القضية الكوردية في الاستراتيجيات الجديدة للقوى العظمى

القضية الكوردية في الاستراتيجيات الجديدة للقوى العظمى

Oct 07 2018

دلـدار بـدرخـان

بعدما غدت الدولة السورية محل نزاع أقليمي ودولي، وخاضعة لمبدأ المحاصصة و تقسيم مناطق النفوذ وفق مصالح القوى الإقليمية و الدولية المتحكمة بالجغرافية السورية، فإن أي حل أو رؤية مستقبلية للدولة السورية لا بدّ أن تتوافق بشكل مباشر مع مصالح تلك الدول وتمر من خلالها، وبما أن القضية الكوردية هي جزء من المشكلة السورية ويتم التعامل معها بقلق و حذر شديدين بين الدول، كونها من القضايا الحساسة التي تمس الأمن القومي الإقليمي( تركيا، ايران، العراق) ومحل خلاف ونزاع، فلا بد أن تخضع هي أيضاً لمصالح القوى الضالعة بالشأن السوري، وتعتمد على حجم التقارب و التجاذبات بين القوى العظمى التي لها كلمة الفصل وبين الدول التي تثير مخاوفها القضية الكوردية وشكل التعامل المستقبلي معها، وبناء عليه فإن أي كلام عن القضية الكوردية السورية وبناء الرؤية المستقبلية حولها، يجب الأخذ بالحسبان مصالح الدول و جميع النقاط التي ذكرناها آنفاً.

يؤسفنا هنا أن نعلن وبشكل واضح و صريح أن مستقبل المعضلة و القضية الكوردية السورية لا يزال خلف الأكنّة وغير واضحة المعالم ولا يمكننا الجزم بها اعتمادا على ما ذكرناه مسبقاً في بدايات حديثنا آنفاً إذ أنها (تتعلق بالمصالح وحجم التجاذبات الدولية والإقليمية) أضف إلى ذلك السياسات القاتلة و الفاشلة التي اعتمدتها منظومة الـ ب ي د المتحكمة بالمصير والقرار السياسي خلال السنوات السبعة العجاف والتي أرسلت القضية الكوردية السورية إلى شفا جرف هار بسبب عنجهيتها وذهنيتها الفجةّ التي تعتمد مبدأ الحزب الواحد والقائد الواحد، والتي ساهمت في وهن وإضعاف الموقف الكوردي وحل القضية الكوردية في سوريا، كون القضية الكوردية لا تعنيها أكثر مما تعنيها مصالحها الحزبية وأجندات أسيادها في المنطقة، أضف إلى ذلك فالـ ب ي د هي الذراع السوري لحزب العمال الكُردستاني المدرج على لوائح الإرهاب الدولي وقائمة أمريكا، وكذلك تتخندق ضمن المحور الإيراني الخميني والبعث العفلقي المنبوذين من أمريكا، وأمريكا تعلم ذلك حتى لو أنكرت الـ ب ي د هذه الحقيقة المكشوفة والواضحة وضوح الشمس، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأنها تتعلق بإخفاقات المجلس الوطني الكُردي في عدم إيجاده قنوات تقوض وتقضقض تنامي قوة هذا الحزب واستفراده بالقرار السياسي والسلطة في المناطق الكوردية وخاصةً في بدايات اندلاع الثورة السورية والتزامه الصمت و مراقبة الـ ب ي د وهي تستقطب القوة والعتاد وتجهز نفسها للسيطرة على المناطق الكوردية والتحكم بها، وعدم إيجادها آلية تعري وتكشط سوءات هذا الحزب وإرهابه الممنهج أمام الحكومات الدولية والرأي العام العالمي، وفشل المجلس في تقديم نفسه كبديل مرغوب به ومقبول داخلياً وإقليميا ودولياً.

ولنكن موضوعيين فلا زلنا نجهل مصير القضية الكوردية ومستقبلها الحتمي في سوريا، إلا أننا نعي أن الدول تبني سياساتها واستراتيجياتها بناء على مصالحها ومصالح أصدقائها، وكون تركيا هي دولة في حلف الناتو وثاني أقوى دولة في هذا الحلف وهي دولة المواجهة أمام روسيا فلا يمكن لأمريكا الاستغناء عن تركيا وعن رغباتها وتبديد مخاوفها حيال مستقبل القضية الكوردية في سوريا، و لن تقوم عوضاً عنها بتوسيع الهوّة والفجوة بينها وبين تركيا أكثر مهما كانت حجم العداء على العلن، إلا أن أمريكا لديها قنوات تواصل مع تركيا في الخفاء و لن تفرط بتركيا الدولة المحورية والتي تلعب دوراً هاماً في المنطقة مقابل خدمات حزب لا يعدو كونه مرتزق و بيدق بيد أمريكا تحركه كيفما أرادت واقتضت الحاجة، ثم متى أستساغت وتماهت أمريكا مع حركة أو منظومة تحمل فكراً يسارياً و ماركسياً أشتراكياً تركن للقوة والترهيب و مدرجة على لائحة الإرهاب، وجميعنا يعلم مستوى البغض والشنان التي تحمله أمريكا الليبرالية والديمقراطية التي تتميز بالأرستقراطية والاقتصاد والتجارة الحرة لهكذا حركات؟؟ إلا إذا كانت المصالح الأمريكية تفرض عليها التعامل مع هكذا حركات و أحزاب شمولية بشكل آني وفق زمن محدد ريثما يتم النظر في أمرها لاحقاً بعد انتهاء مهمتها، وأما في الطرف الآخر فلدينا أيران ربيبة روسيا التي لا ولن تدعم حركة تهدد أمنها القومي، أو تدعم حركة تعمل لصالح الشعب الكوردي و تطالب بحل قضيته الكوردية ، فكيف لها أن تدعم حزب العمال الكُردستاني عرّاب الـ ب ي د لو أنها لم تضمن استراتيجية الـ ب ي د وأجنداتها الملتوية ورؤيتها المستقبلية المشبوهة حول القضية الكوردية في السورية.

ولكن ليكن بالمعلوم رغم كل ما أسلفنا عنه، فالمعضلة الكوردية السورية ما بعد 2011 لن تبقى كما كانت قبل هذا التاريخ، ويمكننا هنا وضع بعض التكهنات والاحتمالات لمستقبل القضية الكُردية في سوريا بعد نهاية الحرب في سوريا :

-أولاً: أمريكا لن تقبل قطعياً بالـ ب ي د على وضعه وإطاره الحالي بسبب ارتباطاته المشبوهة هذا إن رضيت ببقائه في مرحلة الانتقال السياسي السلمي، و بناءً عليه فقد تتخلص أمريكا من الـ ب ي د بعد انتهاء مهمته وتقوم بتجفيف منابعه كما تخلصت من تنظيم القاعدة و "أسامة بن لادن" بعدما انتهت مهمته ضد روسيا في أفغانستان، أو ستضغط على الـ ب ي د لفك ارتباطه بحزب العمال الكُردستاني و إنهاء علاقته بالمحور الإيراني، و تغيير أسمه فضلاً عن شكل سياساته المستقبلية، ودمج عناصر قوات سوريا الديمقراطية بما فيه قوات YPG العامود الفقري لقوات قسد في الجيش السوري المستقبلي بعد إيجاد أفق واضح للحل السوري مع دول التحالف وروسيا للانتقال السياسي السلمي للسلطة.

-ثانياً: تكريس مبدأ المحاصصة العرقية والطائفية ضمن تشكيلة الحكومة السورية المستقبلية على النموذج العراقي ، وبذلك سيكون للكورد حصة من هذه التشكيلة.

-ثالثاً: نيل الكورد حقوقهم السياسية و الثقافية ضمن سوريا ديمقراطية تعددية تعتمد مبدأ اللامركزية إدارية .

-رابعاً وأخيراً قد تكون سوريا عبارة عن فيدراليات على أسس مناطقي وليس قومي عرقي، وبذلك سيحصل الكورد على حقوقهم الكاملة(المواطنة والثقافية والاجتماعية ) ضمن الفيدرالية المناطقية، وفي كِل الأحوال فإن الكورد وكما أسلفنا سيكون لهم حقوقهم ضمن سوريا موحدة أو فيدرالية على أسس مناطقي لأن السياسة الدولية تؤكد وتركز دائماً على حقوق الأقليات في سوريا، فلن يعود الحال بالكورد كما قبل 2011 طبعاً هذا ليس انتصارا أو إنجازاً للأحزاب الكوردية في سوريا وخاصةً بعد هيمنة الـ ب ي د وإنزاله الويلات على رؤوس الشعب الكوردي و كوادر الأحزاب الكوردية في سوريا، وإنما حق مفروض على الدول التي ترى نفسها مثالاً للديمقراطية فلا تستطيع القفز على العهود والمواثيق الدولية وخاصةً فيما يتعلق بحقوق الأقليات والشعوب المضطهدة ضمن أوطانها.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

3079