة الإيرانية وكذلك الضغوط من قوى إقليمية أخرى تتقاسم أجزاء كوردستان، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل كوردستان ووحدة الشعب الكوردي في الأجزاء الأربعة. إن الهيمنة الإيرانية ليست العامل الوحيد المؤثر على القرار السياسي الكوردي، بل تتداخل معها قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وسوريا والعراق. هذه القوى تسعى جميعها إلى تعزيز مصالحها الخاصة على حساب الهوية الكوردية، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في كوردستان. فالسياسات الخارجية لهذه الدول غالبًا ما تتعارض مع حقوق الكورد وتطلعاتهم، ما يعيق فرص تحقيق الاستقرار والتطور.

في هذا السياق، يُعتبر بافل طالباني شخصية محورية في المشهد الكوردستاني، حيث وُضع يده ولا يزال مع إيران، مما زاد من تعقيد الوضع السياسي. فعندما تحالف مع قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، أدى ذلك إلى تفاقم الوضع الكوردي بشكل كبير. إن تلك العلاقة قد عُدّت خيانة للشعب الكوردي، حيث ساهمت في تسهيل سقوط كركوك، المدينة التي تُعتبر رمزًا للتاريخ الكوردي وعنوانًا للهوية. هذا الحدث لم يُنسَ، إذ ما زالت تداعياته تُلقي بظلالها على الأحداث السياسية الحالية، حيث شكلت نقطة تحول في توازن القوى بين الكورد والأطراف الأخرى.

سقوط كركوك في عام 2017 يُعتبر من اللحظات الأكثر ألمًا في تاريخ الكورد الحديث. فقد شهدت المدينة، التي كانت تعيش حالة من الاستقرار النسبي في ظل حكم الإقليم، هجومًا عسكريًا من القوات العراقية المدعومة من ميليشيات الحشد الشعبي. وكان لهذا الهجوم تأثيرات مدمرة على المشروع الكوردي، حيث انتزع السيطرة على المدينة في ظروف صعبة، ومع الخيانة السياسية التي تعرض لها الكورد من قبل بعض الشخصيات، مثل بافل طالباني، فإن ذلك ساهم في تعزيز موقف الأعداء وتقويض الدفاعات الكوردية.

إن سقوط كركوك لم يكن مجرد خسارة عسكرية فحسب، بل كان رمزيًا يعكس خيانة فادحة للقضية الكوردية. إذ أعاد هذا الحدث إلى الأذهان المخاوف من أن الوحدة الكوردية لا تزال مهددة بسبب الانقسامات الداخلية، وأن التحالفات غير الموفقة قد تؤدي إلى عواقب وخيمة. إن هذا الجرح لا يزال نازفًا في نفوس الشعب الكوردي، ويجب أن يكون دافعًا لتوحيد الصفوف وتعزيز الوعي السياسي لدى الجماهير.

إن اللحظة التاريخية التي يعيشها الكورد اليوم تتطلب تعزيز الوحدة بين القوى السياسية. يجب أن تكون هناك رؤى مشتركة للتعامل مع الهيمنة الإقليمية والتحديات المعقدة التي تواجه الشعب الكوردي. فالنجاح في مواجهة الضغوط الخارجية يتطلب تماسكًا داخليًا، حيث يجب على جميع الأطراف الكوردية أن تتحد تحت راية واحدة، وتدرك أن قوتهم تكمن في وحدتهم. إن تعزيز هذه الوحدة يتطلب العمل على تجاوز الخلافات القديمة، وبناء تحالفات جديدة تركز على المصالح المشتركة. من الضروري أن يتعلم الكورد من دروس الماضي، وأن يُعيدوا تقييم علاقاتهم مع القوى الإقليمية، حتى لا تتكرر الأخطاء التي أدت إلى سقوط كركوك.

بالرغم من التحديات، فإن انتصار حزب البارتي يُعد علامة أمل في سعي الشعب الكوردي لتحقيق تطلعاته. إن هذه اللحظة تتطلب العمل الجماعي والتفاني في تحقيق الأهداف المشتركة، من خلال بناء سياسات تعزز الاستقلالية وتحد من التأثيرات الخارجية. ينبغي على الكورد أن يستغلوا هذا الانتصار لتعزيز حقوقهم، وإعادة بناء هويتهم الثقافية والسياسية في ظل الأزمات.

في الختام، يُظهر انتصار حزب البارتي أن الشعب الكوردي يمتلك إرادة قوية لمواجهة التحديات. لكن هذا الانتصار يأتي مع مسؤوليات جسيمة، حيث يجب أن نكون واعين لتهديدات القوى الإقليمية التي تتقاسم أجزاء كوردستان. إن تعزيز الهوية الكوردية وحمايتها من الهيمنة الخارجية تقع على عاتق الجميع، ويتطلب إرادة حقيقية للعمل على تحقيق الاستقرار والسلام في كوردستان. إن النجاح في هذه المهمة يتطلب وحدة الصف، وإيمانًا عميقًا بقضية الشعب الكوردي، لنصنع معًا مستقبلًا يليق بتطلعاتنا وآمالنا.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

343