حقوق السوريين في المزادات السياسية الدولية

حقوق السوريين في المزادات السياسية الدولية

Jan 08 2023

بعد مرور عقد من الزمن على التحولات الكبيرة في سياق الثورة السورية وما نجم عن هذا السياق من تبدلات وآثار كثيرة وكبيرة في جميع جوانب الحياة للسوريين حيث تأثرت احتياجاتهم الأساسية والاجتماعية ومستويات شعورهم بالأمان وكذلك تصدعت حاجتهم لتقدير ذاتهم والسعي لتحقيقها، وتزايدت أصوات جلد الذات ولوم السوريين بمجموعهم وبمن يدعي تمثيلهم من جهات ومؤسسات،

انطلاقا من واقع جعل سوريا تتصدر سلم الدول الأكثر احتياجاً للمساعدات الإنسانية وذلك حسب تصنيف الأمم المتحدة، حيث نشرت بأكثر من مناسبة بأن 90٪ من السوريين بحاجة إلى مساعدات ومعظمهم يعيشون تحت خط الفقر حيث يوجدون وأينما يقيمون على امتداد أرض سوريا.

ما زالت حزمة حقوق السوريين في الحياة برسم المجتمع الدولي وعلى ذمة القوى الإقليمية الفاعلة، حيث تخضع هذه الحقوق للعرض والمقايضة في مزادات سياسية دولية من دون الالتفات للبعد الإنساني والقيمي لهذه الحقوق، ولعل أبرز هذه القضايا اليوم هي عملية إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية – السورية.

ماذا لو لم يتم التمديد للقرار 2642؟
يشير واقع الحال في الشمال السوري إلى أن أكثر من 4 ملايين إنسان سوف يتضرر في حياته ومعيشته في حال فشل مجلس الأمن في تمديد القرار، أكثر من مليون ونصف نازح منهم يقيم في المخيمات يتوزعون على 1300 مخيم، وتعيش الغالبية العظمى درجة عالية من الهشاشة وعدم الاستقرار،

وهم معرضون بشدة للفقر والبطالة وغياب الرعاية الصحية وخدمات التعليم، وتفاقمت أزمتهم خلال جائحة كورونا كوفيد -19، حيث فقدوا كثيرًا من إمكانات الوصول إلى سبل عيشهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ويتعرضون اليوم لمخاطر عديدة ولأشكال مختلفة من الاستغلال، مثل عمالة الأطفال وتجنيدهم، والعنف القائم على النوع والزواج والمبكر،

وتفشي وباء الكوليرا وظواهر التسوّل والاتجار غير الأخلاقي والمخدرات وتلوث مصادر المياه، كل ذلك وسط ارتفاع أسعار جنوني غير منضبط، وتدهور قيمة الليرة السورية، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد 7000 ليرة سورية.

وإذا ما استطاع الروسي وعبر استخدام حق النقض (الفيتو) تعطيل فرصة تمديد العمل بهذا القرار فهو يعيد للنظام الحاكم في سوريا أداة الحصار والتجويع التي استخدمها منذ بداية حربه على الشعب الذي طالب بالتحرر من الاستبداد، وقضية ربط دخول مساعدات إنسانية بقرار سياسي من مجلس الأمن أمرٌ مخالف لكل قيم الإنسانية ومخالف لقواعد القانون الدولي الإنساني، ويأتي ذلك ضمن محاولات واضحة لإعادة تعويم نظام الأسد وتمكينه من استخدام سلاح التجويع لكسر إرادة السوريين وجعلهم يقبلون بحلول سقفها منخفض جداً.

تأتي هذه الاحتمالات مترافقة مع أداء هزيل ومراوغ وغير فاعل لهيئات المعارضة السياسية الرسمية، حيث إن الصلة باتت معطلة والثقة مفقودة بين جمهور الثورة وممثلي المعارضة السياسية، والذي زاد الطين بِلة هو التقارب السياسي المعلن بين التركية والنظام في سوريا، مما يُشعر السوريين المقيمين في تركيا تحت قانون الحماية المؤقتة، بالقلق الشديد والخوف من فكرة إعادتهم للشمال السوري.

هل الشمال السوري بيئة آمنة لإعادة السوريين؟

الشمال السوري في هذا السياق يشمل منطقة جغرافية تمتد لمعظم محافظة إدلب، وأجزاءً صغيرة من محافظتي حماة واللاذقية، وجزءاً كبيراً من شماليّ محافظة حلب، وقد كان مركزًا مستمرًا للقتال منذ بداية عام 2011، حيث سيطرت قوى المعارضة السورية على المنطقة لأول مرة في عام 2012، والسيطرة على المنطقة المتنازع عليها منذ ذلك الحين، واليوم ما تزال تلك المنطقة آخر معقل رئيسي لفصائل المعارضة (المسلحە)، التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام في إدلب والمناطق المحيطة بها، وفصائل الجيش الوطني في اعزاز وعفرين والباب وجرابلس وبعض مناطق شرق الفرات.

ولاشك بأن النازحين والمهجرين في تلك المناطق لهم الحق في البحث عن حلول مستدامة لظروف نزوحهم القاسية ولاسيما بعد أن طالت فترة نزوحهم وتعقدت متغيرات الصراع في المنطقة، ولكن من الملاحظ أن السياق السياسي والصراع الحالي يقيد بشدة فرص النازحين داخليًا لمتابعة أحد مسارات الحلول الدائمة لحالة نزوحهم إما العودة المستدامة وإعادة الاندماج في المجتمع الأم، أو الاندماج المحلي المستدام في مجتمع الإقامة الحالي أو الانتقال الطوعي والاندماج اللاحق في مجتمع جديد.

فكيف لنا أن نتصور إعادة السوريين المقيمين في تركيا إلى ذات البيئة التي ما تزال تفتقر للأمان الفيزيائي والمادي وكذلك تفتقر للأمان القانوني والمجتمعي؟! يبدو أن هذا الخيار غير ممكن واقعياً ويواجه تحديات كثيرة وكبيرة، منها ما يتعلق بالأعداد الكبيرة حيث تشير الأرقام لوجود أكثر من 3 ونصف مليون سوري يقيم في تركيا، ومنها ما يتعلق بالآليات والطرائق التي سيتم اتباعها في تنفيذ مشروع الإعادة، ومنها ما يتعلق بموافقة المجتمع الدولي والهيئات القانونية والسياسية.

إلى متى سينتظر السوريون حقهم بالوصول إلى حل سياسي؟
بعد هذه الخسارات الكبرى والأثمان التي دفعها السوريون من دمائهم ومواردهم وحياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، ما زالت قضيتهم تُعرض في المزادات السياسية الدولية نتيجة الاصطفاف غير العادل وغير المنصف للدول الفاعلة في ملف القضية السورية، ونتيجة افتقار القرار السياسي الدولي للبعد الإنساني والأخلاقي.

في الختام لابد من الإشارة إلى أن المساعدات الأممية تمثل شريان حياة لسكان الشمال السوري، ومن غير المقبول إطلاقاً قطع هذا الشريان، كذلك ربط مشروع إعادة السوريين المقيمين في تركيا بموضوع التطبيع مع نظام بشار الأسد قضية مرفوضة أخلاقياً وإنسانياً، وكلما تأخرت الحلول الجذرية لقضية السوريين سيواجه السوريون المزيد من الكوارث الإنسانية.

خلاصنا نحن السوريين باستيعاب الدرس والاستفادة منه وذلك بالالتفات لمشروع سوري – سوري فقط، يشارك فيه جميع السوريين بعيداً عن الارتهان لمصالح إقليمية ودولية.
عبدالناصر الجاسم

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1153