الميليشيات وأزمة الوجود

الميليشيات وأزمة الوجود

Oct 26 2020

الميليشيات وأزمة الوجود
صالح الملا

العنوان الابرز للمرحلة الراهنة هو ضبضبة الدور التخريبي لإيران واذرعها في المنطقة والعراق هو الساحة الأكبر أستراتيجية والأكثر تأثيرًا للمشروع التوسعي الإيراني لذلك بدأت الجهود الامريكية في الآونة الاخيرة تنصب كلها في خانة تصفية السلاح المنفلت في هذا البلد.

كثيرًا ما تقسم الألوية المنضوية ضمن ما يسمى بالحشد الشعبي الى فصائل ولائية ( ايرانية ) وفصائل تابعة للمرجعية في النجف والحقيقة بآن الالوية الاكثر تسليحًا والاكثر نفوذًا والتي يعود لها قرار السلم والحرب ضمن هذا التنظيم ( الحشد ) هي الفصائل المحسوبة على المشروع الايراني لذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار آن كل ما تقوم به تلك الميليشيات هي ضمن حلقة الاوامر القادمة من خارج الحدود.

شخصية رئيس الوزراء العراقي والخلفية الامنية والعسكرية التي يمتلكها والتقاء رغبته بإصلاح الدولة العراقية مع رغبة اقليم كوردستان في تصفير المشاكل بين المركز والاقليم علاوة على ذلك الدعم الذي يتلقاه الكاظمي من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية التي تحثه على فرض القانون على كل مفاصل الدولة في محافظات الوسط والجنوب كل هذه الاعتبارات جعلت من الجماعات الطارئة والخارجة عن القانون تحث بخطر وجودي على تركيبتها وتنظيمها.

كان لافتًا عند حرق مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني عدا عن حرق علم كوردستان وإحراق المقر بشكل كامل هو كمية الشتائم التي وجهت إلى رئيس الوزراء الكاظمي وهو أن دل على شيىء هو أن المستهدف الأول في هذا البلد هو السيد الكاظمي وحكومته لسبب بسيط، إن هذه الفصائل باتت متيقنة بإن رئيس الحكومة مختلف عن أسلافه والخطوات التي قام بها في الاشهر المنصرمة تدل على جدية الحكومة في معالجة السلاح المنفلت داخل العراق.

على الجانب الأخر حكومة اقليم كوردستان تدرك بإنها ليست بمعزل عن الأحداث التي تجري وقصف محيط مدينة أربيل قبل مدة قصيرة ما هي إلا رسائل مبطنة لكامل هذا الحلف الذي يسير عكس المشروع الميليشياوي.
الإتفاق الحاصل بين المركز والاقليم بشأن سنجار هو بداية الطريق نحو وضع حد لسطوة تلك الفصائل على الارض وبالتاكيد سيمتد هذا الإتفاق ليشمل كامل مناطق المادة ١٤٠ او ما يعرف بالمتنازع عليها قد يتسائل مراقب لماذا سنجار أولآ وليست كركوك او آي منطقة أخرى، فمدينة سنجار تمتلك موقع جيوستراتيجي مميز وهو حلقة وصل بين سوريا والعراق واقليم كردستان وعبره تجري عمليات تهريب البشر والسلاح وهو منفذ مالي مهم لتلك الفصائل وبالتالي ستنافح هذه المجموعات لعدم تطبيق الاتفاق على الأرض في المقابل الحكومة العراقية وحكومة اقليم كوردستان والأمم المتحدة والولايات المتحدة الامريكية كل هذه الجهات التي أشرفت على توقيع الاتفاق تدرك بان إخراج تلك الفصائل من تلك المناطق ليست بتلك السهولة وقد تصل الأمور إلى حد المواجهة العسكرية إنْ تطلب الأمر، بدورها تلك المجموعات الخارجة عن القانون تدرك مدى صعوبة موقفها من الاتفاقية نتيجة الدعم الاممي والشرعية الدولية لها وبالتالي محاولة تلك الفصائل تصوير نفسها على أنها ضمن هيكلية المنظومة الامنية العراقية الرسمية لن تعطي وجودها في تلك المناطق صبغة شرعية وقانونية.

ترامب المختلف كليًا عن أسلافه حتى آنه بحزمه في معالجة القضايا المستعصية في المنطقة تجاوزت إدارة بوش الابن وطاقمه المعروف بالمحافظين الجدد الذين اتخذوا قرارات غيرت شكل المنطقة حين دخلت القوات الامريكية كل من أفغانستان والعراق في فارق زمني بسيط ولذلك فأن كل الزوبعة الاعلامية على شاشات محور الميليشيات هي ردات فعل لعلمهم المسبق بما سيجري مستقبلًا على الأرض من تغيير في توازنات القوى ووصولها لقناعة بانه إذا نجح ترامب، فإن القضاء على السلاح المنفلت ستكون من أولوياته خصوصًا بان حلفائه في دول الخليج باتت تضغط أكثر فأكثر نحو إيجاد حل سياسي لكل الازمات التي تعصف بالمنطقة ولضرورة ازالة خطر المشروع الايراني.

عند النظر الى حجم تغلغل نفوذ الميليشات في المنطقة سيدرك الناظر استحالة أستئصال كل هذه التنظيمات من المنطقة وهذا يصح حينما يكون الخصم المواجه لهم ضعيفًا او بنفس القوة.

الخصوم البارزين اللدودين لهذه المنظومة هي الولايات المتحدة ودول الخليج وهذه القوى كافية لردع الميليشيات إضافة لعوامل أخرى ستكون مساعدة لازالة هذا الخطر من المنطقة ابرزها هي فقدان هذه التنظيمات شعبيتها في الشارع الموالي لها وهذا العامل بحد ذاته هو ما يقلق هذه القصائل وبالتالي الهجوم على مقر الحزب الديمقراطي الكوردستاني هي فقاعة اعلامية المراد منها بإنهم( الحشد ) يمتلك جمهورًا يهب لمساندتها حتى لو كان تصريحًا سياسيًا ضد هذه الميليشيات.

فقدان الشارع ثقته بهذه المجموعة مع المسار الدولي الموازي والضاغط باتجاه إيجاد حل جذري لمشكلة وجود قوى مسلحة تقوم بادارة الدولة عبر منطق اللاقانون.

التيار الليبرالي اليساري داخل الحزب الديمقراطي الذي أوصل أوباما الى الحكم هم سبب رئيسي لوصول المنطقة الى هذا الحد من الفوضى نتيجة تغاضي إدارة أوباما عن سلوك بعض الدول المارقة هناك مقولة على لسان أحد مسؤولي الادارة الأمريكية في زمن أوباما عندما يقول أحدهم للرئيس الامريكي آلا ترى تصرفات إيران في المنطقة فيرد عليهم بانه عليهم عدم إزعاج الايرانيين لأجل الوصول معهم الى توقيع اتفاق حول البرنامج النووي الإتفاق الذي وضعه ترامب في كوب ماء وقال للايرانيين انقعوا مياهه وتجرعوه كالسم.

الوضع المتأزم في الداخل العراقي والملف الأكثر بروزًا في هذه المرحلة هو ملف وجود السلاح خارج يد الدولة لذلك قيام تلك المجموعات المنفلتة بإحراق مقر الديمقراطي الكوردستاني هو تصدير ازمة داخلية يعاني منها الحشد في الشارع العراقي عامة وبين جمهوره خاصة المراد منه اللعب بعواطف شارعه عبر تذكيرهم بقدسية الحشد والأخذ بتصريحات هوشيار زيباري كذريعة لذلك.

أزمة الوجود التي تعاني منها كل هذه الفصائل هي أزمة لن تطول، هدوء الاجواء حالياً يسبق عاصفة فوز ترامب بولاية ثانية الى حين ذلك لن تستكين هذه الميليشيات في إبراز قوتها عبر القصف المتعمد وإحداث فوضى في أروقة الدولة واستفزاز محور الشرعية الدولية.
وللحديث بقية.....

المقال يعبر عن رأي الكاتب

666