حميد سينو الشخصية الاستثنائية في الظروف الاستثنائية

حميد سينو الشخصية الاستثنائية في الظروف الاستثنائية

Oct 14 2020

حميد سينو الشخصية الاستثنائية في الظروف الاستثنائية
صالح الملا

في جبال كوردستان وتحديدًا في مقره في قرية كلالة إلتقى عظيم الكورد البارزاني الخالد بشخصية كوردية ولطالما كانت هذه الشخصية تعتبر الدم الذي يجري في عروقها تحمل كل ما تعنيه البارزانية من معان النضال والثورة والتضحية والإخلاص للقضية الكوردية نعم حميد السينو في ريعان شبابه آبى آن يقف مكتوف الأيدي وآبى الا ان يُقدم ما يملكه من إمكانات لخدمة ثورة الزعيم البارزاني ونهجه القويم.

كان للملا مصطفى البارزاني نظرة بعيدة ورؤية ثاقبة تتجسد في فهم طبيعة وشخصية من يلتقي بهم وماهية الفكر الذي يحملونه ليقول له البارزاني الخالد :
( عُد إلى سوريا فمن مثلك يجب أن يخدم قضيته هناك لتكون إضافة نوعية للحركة الكوردية في كوردستان سوريا )
كلمات تبدو قليلة لكنها في مضمونها تحمل الكثير من المفردات والمعاني التي تؤكد بأن الرجل الاستثنائي يحتاج الى شخصية عظيمة واستثنائية تدله على الطريق التي يريدها لتوظيف إمكاناته فيها، وترسخت كلمات البارزاني الخالد في وجدانه وفكره.

تحصل الراحل على دبلوم العلوم السياسية من جامعات أوروبا الشرقية ( برلين ) فقد كان من المدافعين عن ثورة ايلول المجيدة بقيادة ملهم الأمة الكوردية الملا مصطفى البارزاني وأصبح ممثلًا للطلبة الكورد في فرنسا في مؤتمر الجمعية عام ١٩٦٥ و من ثم و بعد اكمال دراسته عاد الى أرض الوطن في اوخر عام ١٩٧١ ليكمل مسيرته النضالية بين شعبه. وضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني.

واثر اعتقال المناضل دهام ميرو انتخب حميد السينو سكرتيرًا للحزب حيث كانت الظروف انذاك استثنائية وعصيبة تزامنت مع نكسة عام ١٩٧٥.

بعد النكسة التي اصابت ثورة الملا مصطفى البارزاني في اذار عام ١٩٧٥ يقول أحدهم لحميد:
ان الخيمة ( نهج البارزاني ) التي تحتمون بها قد إهترئت وتمزقت، الإجابة كانت بمستوى السؤال نفسه فيقول له هذه الخيمة لا تُمزق ولا تهترئ وستبقى ولو جار الزمان عليها غدرًا وخيانة وما نحن إلا أوفياء لتلك الخيمة وذلك النهج العظيم.

بقي ذلك النهج واستمرت مسيرة البارزاني الخالد بقيادة الزعيم والمرجع مسعود بارزاني رغم ما حيك لها من مؤامرات وبقي حميد السينو مخلصًا للبارزاني حتى أخر يوم في حياته وبقي مفتخرًا بتلك الخيمة التي علمتنا آن البارزانية نهج قويم يستمد قوته وشرعيته من وفاء جماهيره له.


القناعة صفةٌ لا يمتلكها الا الإنسان المؤمن كان الراحل مقتنعًا بِأن التضحية لاجل قضيته ونهجه مهما أرتفعَت كُلفتها ستكون التضحية بنفسه، وفي نفسه تتردد إجابة واحدة ( فليكن ذلك ) فعظمة نهج البارزاني ومشروعية الحقوق والقضية تستحق ذلك.

وظف الراحل إمكاناته لا بل تعدى ذلك إلى توظيف عائلته بأكملها لإمكاناتهم في خدمة القضية الكوردية في سوريا، حج حسين الكورد ذلك الرجل الذي كان يعتبر أن خط الانتماء للقضية والنضال والتضحية لأجلها، في نهاية المطاف كلها تلتقي عند البارزاني الخالد في نضاله ونهجه وثورته.

أستولى البعث على ما يقارب نحو ٨٠ بالمئة من الأراضي التي كانت تمتلكها عائلة حميد حالهم كحال كل العوائل الوطنية التي آمنت بالبارزاني الخالد ونهجه وثورته، وفي نفسه تتكرر الاجابة نفسها ( فليكن ذلك ) فنحن وضعنا أرواحنا ثمنًا لنيل حقوقنا، عظمة الإجابة تلك أمام عظمة القضية تجعل الخصم والصديق وعند كل ذكر لأسم الشهيد حميد السينو تجعلهم يقولون نعم كان عظيمًا.

سُجن مانديلا لإنه أراد العدل والحرية والمساواة سُمم عرفات لإنه لم يتنازل عن ثوابته ومبادئه، وأيضًا أعطي حميد السينو أبرة مسمومة لإنه وبكل بساطة لم يتنازل عن ثوابته ومبادئه وأراد العدل والحرية والمساواة في ظل أنظمة شوفينية كانت تُغالي في النيل من الشعب الكوردي ومناضليه وحركتها السياسية، فسُجن وسُمم وأغتيل،

ليست مبالغة في التشبيه أو تعدي في الوصف بل هي حق بسيط أمام عظمة التضحيات التي قدمها فلكل أمة مناضليها والشهيد حميد أجتمعت في شخصيته كل تلك الخصال الحميدة التي يحق لنا تجميدها وتخليد ذكراها.
سنوات الملاحقة والعذاب والسجن التي عاناها لم تكن في نظره إلا خدمة بسيطة للقضية الكوردية وهي ضريبة منخفضة الثمن لما كان يناضل من أجله ولطالما كان الثمن الذي وضعه تتجاوز كلفته كل ما ذكر.

بعد خروجه من المُعتقلْ وفي نهاية عام ١٩٨٣ وظهور بوادر مرضٍ مُزمنْ عليه وعند وضع الطبيب المشرف على علاجه نتيجة التحاليل بين يديه وإذ يجيبه الراحل هل انا مصاب بالسرطان يجيبه الطبيب وبكل أسف لو كنتُ أعلم بإنك متعلم وتتقن اللغات لما تركت تقرأ، ذلك الطبيب الذي خانه حدسه لم يكن يعلم ان الجالس أمامه استقى العلم والمعرفة والثقافة من جامعات أوروبا في ستينيات القرن المنصرم وترعرع في كنف المدرسة البارزانية التي غرست حب الوطن والقضية في نفسه.

بنظر الراحل قضيته كانت تستحق آن تبذل في سبيلها أغلى الأثمان لِذا لم يكن وقع نبأ إصابته بمرض عضال يعني له الكثير بقدر ما كان يعني له إن ما قدمه في خدمة قضيته وما سيقدمه في الأيام القليلة المتبقية من عمره تستحق أن يبذل الغالي والنفيس من أجلها ولطالما كان قد وضع نصب أعينه ان حياته ستكون ثمنًا لذلك .

خلقَ حميد السينو لنفسه شخصية استثنائية في ظروف استثنائية كانت الحركة الكوردية بكوردستان سوريا في طور التأسيس ووضع لنفسه مبادىء وقيم أبعدها عن كل المساومات التي يمكن أن توثر عليه وبنى حولها سياجًا مُحكمًا مُدعمًا بأسس الوطنية والإخلاص والوفاء لنهج البارزاني الخالد صَعُبَ على الأعداء اختراقه. وبقي مع رفاقه مدافعين عن قضيتهم التي كانت تتجسد كل معانيها في هذا النهج العظيم.

تقول إحدى أخوات الراحل مع دمعةٍ آبتْ أن تبقى حبيسة العين، أتمنى لو كان حميد بيننا لقدمنا له أضعاف ما قدمناه سابقًا في سبيل إتمامه لنضاله، ووفاءً للنهج الذي استقينا منه معاني الانتماء إلى قوميتنا وقضيتنا.

في نظر غالبية الشعب الكوردي فإن الراحل لم يكن ملكًا لنفسه وعائلته فقط بل كان ومازال مُلكًا لأبناء شعبه ولحزبه ورفاق دربه من المؤمنين بنهج البارزاني الخالد ذلك النهج الذي أفرزَ الكثير والكثير من المناضلين الذين آمنوا بالمدرسة البارزانية وبعدالة القضية ومشروعية الحقوق، ودفعوا أغلى الأثمان في سبيل الدفاع عنها.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1883