قصف أربيل: إنْ كانت طهران لا تدري فتلك مصيبة

قصف أربيل: إنْ كانت طهران لا تدري فتلك مصيبة

Feb 17 2021

استأنفت مجموعات من الميليشيات الشيعية في العراق استهداف القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة التحالف الدولي المجاورة لمطار أربيل عاصمة إقليم كردستان، وهذا هو التصعيد الثاني بعد جولة أولى في أيلول/ سبتمبر الماضي طالت القاعدة ذاتها. غير أنّ ثلاثة صواريخ فقط، من أصل 14 صاروخاً، أصابت أهدافها الأمريكية فقتلت متقاعداً من غير الجنسية الأمريكية، وأما بقية الصواريخ فقد سقطت في محيط المطار القديم وأحياء سكنية داخل المدينة.

هنا مكمن الخطورة والفارق النوعي عن الضربة الصاروخية السابقة، إذْ أن صواريخ الميليشيات تستهدف هذه المرة إقليم كردستان وبعض سكانه ممن لا حول لهم ولا طول في بقاء القوات الأمريكية أو في جلائها الذي تزعم الميليشيات أنه الهدف الأول من وراء أعمال القصف.

وإذا كان التنسيق ضعيفاً أو حتى شبه مفقود بين الإدارة المركزية العراقية وسلطات الإقليم المختلفة، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، فإن استئناف الضربات الصاروخية لا يعمق الهوة بين بغداد وأربيل على مستويات حكومية وإدارية فحسب، بل يخلق المزيد من التوتر والاحتقان على صعيد العلاقات الشعبية بين الفئات الشيعية والكرد على وجه الخصوص.

صحيح أن مجموعة ميليشيا مغمورة تطلق على ذاتها تسمية «سرايا أولياء الدم» هي التي تبنت عملية القصف الأخيرة، إلا أن الأسلوب والمعطيات اللوجستية المقترنة بالتنفيذ ونوعية الصواريخ المستخدمة تشير بوضوح إلى أن الجهات التي سبق أن استهدفت المصالح الأمريكية في الكثير من المواقع داخل العراق هي ذاتها صاحبة المسؤولية عن استهداف مطار أربيل، سواء بصفة مباشرة وتحت قناع الميليشيا الجديدة المغمورة، أو على نحو غير مباشر انطوى على الدعم والإسناد والإرشاد.

ولا يخفى أن استهداف إقليم كردستان في هذا التوقيت بالذات مرتبط بوقائع محلية مثل العملية العسكرية التركية في الإقليم ولجوء حزب العمال الكردستاني إلى تصفية 13 أسيراً تركيا في أحد الكهوف العراقية، وهو كذلك ليس منفصلاً عن سياقات إقليمية تتواصل خلالها أجواء الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة وغالبية رعاة الاتفاق الدولي حول برنامج طهران النووي.

وكان لافتاً أن جهات حكومية إيرانية سارعت إلى إدانة قصف مطار أربيل ونفت أي صلة لها في التحريض على تنفيذه، الأمر الذي يمكن قراءته أيضاً طبقاً للقاعدة الشهيرة: إنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبة/ أو كنت تدري فالمصيبة أعظم.

فمن الثابت والمعروف أن الغالبية الساحقة من الميليشيات الشيعية في العراق تناصر طهران وتتبع أوامر الحرس الثوري الإيراني، مباشرة عبر قيادات «الحشد الشعبي» أو في حالات أخرى نادرة عبر مبادرات فردية تتماهى على نحو وثيق مع خدمة المصالح الإيرانية. وبالتالي فإن معرفة طهران المسبقة بعملية قصف أهداف في كردستان وعدم التدخل للحيلولة دون تنفيذها هو مصيبة أولى، لا تقلّ عنها دلالة أن تكون ميليشيا حديثة النشأة قد قامت بالتنفيذ دون علم طهران وإعلام رجالها في العراق.

ومن الواضح أن تغريدة الرئيس العراقي برهم صالح حول الواقعة، وحديثه عن معركة الدولة والسيادة ضد الإرهاب والخارجين عن القانون، هي إشارة قوية يُراد منها عبور الحدود وإبلاغ أهل الحل والربط في الإقليم.
رأي القدس

المقال يعبر عن رأي الكاتب

474