زيت زيتون «إسرائيلي» و«إم 16» سودانية!

زيت زيتون «إسرائيلي» و«إم 16» سودانية!

Jan 29 2021

وصفت هيئة البث الإسرائيلية، وصول وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، إلى السودان الثلاثاء الماضي، بـ«الزيارة التاريخية» كونها أول زيارة رسمية علنية لوزير إسرائيلي للخرطوم بعد إعلانات التطبيع بين البلدين، وقد التقى الوزير برئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، الذي افتتح هذه السلسلة من الأحداث بلقاء «تاريخي» أيضا، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بأوغندا، في 3 شباط/فبراير من العام الماضي.

لقاء البرهان الأول بنتنياهو كان «تاريخيا» أيضا، لأنه جمع، للمرة الأولى، المسؤول السوداني الأعلى ضمن المنظومة الحاكمة، برئيس وزراء إسرائيل، ولأنه كان محمّلا بدلالات سياسية ورمزيّة كثيرة لإسرائيل ولنتنياهو شخصيا، حيث حصلت فيها عملية عسكرية خاصة عام 1976 بعد خطف فلسطينيين لطائرة ركاب فرنسية، وانتهت العملية، التي قتل فيها جوناثان نتنياهو، الأخ الأكبر لنتنياهو، بمقتل جميع الخاطفين الفلسطينيين ومناصريهم وتدمير 11 طائرة مقاتلة أوغندية.

يستدعي التفكير، في هذا السياق، أن يكون وزير المخابرات الإسرائيلي، وليس أي وزير آخر، هو من يسجّل هذه السابقة، التي سبقتها أيضا زيارة لوفد إسرائيلي إلى السودان، وكانت أيضا من طبيعة عسكرية ـ أمنية، وسرّية، بحيث أن الحكومة نفسها لم تعلم بها، ثم اضطرت، لتلافي الإحراج، لإخراج الناطق باسمها لتفسير ما لا يمكن تفسيره.

بعض المعلقين السودانيين أشار إلى الطابع الأمني للزيارة، وأنها ستفضي لاحقا لاتفاقات أمنية وتجارية وسياسية، رابطين ذلك بدور تل أبيب في تسريع عملية إخراج الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وبتفضيل الإسرائيليين لهندسة علاقاتهم مع السودان عبر المكوّن العسكريّ ـ الأمني السوداني، وليس عبر الحكومة المدنية، ولكن هذا كله، في نهاية الأمر، هو قرار سياسي من قبل إسرائيل والمكوّن العسكريّ السوداني، ويعني، من جملة ما يعنيه،

أن العسكريين هم الطرف المفضّل للتعامل معه من قبل إسرائيل، ولكنّ السؤال هنا، لماذا تفضّل إسرائيل لوزير المخابرات أن يكون المخوّل بمناقشة مسائل السياسة والاقتصاد إضافة إلى الأمن، وهل هذا دلالة على رجحان دور الأمنيّ الإسرائيلي على السياسي أيضا ضمن منظومة الحكم الإسرائيلية أيضا؟

تتعامل بعض الدول العربية مع الفلسطينيين، بالطريقة نفسها، فمجمل العلاقات مع السياسيين الفلسطينيين، تتم عبر لقاءات مع مسؤولي مخابرات وأمن مصريين، في إشارة إلى أن «القضية الفلسطينية» بالنسبة للأنظمة العربية عموما، هي قضيّة أمنيّة، والمنظور السياسيّ في هذه الحالة، هو منظور ضابط الأمن، الذي لا يرى السياسة إلا باعتبارها امتدادا للأمن، ويقتصر تعامله مع السياسيين، على كونهم تعزيزا للأمن أو تهديدا له!

أشار وزير المخابرات الإسرائيلي، إلى مفارقة حصلت خلال زيارته إلى السودان، حيث حاول كوهين، على ما يبدو، إظهار الجانب السياسي والدبلوماسي فيه، وذلك بإحضار حمضيات وزيت زيتون من «خيرات البلاد» على حد قوله، أما الجانب السوداني، فارتضى معادلة العلاقة التراتبية بين المسؤول الأمني و«رعاياه» أو أراد إظهار الطابع الحقيقي للعلاقة بين الطرفين،

فقدّم من جهته بندقية «إم 16» (البندقية الأمريكية الأشهر) كهدية، وقد قام المسؤول الإسرائيلي المتحضّر بنزع مخزون البندقية الآلية قبل صعوده إلى الطائرة، وأودعها في مكتبه «كذكرى من هذه الزيارة التاريخية».
رأي القدس

المقال يعبر عن رأي الكاتب

585