مفاتيح الضغط الروسية على الإدارة الذاتية

مفاتيح الضغط الروسية على الإدارة الذاتية

Apr 30 2021

مفاتيح الضغط الروسية على الإدارة الذاتية
بدر ملا رشيد

استخدمت روسيا قبل سيطرة " الجيش الوطني على مدينة عفرين علاقتها بالإدارة الذاتية بفاعلية في عدة ملفات وكان أهمها عسكرياً، مساندة قوات حماية الشعب في عملية السيطرة على مدينة تل رفعت ومحيطها عام 2016، أثناء معارك مدينة حلب، وهي الخدمة التي قدمتها روسيا للإدارة الذاتية والتي جاءت بنتائج عكسية خلال عامين فقط مع بدء عملية غصن الزيتون، حيث كانت تل رفعت ومحيطها ومصير سكانها، إحدى أهم المسوغات التي قدمتها الأطراف المنخرطة في عملية غصن الزيتون. وكانت عفرين قبل خروجها عن سيطرة “وحدات حماية الشعب" النقطة الرئيسة للضغط الروسي على "الوحدات وقسد" أمنيًا وعسكريًا، لكن بعد عملية “غصن الزيتون”، تحول الإستغلال الروسي وبشكلٍ مباشر أكثر لموضوع “منطقة الشهباء” في حلب، و"منطقة الشهباء" هي جيب تطلق عليه “الإدارة الذاتية” اسم “مقاطعة الشهباء”، يقع شمالي محافظة حلب بجوار منطقة عفرين، يشمل المنطقة الممتدة من قرية مرعناز جنوب مدينة اعزاز والريف الغربي لمدينة الباب، وأكبر المدن الواقعة في الجيب هي تل رفعت.

سياسياً استفادت موسكو من واقع العداوة بين الإدارة الذاتية وتركيا، قبل عملية "غصن الزيتون" عبر ملفين، تمثل الأول بالسماح بإعلان افتتاح مقرٍ للإدارة الذاتية في موسكو عام 2016، وزاد التركيز على هذه الخطوة مع إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية وما تبعها من توترٍ حاد للعلاقات بين البلدين، والملف السياسي الثاني تمثل بالضغوط الروسية المستمرة في محاولة إشراك ممثلين عن الإدارة الذاتية ضمن العملية السياسية السورية الدولية، سواءً عبر هيئة المفاوضات، ولاحقاً عبر منصات أستانة والقاهرة، وهذه الخطوات بالمجمل تمحورت حول رغبة روسية في استخدام ورقة الإدارة الذاتية سواءً للضغط على تركيا أو المعارضة السورية ودفع الأخيرة للقبول بمنصات موسكو والقاهرة ضمن هيئة التفاوض، ولاحقاً تم تناسي مشاركة الإدارة الذاتية في العملية السياسية من جهة موسكو، مع سيطرة الجيش الوطني على عفرين.

مثلت عملية " غصن الزيتون" فيما يخص ملف الضغط الروسي على الإدارة الذاتية نقطة محورية جداً، فمحاولات موسكو الخجولة لإيقاف العملية لم تكن في حقيقتها إلى توجها سواءً لكسب عفرين بشكلٍ كامل لصالح النظام، أو لكسب مناطق أخرى من المعارضة السورية، في ظل إنتهاء الدعم الأمريكي والعربي لها في الداخل السوري، و اقتصار الدعم التركي للمعارضة على المناطق المتصلة جغرافياً مع تركيا. محورية " الوضع في عفرين " إبان غصن الزيتون بالنسبة للطرفين الإدارة الذاتية وموسكو، مثلت لجانب الإدارة الذاتية ورغم خسارتها لأحد أهم مناطق سيطرتها والمنطقة الكُردية الوحيدة القريبة من مراكز المدن السورية الهامة سواءً حلب وأدلب، وبقية المدن الساحلية، إلا إنها كانت أيضاً فرصة للإدارة الذاتية لإزاحة الضغط الروسي، وهذا ما تمثل في مرحلة ما بعد 2018، من تصريحاتٍ روسية قوية تجاه الإدارة الذاتية وإتهاماتٍ متكررة لها بكونها مشروعاً إنفصالياً، وتخلت روسيا بشكلٍ مفاجئ عن رغبتها في إشراك الإدارة الذاتية في الحوارات السورية السياسية.

لم يدم الفراق طويلاً بين مسارات روسيا والإدارة الذاتية، فسرعان ما عادت للتقاطع إثر عملية " نبع السلام " في تشرين الأول 2019، حيث دخلت روسيا للمرة لأولى بشكلٍ عسكري مباشر لشرق الفرات، وأصبحت أحد الضامنين لإيقاف عملية نبع السلام، والحفاظ على الحدود المرسومة من رأس العين وصولاً لتل أبيض، ومع حدوث هذا التحول عادت روسيا لممارسة ضغوطها على الإدارة الذاتية مستفيدةً من الإنسحاب الأمريكي، وخسارة الإدارة الذاتية لتواصلها الجغرافي، وضعف المناطق المتبقية تحت سيطرتها عسكرياً، بالأخص مناطق " كوباني /عين العرب" ومنبج، حيث بقى لدى الإدارة الذاتية مدينة " عين عيسى " كنقطة إتصالٍ إستراتيجية بين كوباني والرقة ومنبج من جهة، ومحافظة الحسكة وما يقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية من محافظة دير الزور. وعبر هذا التواجد وهوية الضامن التي إكتسبتها موسكو، امتلكت الأخيرة عدة ملفاتٍ للضغط على الإدارة الذاتية شرق الفرات، ودأبت موسكو على إستخدامها بحرفية عالية، وتمثلت هذه الملفات بـ عقدة عين عيسى والطريق الدولي، حيث عقدت روسيا إتفاقية مع تركيا لمراقبة الطريق الدولي، وعبرها تقوم روسيا بالسماح أو منع القوافل المتجهة والقادمة من محافظتي الحسكة ودير الزور للوصول إلى كوباني، منبج والرقة.

الثاني: تمثل بورقة العشائر التي مرت بفرحة من ضبابية آفاق التحالف إثر عملية نبع السلام، وعبرها حاولت موسكو كسب ود بعض العشائر، وتجنيد شبابها سواءً ضمن صفوف قواتٍ محلية أو كمقاتلين عابرين للحدود في ليبيا، وكان النجاح الروسي ضعفياً فيما يخص القوات المحلية، وجيداً نسبياً فيما يخص تجنيد الشباب للقتال في ليبيا، ويعود الفشل الروسي في خلق منافسٍ محلي للإدارة الذاتية بشكلٍ رئيسي إلى إستمرار دعم التحالف لقوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى كون العديد من أبناء العشائر قد قاتلوا ضمن صفوف فصائل المعارضة، وهو ما يخلق لديها تخوفاً كبيراً من عودة النظام لمناطقهم.

الملف الثالث: يتمثل بنقاط الفصل بين قوات المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية حول مناطق "نبع السلام"، وتقوم روسيا بإستخدام تواجدها كقوات فصل للضغط على الإدارة الذاتية عبر القيام بعمليات سحبٍ متكررة للقوات، وعدم التدخل لمنع حدوث القصف التركي المكرر على نقاط عين عيسى وتل تمر.

يدفع أسلوب السياسية الروسية هذا فيما يخص الإدارة الإدارة الذاتية بصعوبة التنبؤ حول مستقبل العلاقة بين الطرفين، خصوصاً في ظل محاولات روسيا للوصول لمنابع النفط في شمال شرق سوريا، وفي ضوء محاولة الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ ما يزيد عن عامٍ للوصول لإتفاقٍ بين المجلس الوطني الكُردي وحزب الإتحاد الديمقراطي المهيمن على الإدارة الذاتية والأحزاب المتحالفة معه، وهو الإتفاق الذي من شأنه أن يزيد من مصاعب موسكو فيما يخص تأمين الموارد الضرورية للنظام السوري، وإتمام مهمتها بإعادة سيطرة النظام على كامل الجغرافية السورية. كما إن الأسلوب ذاته يدفع للتوقع بقيام موسكو بإستخدام الأداة ذاتها في المستقبل في محاولة لكسب نقاطٍ إضافية على حساب الإدارة الذاتية، خصوصاً إن العودة الأمريكية للمشهد العسكري والسياسي السوري عبر التراجع عن الانسحاب الكامل، خلق نوعاً أكبر من التوازن لدى الإدارة الذاتية، وهو ما ظهر من توجيهها إتهاماتٍ مباشرة لروسيا بانخراطها في الأحداث الأخيرة بمدينة القامشلي بين الأسايش التابعة للإدارة الذاتية و" الدفاع الوطني" التابع للنظام السوري وإيران. ويمكن الوصول لعدة خلاصاتٍ أخرى أهمها إن مدى نجاح موسكو في سياستها هذه مرتبطٌ بشكلٍ قوي بمدى إستمرار الولايات المتحدة في التواجد بشمال شرق سوريا، ومدى نجاحها في الحوارات الكُردية – الكُردية.



المقال يعبر عن رأي الكاتب

548