سارقو الفن الكوردي

سارقو الفن الكوردي

Aug 05 2020

سارقو الفن الكوردي
ماهر حسن

اختلس فنانون أتراك ألحانا كوردستانية خلال السنوات الأخيرة المنصرمة، و لا سيما الأعمال الفنية القديمة وحققوا نجاحا كبيرا من دون ذكر اسم صاحب العمل أو الإشارة اليه وإلى الأغنية المقتبسة منها .لعل و عسى يعتبر البعض و يرى ذلك مجرد توارد أفكار موسيقية، ولكن في الحقيقة ليست مجرد مصادفات وجود عشرات من ألحان في سوق الغناء التركي مشابهة لدندنة أغاني كوردية قديمة وحديثة من دون ذكر اسم المؤلف الأصلي، والعملية هي إعادة إنتاج العمل و تدويره من جديد و بلغة أخرى مع توزيع موسيقي وآلات متنوعة ومتباينة .

الحالة الغنائية في تركيا و نسخ ألحان كوردستانية بأسلوب مفضوح و بشكلٍ واضح والسطو عليها باتت ظاهرة واسعة النطاق ومعتادة ونال الكثير ممن اختلسوا تلك الألحان والأغاني شهرة في عالم الفن، و من السهل الجزم به جيدا أن اللحن يعود إلى الكورد ، فمثلا تواريخ أغاني الكوردية لا تخفى، إضافةً الى اللحن الكوردي الأصيل من خلال الأنغام والموسيقا فتعرف بكل أريحية و الأمثلة على الأغاني الكوردية المسروقة لا تعد ولا تحصى، وهذا يعود إلى أسباب أبرزها عدم وجود حقوق النشر ، وكذلك الشركات الغنائية المتكفلة لتقوم بمتابعتها قضائيًا.

‫من المعروف، أن محاربة الثقافة الكوردية والتعتيم عليها والعمل على محو الخصوصية الكوردية لتفقد تلك الأغاني هويتها الحضارية المتميزة، وكما يقال" الشعوب تعرف بموسيقاها" لذلك وضعت الحكومات القابعة على أرض كوردستان نصب عينيها القضاء على الموسيقا الكوردية ، لذلك فكلما ازدادت سرقة الاعمال الفنية الكوردية ازدادت الشروخ في الهوية الثقافية الكوردية، فالأمر هو حالة من السطو وإنهاء الوجود، وليس كما يحاول البعض إظهار ذلك أنه يدخل في إطار التبادل الثقافي المحمود والمطلوب . نعم هنالك ضعف عام في اهتمام الكورد بالجانب الفني وخاصة فيما يتعلق بتوثيقه، ولكن لا بد من الإشارة إلى نقطة هامة، وهي أن ضعف الوعي بحقوق الملكية من قبل الفنانين الكورد يزداد وأصبحت التصرفات بحسن نية وليس عن سبق إصرار لحفظ ثقافته وَ كلتوره و الاهتمام بها، و تدني مستوى الوعي والأدراك أمام عصابة تبيح لنفسها سرقة ألحانهم.

لكن الامر لم يقف عند هذا الحد ، فبدلا من أن تقوم تركيا بحوارات الثقافات نجدها تلجأ الى تكريس المزيد من الانغلاق والتعصب القومي، و استبدت بالمشهد الثقافي العام من خلال توجهات قومية عنصرية برفض الاخر المختلف و العمل على إلغائه وإقصائه بل رفضه. وتتم هذه السياسة بأدوات مختلفة و كثيرة ، ومتكررة ، و أخذت تتلون مع الأيام، بحيث اصطبغ في حالات كثيرة بألوان نكاد نظن أنها ليست أكثر من لون طبيعي في لوحة عامة، لذلك ما يجري هو أمر خطير ولا يمكن البتة اعتبارها على انها حالة طبيعية ونقف إزاءها مكتوفي الأيدي بل لا بد من مواجهة هذه الظاهرة وفضحها والوقوف في وجه كل من تسول له نفسه في طمس ثقافة الكورد و سرقة اعمالهم.

لا شك أن ثقافة الأقليات في تركيا هي الاخرى لم تكن الافضل من الثقافة الكوردية وعلى مدار أجيال، حيث تعامل الانظمة التركيا من عهد العثمانيين الى الوقت الحاضر مع جميع المكونات والقوميات معاملة قاسية وحاولت طمس هويتهم وثقافتهم وتاريخهم.

والحقيقة ما يصعب و يزيد فهم المعضلات اليوم و يجعلها متشابكة و اكثر تعقيدًا هي نتيجة عدم معرفة خلفيتها السياسية. فتاريخنا حافل بالمعاناة والجور فمن الظلم والاستبداد والإقصاء إلى سرقة تراثنا وآثارنا وثقافتنا مع بالتعبير عن الحالة تلك بمصطلحات مهذبة ومحايدة على سبيل مثال إخوة الشعوب و التي لا تقل بشاعة عن تآمر المحتلين وتهدف إلى الهيمنة المطلقة على الكورد وإنهاء وجودهم وصهرهم في بوتقة القوميات الأخرى.
طبعًا شكلت الاتهامات الموجهة مسارًا أيديولوجيا في التعامل مع الكورد ، و قد تجسد كل اتهامات من خلال توصيفات و نعوت و التي لا تزال ترددها بعض الأوساط متزامنا مع سرقة ثقافتنا .

سرقة الألحان الكوردية تتمّ عن قصد وعن دراسة ، اضافة الى غياب قانون لردع هؤلاء و من جانب اخر لا يعير الأمر أهمية لدى الكثير من فناني الكورد وعدم تضافر جهود جدية للحدّ من موجة السرقة و كذلك لا تحرك بشكل فاعل لإظهار الحقيقة. يتسأل البعض كيف لنا أن نسميها سرقة، و أصبحت الألحان الموسيقية أكثر تشابهاً بوجود زخم كبير لأعمال الفنية الغنائية و لا سيما في وقتنا الحاضر ، و هذا الأمر دفعني الى السؤال من الصديق الفنان كريم شيخو و أستفساره عن الامر و إذ كان مجرد نقل بعض من مقاييس (موازير) موسيقية تعتبر سرقة ام لا؟ ما صرح به الفنان كريم شيخو :
- سرقة الألحان لا غبار عليها، و لا بد من القول عن التأثر بأسلوب الكورد، و استخدام نفس الإيقاعات أو المقامات أو أسلوب الأداء وهنا اكثر ما يميزها هي الخصوصية الكوردية المسيطرة على طابع اللحن، و بالتالي ما يجعلها لحنًا قريبا من المقامات الكوردية بالنسبة لأذن المتلقي . ايضاً عدم حفظ حقوق النشر فاقمت من المشكلة الى حد كبير على سبيل المثال ظهور ملحنين أتراك على شاشة التلفزيون و على الاعلام في الدفاع عن أنفسهم بشراسة عند توجيه أصابع الاتهام اليهم بسرقة الألحان اغنية (نازلى ) بالقول بأن اللحن موثق لديهم و اعتبرو لحن أغنية ( نازلى ) مسروقة من أغاني تركية .

في الختام، أن الوقوف و الاطلاع على تاريخ الموسيقى الكوردية وتسليط الضوء على الانتحالات الكثيرة والنظر إليها سوف يصل بنا إلى نتيجة أخيرة وهي تبرير هؤلاء السارقين لأنفسهم بأنهم يمثلون الثقافة الواحدة والدولة الواحدة ليطمسوا الأفعال التي يقومون بها وليجعل ذلك جزءا من تراث أمتهم.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1019