هكذا تأسس حزبنا.. وهكذا يسير!
الوضع الكوردستاني العام حينذاك
معلوم أن وضع الشعب الكردي على مستوى عموم أجزاء كوردستان كان ذا تأثير متبادل، حيث كان لسلسلة الثورات والانتفاضات الكردية أثرها المتزايد في اليقظة القومية، وفي النهوض الكردي في عموم كوردستان، أبرزها انتفاضة الشيخ محمود الحفيد عام 1919 في العراق وثورة الشيخ سعيد بيران عام 1925 في تركيا، كما كان للأمراء البدرخانيين دورٌ متميزٌ في هذا النهوض، وخصوصاً في الجانب الثقافي والمعرفي والإعلامي منهم الأمير مقداد مدحت الذي أصدر أول صحيفة كردية باسم «كردستان» في نيسان عام 1898 في القاهرة عاصمة جمهورية مصر، وكذلك الأمير جلادت الذي وضع الأبجدية الكردية، وساهم هو الآخر في الإصدارات والدوريات الإعلامية والثقافية وكذلك الأميرة روشن المعلمة والمربية المتقدمة، وغيرهم ..
كما كان لثورات البارزانيين المتتالية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى عام 1945 أثر مميز في النهوض القومي الكردي، وما زاد في تعزيز أمل الكرد في مستقبل زاهر هو قيام جمهورية مهاباد «كوردستان» إيران برئاسة الشهيد قاضي محمد عام 1946..
الوضع السوري قبل التأسيس
شهدت سوريا في مرحلة ما بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1946 سلسلة انقلابات عسكرية متتالية، وحصلت فيما بعد حالة من التوتر والصراع السياسي عبر تفاعُل الوضع على المستويين، الأول: الصراع على سوريا، وظهور حلف بغداد ومشروع أيزنهاور وغيرهما، والثاني: الصراع الديمقراطي والتنافس على مقاعد البرلمان من خلال تحالفات وطنية سياسية، دون تمييز أو امتياز لأحدٍ بسبب الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي، فقط الانتماء الوطني السوري ومستوى الأداء المعرفي والسياسي كان هو المعيار، وعليه كان الإقبال على صناديق الاقتراع قوياً من خلال تلك المنافسة الحادة، أي أن الحالة الديمقراطية السائدة آنذاك، ومنذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وحتى عام 1957 أوجدت مناخاً مناسباً لتأسيس حزب ديمقراطي كردي في سوريا بغية الانخراط في العملية السياسية والعمل من أجل تحقيق تطلُّعات شعبنا الكردي القومية والديمقراطية.
وقد سبق تأسيس الحزب ظهور بعض الجمعيات أبرزها جمعية «خويبون» عام 1927 والتي شملت ممثلي معظم أجزاء كوردستان وأغلبهم من كرد (غربي كوردستان) كما ظهرت في مرحلة ما قبل استقلال سوريا وما بعدها جمعياتٌ ونوادٍ واتحادات كردية في دمشق والعديد من المدن الكردية، وظهر فيما بعد حزب آزادي «الحرية» الذي أسسه نخبة واعية بينهم الشاعر المعروف جكرخوين ..الخ، وأخيراً تم تأسيس حزب كردي له برنامج سياسي ونظام داخلي شارك في تأسيسه كل من السادة: أوصمان صبري، حميد درويش، حمزة نويران، وتم التواصل مع عفرين «جبل كرد» حيث السادة: رشيد حمو، محمد علي خوجة، شوكت حنان، خليل محمد ..وبذلك تم الاتفاق على التأسيس في 14 حزيران عام 1957 في منزل الراحل محمد علي خوجة الكائن في سوق الخميس بمدينة حلب، بحسب الراحل حميد درويش.
يذكر الراحل محمد ملا أحمد «توز» أن الراحل الشيخ محمد عيسى شيخ محمود، كان مع الثلاثة الأوائل في التأسيس، بينما الراحل حميد درويش يذكر انضمام الشيخ إلى اللجنة المركزية في أواخر عام 1957 وآخرون يرون أن الشيخ غاب عن اجتماع التأسيس بسبب سفره لأداء العمرة.
ويؤكد البعضُ أن الحوارات والمفاوضات التي حصلت لانضمام اتحاد الشباب وحزب آزادي إلى الحزب الجديد كانت تُجرَى في منزل الشيخ محمد عيسى الكائن حينها في حي قدور بك بمدينة قامشلي، في إشارة لعضوية الشيخ في التأسيس.. أما عن الراحل الدكتور نور الدين ظاظا فقد تم التأكيد على مؤازرته المؤسسين في وضع بعض وثائق الحزب، إلا أنه انضمّ إلى اللجنة المركزية في عام 1958 وتم اختياره رئيسًا للحزب..
وعن اسم الحزب، يقول الراحل حميد درويش إن الاسم في البداية كان «حزب الأكراد الديمقراطيين السوريين» وتغيّر عند اجتماع التأسيس إلى «الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا» ويذكر آخرون، ومنهم الراحل أوصمان صبري والراحل محمد ملا أحمد "توز" وغيرهما أن الحزب بدأ باسم «البارتي الديمقراطي الكوردستاني في سوريا " وشعاره العريض: «تحرير وتوحيد كوردستان» ويذكر أن كان للعديد من الشخصيات الكردية من خارج سوريا تأثيرهم ومساهمتهم في تأسيس الحزب الوليد منهم الراحل جلال الطالباني، والراحل عبد الله اسحاقي والراحل عبد الرحمن الذبيحي، وكان للبارزاني الأب الخالد ملا مصطفى كما يقول الراحل حميد درويش وحينها كان في الاتحاد السوفييتي تأثيره العميق في تأسيس الحزب، وتأثر هذا الحزب بالحزب الشقيق في كوردستان العراق ولاسيما بعد عودة البارزاني عام ١٩٥٨ إثر انتصار ثورة عبد الكريم قاسم على الملكيين، وإشعال البارزاني ثورة أيلول المجيدة عام 1961 وظل حزبنا يستمد قوته من جماهير الشعب الكردي وبوصلته من هذه الثورة وقائدها ونهج الكوردايتي إلى الآن.
تعرّض الحزب في عهد الوحدة بين سوريا ومصر عام ١٩٥٨ للضغوط والمضايقات، وقيادته للملاحقة والسجن، وعانى الحزب فيما بعد الوحدة من الضغوط والمضايقات بعد انقلاب حزب البعث عام١٩٦٣ وحركة حافظ الأسد عام١٩٧٠ وامتداد حكمه عبر وريثه أسد الابن حتى الآن، وتعرض الشعب الكردي برمته للسياسات الشوفينية والعنصرية من إحصاء استثنائي وحزام عربي وسياسة التعريب للأسماء والمناطق والبلدات والقرى الكردية، ونال الشعب الكردي نصيبه مع قياداته من الاعتقال لمرات عديدة أبرزها الحملة الواسعة في عام ١٩٦٦ وأخرى عام ١٩٧٣حيث اعتقال المناضل المرحوم حاج دهام ميرو وعدد آخر من القيادة والهيئة الاستشارية، وبقي معظمهم رهن الاعتقال التعسفي لمدة ثماني سنوات دون محاكمة، وانقسمت الحركة الكردية قبلها وفيما بعد انقسامات عدة ومعظمها لأسباب تنظيمية وبعض الجوانب السياسية والفكرية، وكان الانقسام الأول عام 1965 واستمر لعام 1970 حيث دعا البارزاني الخالد إلى وحدة طرفَيْ الحزب في مؤتمر وطني عام، حيث أسفر عن تشكيل قيادة مرحلية مؤقتة واختيار الراحل حاج دهام ميرو سكرتيراً للحزب، ولم يستجب لعملية الوحدة أعداد من طرفَيْ الانقسام، وحصل فيما بعد - وكما يعلم الجميع - عدد من الانقسامات في صفوف الحركة الكردية، ومع الزمن ونتيجة لتقلبات الوضع العام وتطوراته السياسية بعد صراعات مريرة إثر انتكاسة ثورة أيلول عام 1975، ومع اندلاع ثورة گولان الظافرة التي هي امتداد طبيعي للأولى في 26 أيار عام 1976 حيث الاصطفاف الجديد والمتطور، واستمرّ مخاضُ هذا التطوُّر حتى وقت قريب من الزمن حيث دعوة الرئيس المناضل مسعود بارزاني الى وحدة الأطراف المؤمنة بنهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد في مؤتمر توحيدي 3، 4، 5 نيسان عام 2014 واستجابت أربعة أحزاب ومجموعات أخرى لعملية الوحدة الاندماجية، واستمرّت هذه الوحدة – رغم الصعوبات- حتى الآن، وباسم الحزب عند التأسيس «الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا والصحيفة المركزية «كوردستان» تيمّناً باسم أول صحيفة كردية أصدرها مقداد مدحت بدرخان ..
وهكذا ظل حزبنا (الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا) على علاقة وطيدة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الشقيق لأن جوهر تلك العلاقات هي استراتيجية، مبنية على نهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد، ليصبح حزبنا جزءٌ من المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده الرئيس المناضل مسعود بارزاني، ففي مثل هذه العلاقة تكمن استقلالية حزبنا وقراره السياسي، أي لا يمكن لأي حزب كان أن يستمرَّ دون علاقة مع طرف سياسي آخر حليف له، ونحن نرى أن علاقاتنا التحالفية مع أية جهة شقيقة أو صديقة مهما كانت قريبة منا لا ترقى إلى مستوى علاقاتنا القائمة المذكورة سواءً لجهة الاحترام المتبادل أو لتبادل الخبرات والمعلومات أو لأشكال التعاون والمساعدة، خاصة أن هذه العلاقات ليست على حساب العلاقة مع الأحزاب الشقيقة والصديقة سواءً في الداخل السوري أو في الخارج وخصوصاً أجزاء كوردستان الأخرى بما فيها إقليم كوردستان.
ويعلم الجميع أن الحزب الشقيق PDK له خدماتُه الجليلة لكل من يحالفه سواءً في داخل العراق وإقليم كوردستان أو في الخارج وخصوصاً الأحزاب الكوردستانية الفاعلة على الساحة السياسية، ومن بينها حزبنا ونذكر على سبيل المثال لا الحصر:
- يسعى لحل مشاكلنا والحرص على وحدة أحزابنا والسعي دوماً لتوحيد الأحزاب كما ذكرنا أعلاه.
- قد يبدي رأيّه لكن لا يفرضه.
- يساندُ حزبنا والأحزاب القريبة أو المتقاربة سياسياً وخصوصاً أحزاب المجلس الوطني الكردي في سوريا.
- وله دورُه الواضح والمؤثر في نشاطات المجلس الوطني الكردي وعلاقاته السياسية وخصوصًا مع المحافل الدولية.
- كما بذل ولا زال جهوداً مضنية من أجل التوافق الكردي (بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب إدارة الـ ب ي د) منها على سبيل المثال: اتفاقية هولير1 هولير2 ودهوك، وبرعاية مباشرة من جناب الرئيس المناضل مسعود بارزاني الموقّر.
خلاصة القول:
الحزب الشقيق PDK برئيسه وقيادته ومؤسساته، يقدّم لأحزابنا وشعبنا باستمرار ما يمكن تقديمُه من مساعدات وخدمات جليلة في مختلف المجالات السياسية والإعلامية والمعنوية ورعاية كريمة للمهجرين واللاجئين السوريين كرداً وعرباً ومسيحيين وايزيديين، بمعنى أن الحزب الحليف يقدّم خدماته من أجل القضية الكردية، ولا يبغي سواها.
وهكذا سيظلُّ حزبنا سائراً على نهجه القويم المبارك نهج البارزاني الخالد، وسيبقى ينهلُ من مدرسته النضالية كلّ معاني التّضحية والصدق والإخلاص، ويظلّ على تفاعلٍ دائمٍ مع المشروع القومي الكوردستاني الذي يقوده جناب الرئيس المناضل مسعود بارزاني نحو تحقيق أماني شعبنا وتطلّعاته الوطنية والقومية العادلة، وسيظلّ يواصل العمل والنضال مع القوى الوطنية والديمقراطية من أجل بناء سوريا المستقبل دولة اتحادية ذات نظام ديمقراطي برلماني يتمتع في ظلها عموم المكوّنات بحقوقهم القومية والدينية والسياسية، وحل قضية شعبنا الكردي وفق العهود والمواثيق الدولية.
بقلم: بشار أمين
المقال يعبر عن رأي الكاتب
402