التطبيع مع النظام السوري بين تيارات متعددة

التطبيع مع النظام السوري بين تيارات متعددة

Mar 17 2023

التطبيع مع النظام السوري بين تيارات متعددة
فرهاد حبش - صحيفة كوردستان

عادت القضية السورية إلى الاهتمام الإقليمي و العربي والدولي، هذه المرّة من بوابة الخلاف حول التطبيع مع النظام السوري. وفي حين ظلت بعض الدول العربية (الجزائر، العراق، لبنان و سلطنة عمان ) في علاقاتها مع النظام السوري في ظل الحرب الدائرة في البلاد، وحين بذلت محاولات سابقة في هذا الصدد، من أجل إعادته إلى جامعة الدول العربية قُبيل قمة الجزائر التي عُقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 (إضافة إلى مساهمة أردنية في هذه الجهود)، ينقسم الدول العربية بالموضوع السوري حاليًا بشأن التطبيع مع دمشق إلى ثلاثة تيارات رئيسة؛ الأول متحمّس للتطبيع ويسير بخطى ثابتة نحوه، إما في إطار حسابات نابعة أساسًا من اعتبارات داخلية، في حين يربط التيار الثاني بوضوح حصول التطبيع بتحقيق تقدّم في مسار الحل السياسي. أما التيار الثالث فيراقب الوضع في انتظار وضوح الصورة حتى يحدّد موقفه.

المتحمّسون
1- تركيا
مع دخول روسيا الى سوريا منذ عام ٢٠١٥ بدأت السياسة الخارجية التركية تتغير بتجاه الازمة السورية وسيطرتها على مناطق الشمالية الغربية الذي حسم عمليًا معادلة الصراع لصالح النظام، وما أعقب ذلك من محاولة تركيا إعادة النظر في سياستها بسوريا عبر تمتين علاقاتها مع روسيا في ظل زيادة التوتر في علاقتها بالولايات المتحدة والغرب نتيجة دعم الجانبين للمشروع الكردي وتجاهل الولايات المتحدة المخاوف الأمنية التركية في سوريا.

و مع بدء الحرب الروسية الإوكرانية بدأت معالم التغيير في العلاقات الدولية تتغير والتي جعلت النظام الدولي يسير بشكل فوضوي، والتي اثرت بشكل كبير على العلاقة بين تركيا و الولايات المتحدة و مما جعلت تركيا تزيد علاقتها مع روسيا و التقارب مع النظام السوري، ونستطيع القول إن تركيا الفاعل الاساسي و المؤثر في الازمة السورية والتى تدعم طرفاً من صراع السوري التي تسمى "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" و هذا التغيير او التقارب يأتي مع اقتراب الانتخابات التركية في عام 2023 والتي يراها المراقبون بأنها الانتخابات مفصلية و مهمة بالنسبة للاطراف التركية سواء "المعارضة او المحافظين، واكتشفت تركيا أن عليها أن تعيد النظر في السياسات التي تبنتها منذ ما عُرف بـ«الربيع العربي»، وأن عليها أن تراجع علاقاتها المتدهورة في محيطها الإقليمي، فبدأت بالتحرك لتحسين علاقاتها إقليمياً بعدما اختفت من الصورة الأنظمة التي أتت بعد «الربيع» ودعمتها تركيا بكل قوة، فضلاً عن ازدياد الضغوط الاقتصادية عليها، ومحاولتها استعادة الاستثمارات الخليجية والأسواق العربية والطرق التي كانت متاحة للوصول السريع لبضائعها إلى الخليج وأفريقيا والتي تشكل سوريا إحدى نقاطها المهمة.

وإلى جانب المتغيّرات الدولية والإقليمية، فهناك عوامل داخلية ضاغطة على إردوغان وحكومته، فمع تفاقم الأزمة الاقتصادية الداخلية في تركيا نجحت أحزاب المعارضة في إبراز ملف اللاجئين السوريين واستخدامه في تأجيج حالة الاستقطاب السياسي ونقله من المربع الإنساني إلى دائرة الصراع السياسي. وظهر توافق واسع بين أحزاب المعارضة على فكرة إعادة العلاقات مع نظام الأسد من أجل النجاح في تسوية ملف اللاجئين الذي بات إحراز تقدم فيه مطلباً شعبياً في تركيا، وهو ما دفع إردوغان إلى التحرك السريع لنزع هذه الورقة المؤثرة من أيدي المعارضة ومحاولة إحراز تقدم فيها حتى لا يفقد السلطة التي احتفظ بها على مدى 20 عاماً. وكانت احد اهم المواضيع في لقاءات بين وزيري الدفاع التركي و السوري في موسكو وايضا قد وضع النظام السوري بروتوكولا للعودة سماه "نظام المصالحة"، ونص على أن الراغبين في العودة إلى سوريا، وخصوصا المعارضين أو القادمين من مناطق مناوِئة للأسد، يجب أن يوقِّعوا "وثيقة مصالحة". وتبدأ العملية عبر فحص ملف الشخص الراغب بالمصالحة وتتبُّع الأنشطة التي انخرط فيها، سواء أنشطة إنسانية أو عسكرية.

وياتي هذا التقارب لحصار قوات سوريا الديمقراطية( قسد) التي تصنفها تركيا من جماعات الارهابية والتي تختلف فيها مع سوريا حول تسمية الارهاب فيما بينهما، والنظام السوري يرى في فصائل المعارضة مدعومة من تركيا في ادلب و شمال غربي سوريا هي منظمة الإرهابية. ومع إصرار الولايات المتحدة على رفض أيّ عملية عسكرية تركية ضد "قسد"، برز التعاون مع روسيا والنظام السوري أيضًا باعتباره الخيار الأمثل أمام أنقرة لاحتواء خطر "قسد"، فعرضت مساعدة النظام السوري على استعادة السيطرة على المناطق التي خسرها ل"قسد"، خصوصا في شمال سورية وشمالها الشرقي.

2- إمارات
"يمثل التطبيع الإماراتي مع النظام السوري جزءًا من استراتيجية علنية اتضحت ملامحها منذ سنوات، وتشمل إضافة إلى إعادة تأهيل النظام السوري، تسهيل وصول نظم عسكرية إلى السلطة في العالم العربي، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي بعد أن قامت أبوظبي بتوقيع اتفاقية سلام وتطبيع العلاقات معها بداية من أيلول/ سبتمبر 2020."
و عزَّزت أبو ظبي تفاعلها الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي مع النظام السوري، وبدأ ذلك بإعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018 للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة، وقد خرج "أنور قرقاش"، وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي آنذاك قائلا إن قرار العودة "إلى العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق جاء نتيجة قراءة متأنية للتطورات، وإن إعادة تفعيل الدور العربي كان ضروريا بسبب التعدي الإيراني والتركي على سوريا" بالنسبة لأبو ظبي، تعود بدايات هذا التحوُّل نحو التعاون مع الأسد إلى الأرضية المشتركة التي أوجدها التعاون العسكري مع الروس الحاضرين عسكريا في سوريا منذ عام 2015. فقد رأت الإمارات أن الساحة السورية أضحت منطقة يزداد فيها نفوذ إيران وتركيا على حساب العرب، وأن قبول الأسد وما يُتيحه من فتح باب التفاهم مع روسيا، وإبرام اتفاق روسي-خليجي لإعادة توجيه بوصلة نظام الأسد بعيدا عن الإيرانيين والأتراك كليهما، قد يكون مخرجا جيدا يُحقِّق أقصى ما يُمكن من الأهداف الخليجية.

المعارضون
1- الولايات المتحدة
ان موقف الولايات المتحدة الأمريكية واضح من عملية التطبيع ومساعي الدول مع النظام السوري حين أكّد المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، "أن بلاده لا تدعم مواقف الدول التي تعزّز علاقاتها أو تُعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، الدكتاتور الوحشي، وأن الدعم الأميركي لهذا التوجه يظلّ مرهونًا بحل سياسي بقيادةٍ سوريةٍ وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وطالب برايس دول العالم بأن تدرس بعناية سجل حقوق الإنسان "المروّع" لنظام الأسد على مدى السنوات الـ 12 الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب فظائع ضد الشعب السوري ويمنع وصول مساعدات إنسانية منقذة للحياة إلى محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرة قواته، حسب قوله.

المتريثون
1- السعودية
إن الزلزال الذي ضرب تركيا و سوريا فجر 6 فبراير/ شباط 2023 بادر الكثير من الدول إلى تقديم المساعدة للبلدين، وكان من الدول التي قدمت المساعدة لسوريا المملكة العربية السعودية مما كسر حالة المعزولة بين طرفين بعد قطع العلاقة بينهم خلال الازمة السورية
ويعد أحد الدوافع الرئيسية التي تحرك السعودية للتقارب مع النظام السوري، الذي أصبح محتضناً بالكامل لإيران، لتصبح في الوضع الحالي رهينة لاعتبارات إقليمية ودولية لا تراعي بالأساس المصلحة السورية بقدر ما تراعي مصالح الأطراف المتدخلة. ومن خلال تقاربها مع دمشق تحاول الرياض مواصلة نهجها الجديد في مساومة إيران عبر تطبيع العلاقات مع حلفائها في المنطقة.
مثل هذه الخطوات قد تسهم في إحداث تقارب جزئي مع النظام السوري، كما أن لها دلالاتها السياسية المتمثلة في رفع الحرج عن السعودية في حال أقدمت على تبني مقاربة جزئية مع النظام السوري. ومن هنا تأتي جهود السعودية ربما ضمن رغبتها في استعادة توازن المنطقة وتفعيل دورها الإقليمي وإعادة النظام السوري ضمن اشتراطاتها السابقة التي لا تغفل حقوق اللاجئين وضرورة أخذ ملف المعارضة السورية في الحسبان.

خلال عقد القمة السعودية-الصينية في 20 يناير/كانون الثاني 2022 صرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، برغبة الرياض في البحث عن طريقة للتواصل مع حكومة النظام السوري، كما أن رفع علم النظام السوري في القمة السعودية-الصينية، وما أعقبه من رفع للحظر عن البضائع السعودية من قبل دمشق، ربما أثار عدداً من التساؤلات عن إمكانية عودة العلاقة

المقال يعبر عن رأي الكاتب

261