النفاق السياسي بين إيران وإسرائيل

النفاق السياسي بين إيران وإسرائيل

Jan 29 2024

النفاق السياسي بين إيران وإسرائيل
سعد برازي

منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948، اعترفت إيران كثاني دولة ذات غالبية مسلمة بهذا الكيان وذلك خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وأقامت علاقات دبلوماسية، وتوّجت بفتح قنصلية إيران في القدس، بالإضافة إلى التعاون في المجال العسكري لمواجهة العرب المتأثرين بالأفكار القومية لجمال عبد الناصر، والتمدُّد السوفييتي، ومن الأمثلة على ذلك كان خلال حربي 1967 و1973 حيث كانت الدبابات والطائرات الإسرائيلية تقصف العرب وهي تعمل بنفط إيراني، واستمرت هذه العلاقة التي وصفت بالتحالف الاستراتيجي، إلى حين سقوط حكومة الشاه ووصول الخميني إلى حكم إيران عقب الثورة الإسلامية عام 1979 الذي أعلنت فيه إيران قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وتبني نهج حاد ومناهض ضدها .
حينما اشتعلت الحرب بين العراق وإيران في 1980 حين أدرك صدام حسين الخطر الإيراني (تصدير الثورة) القادم للعراق ومنها للخليج العربي، بدأ العراق يحشد جيشه على الحدود لتبدأ أطول معركة في القرن العشرين، وراح ضحيتها أكثر من مليون قتيل من الجانبين. حينها ظهر التعاون بين إيران وإسرائيل مرة أخرى حيث كانت إسرائيل المصدر الأول لتصدير السلاح لإيران بالإضافة للتعاون في مجال الصناعات العسكرية، وإن الروابط الاقتصادية لم تتوقف بينهم.
فإيران مازالت إلى اليوم تستورد قطع الغيار للآلات والمعدات الزراعية بطريقة غير مباشرة على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بين البلدين، وبالرغم من العقوبات المفروضة على إيران، والشيء الآخر الذي أثار الجدل حينها هو وساطة إسرائيل بين إيران والولايات المتحدة الأميركية من أجل بيع أسلحة أمريكية لإيران مقابل استخدام إيران نفوذها على حزب الله لإخراج محتجزين أمريكيين في لبنان، والتي عرفت بفضيحة (إيران- كونترا). وقال الإسرائيليون حينها إن فوز إيران في الحرب لن يقلقهم، ولكن فوز العراق يعني تشكيل قوة عربية ستضرب عمق إسرائيل مستقبلاً.
لو عدنا إلى التاريخ رأينا أن الفرس وبني إسرائيل قد تعاونوا فيما بينهم قبل حوالي 2500 عام، عندما اجتاح الفرس أرض بابل، وأعادوا أسرى بني إسرائيل إلى أرضهم، وردّ اليهود الجميل بمساعدة الفرس على احتلال مصر. وهناك أيضا ارتباطات وعلاقات دينية تجمع بين البلدين، فكبار حاخامات اليهود ينحدرون من مدينة أصفهان الإيرانية وبذلك هم يتمتعون بعلاقات وثيقة مع القيادة السياسية الإيرانية.
من هذه الأحداث التاريخية التي ذكرتها يتبين أن وجود الدولتين في الشرق الأوسط هي حاجة للدول الكبرى لإشعال الحروب والفتن في المنطقة وإشغال حكوماتها وشعوبها بهذه الصراعات، فأمريكا وبريطانيا من أشد الداعمين لإقامة دولة إسرائيل، أما ألمانيا فتلعب دور الوسيط في كلّ الصفقات التي تتم بين إيران والغرب مثل الاتفاق النووي الإيراني ومجموعة 5+1.
أما فرنسا فتعدُّ من أكبر الدول التي تنسق مخابراتيًا مع إيران وهي التي استضافت الخميني على أراضيها أثناء فترة نفيه إلى باريس وهي التي أوصلته إلى طهران على متن طائرة فرنسية. والواقع يقول إن الشرق الأوسط لا يمكن أن يعيش بدون إيران التي تزرع، وتشنّ الفتن والصراعات الطائفية، وإسرائيل التي تخلق الصداع للعرب.
في الختام:
إن هجمات إيران بالطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية على أربيل هي ذر الرماد في العيون، وما هي إلا جعجعة بلا طحين، فهي تريد أن تبين للعالم إن بينها وبين إسرائيل عداء، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" التي قامت بها حركة حماس في الـ 7 من أكتوبر 2023، فإيران باتت تستخدم أذرعها في سوريا والعراق ولبنان واليمن كحزب الله وجماعة الحوثي لضرب إسرائيل ومصالحها. وآخرها كان استهداف أربيل بحجج واهية، فهذه الادعاءات باطلة، وإن اللجان الأمنية المشتركة بين أربيل وبغداد كشفت بعدم وجود أي أدلة تثبت وجود الموساد في تلك المنازل التي دمرت بفعل الصواريخ الإيرانية والتي راح ضحيتها المدنيون من المواطنين الكرد والأجانب، ومنهم رجل الأعمال الكردي پێشرو دزەیی وابنته الصغيرة ژینا.
إيران تستهدف أربيل لأنها تريد إخضاعها لنفوذها كباقي المحافظات العراقية الأخرى، ولكنها ستفشل في ذلك لأن هناك قيادة سياسية في أربيل لم ولن تعتاد على الرضوخ، ولن تصبح أربيل جزءاً من مشروعها السياسي الديني المسمى بـ "الهلال الشيعي".

المقال يعبر عن رأي الكاتب

5939