أمونيا حيفا تنفجر في بيروت

أمونيا حيفا تنفجر في بيروت

Aug 05 2020

أمونيا حيفا تنفجر في بيروت
صالح الملا

قبل عدة سنوات وفي ذروة الأشتباك الإعلامي والسياسي بين حزب الله واسرائيل خرج أمين عام حزب الله في احدى خطاباته المسجلة وهدد علنًا الاسرائيليين بإن حزبه قادر على أستهداف حاويات الأمونيا شديدة الأنفجار المخزنة في مدينة حيفا. ما حصل يوم أمس في العاصمة اللبنانية بيروت ترجمة عملية لأقوال أمين عام حزب الله ولكنها كانت ترجمة معكوسة فالأمونيا التي هدد بها نصر الله أشتعلت في بيروت والمتضرر الأكبر هي الدولة اللبنانية وشعبها فحجم الدمار الهائل الذي رأيناه يدل على ذلك .
في السنوات الأخيرة تركزت سياسة محور المقاومة على التحشيد الإعلامي وإبراز قدراتها في استهداف إي طرف معادي لها وسياسة الأشتباك الإعلامي الذي أنتهجها هذا المحور ظهرت جلية في خطابات مسؤوليه على النقيض الاخر كانت اسرائيل تراقب عن كثب وتقوم بتحليل ودراسة كل كلمة تخرج من فرقة هذا المحور وتجعل من نفسها المستفيد الأول لهكذا نوع من الاشتباكات. تسريب الوثائق من إيران ذات يوم وصفت بإنها من أكبر العمليات الأستخباراتية في المنطقة والعالم والتي قام بها جهاز الاستخبارات الاسرائيلي والتفجيرات التي تحصل بين الْفَيْنَةِ وَالأُخْرَى في سوريا وإيران والعراق ما هي إلا ترجمة عملية لسياسة النفس الطويل والقوة الناعمة التي تحدثنا عنها في مقال سابق والتي قلنا بان الولايات المتحدة وحلفائها ينتهجونها لضرب هذا المحور بشكل محدود ومؤثر ومُركَّز في كل المناطق أنفة الذكر.

سوريا معنية جدًا بما يحصل في لبنان فهي دولة جارة وتؤثر وتتاثر بتفاعلات المنطقة فبقدر ما يتأثر الحليف الأستراتيجي للنظام السوري (حزب الله) من الأنكسارات والأضرار التي تحل به وببنيته التحتية بقدر ما يتأثر النظام السوري بها وله بالغ الآثر أيضًا في سير العملية السياسية في سوريا .

بالتاكيد لا تستطيع أي جهة تخزين كمية كبيرة من هذه المادة في مرفأ بيروت سوى المسيطرين على المرفأ أنفسهم وهم حزب الله وحلفائه والمسيطرين أساسًا على جميع مفاصل الدولة اللبنانية .

اسرائيل بدورها قامت بنفي مسؤوليتها عمًا حدث وعرضت عبر وسطاء دوليين وأمنيين تقديم المساعدة الطبية الى لبنان حسب ما صرح به بعض المسؤولين الاسرائيليين ولكن المطلع على الأحداث في الفترة الأخيرة سيلاحظ بأن لاسرائيل سوابق كثيرة في هذا المضمار وما يحصل من تتابع ممنهج لهكذا نوع من العمليات سيدرك بأنها منظمة وتحدث بفعل فاعل فالسياسة الاسرائيلية أعتمدت في الفترة الأخيرة باستهداف محور المقاومة دون تبنيها لتلك العمليات ولضرورة عدم أحراج حزب الله وحلفائه بالرد عند كل حدث وهذه سياسة يستفيد منها أيضًا ما يسمى بمحورالمقاومة نفسه إذ أنه من غير البديهي قيامهم عند كل هجمة اسرائيلية بالرد عليها خصوصًا انهم ليسوا بقادرين على فتح جبهة حرب جديدة وإضافتها إلى الجبهات التي يحاربون عليها ولخصوصيتها أيضًا فجبهة جنوب لبنان شديدة الحساسية وبالغة الأهمية ويترتب عليها غضب دولي كبير إن أشتعلت وإن صحت فرضية وقوف اسرائيل وراء العملية فهي لضربة موجعة جدًا تضاف الى الضربات الذي تلقاها هذا المحور وبالطبع لن تكون الأخيرة .

المتضرر الأكبر من هكذا نوع من العمليات هو لبنان الدولة والشعب وبدرجة أقل حزب الله فتحالف الأصوليات القائم بين اسرائيل وحزب الله هذا التحالف الذي يعني بمضمونه بضرورة وجود أستمرار وديمومة كل طرف بوجود وديمومة وأستمرار الطرف الاخر .على سبيل المثال ماذا سيفعل حزب الله أو ما هو الشعار الذي سيرفعه وما ضرورة وجود السلاح بيده دون وجود أسرائيل سلاح هذا الحزب الموجه الى صدر شعوب المنطقة كلها عدا اسرائيل وشعبها.

بالتأكيد هذا الحدث الكبير سيترتب عليه تغيرات كبيرة في سياسة لبنان والمنطقة بشكل عام فحزب الله يُعتبر لاعبًا رئيسيًا في منطقة الشرق الأوسط ومتأثرًا ومؤثرًا ومتفاعلًا مع أحداثها وسيكون لهذا الحدث تداعياته عليه بشكل أو بأخر . خصوصًا وأن لبنان كان في ذروة الحرب السورية بقعة أمنة وغرفة عمليات لجميع الدول المتداخلة في الشأن السوري وحاولت جميع الأطراف المتصارعة في سوريا إِبْعَادٌ لبنان قدر المستطاع عن تأثيرات الحرب السورية وجعلها كصمام أمان. اليوم وبعد وصول الانهيار الأقتصادي الى ذروته وغليان الداخل اللبناني ضد حكومته ورئيسه والطبقة السياسية التي تحكم هذا البلد ودور هذا الحزب العابر للحدود وتأثير سياسته الإقليمية على جميع دول المنطقة سيجعل من لبنان ساحة مفتوحة على كل الاحتمالات خصوصًا أننا على أبواب صدور النطق بالحكم من قبل المحكمة الدولية في قضية اِغْتِيالٌ الرئيس الراحل رفيق الحريري والمتهمين الأساسيين في هذه القضية هم أربعة عناصر من حزب الله والذي سيكون سببًا إضافيًا في تعقيد أزمات هذا البلد وبالتأكيد سيكون لهذا تأثير علينا في سوريا بشكل مباشر لما يعنيه لنا موقع لبنان جغرافيًا وأهميتها من جميع النواحي الاقتصادية والسياسية والعسكرية فتعنت النظام السوري في العملية السياسية وتعطيله لأعمال اللجنة الدستورية وعدم إلتزامه بتنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تلزمه بانتقال سياسي في سوريا جعل من حليفه الروسي يغضب عليه بين فترة وأخرى ويتوضح هذا الغضب جليآ بما تنشره الصحافة الروسية الرسمية وغير الرسمية. هذا التعنت من قبل النظام السوري مستمد من حلفائه الأساسيين ( حزب الله - إيران) والذين يرفضون في الوقت الحالي آي تفاهم بشأن العملية السياسية في سوريا وضرورة أستمرار الوضع الحالي كما هو عليه لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على الأرض.

أي أضرار تلحق بحلفاء النظام السوري لها تأثير مباشر على هذا النظام نفسه. ضرب البنية التحتية تأتي بنتائج فعالة في إي نزاع والملاحظ في كل ما يتعرض له هذا المحور هو ضربات لبنيته التحتية واستنزاف لطاقاته وقدراته.

وفي نهاية الأمر من يدفع ضريبة سياسة هذا الحزب هو الشعب اللبناني عمومًا و أنصاره المباشرين على وجه الخصوص والذين أثقلت كاهلهم الأوضاع الاقتصادية الصعبة نتيجة العقوبات الغربية الأمريكية المشتركة والمقاطعة العربية شبه الكاملة للبنان بسبب دور هذا الحزب المزعزع لأمن وإستقرار المنطقة.

أي كان سبب الانفجار المروع يوم أمس سواءً كان الإهمال في تخزينه أو إي أسباب اخرى فأنه مرتبط بشكل مباشر بتأثير دور هذا الحزب المتحكم في عصب سياسات هذا البلد ( لبنان ) وتاثير سياساته وما يلعبه من أدوار على المنطقة كلها .

الواجب الإنساني يفرض علينا تعاطفًا وتضامنًا مع لبنان وشعبها وأن نتمنى لبلادهم الأمن والاستقرار ونقف الى جانبهم في محنتهم ولا يتحتم علينا أن نكون ضمن جوقة الشامتين. وأنفجار أمس كان له وقع كارثي من الناحية الانسانية وليس من المنطق ان يؤخذ جميع أطياف الشعب اللبناني بجريرة مواقف حزب معين ضد قضيتنا الكوردية على وجه الخصوص أو ضد جميع القضايا العادلة في المنطقة عمومًا. فبيروت التي أحتضنت الكاتب الكوردي المرموق سليم بركات وجعلته ينطلق نحو الإِبداع تستحق منًا أن نشاركها أحزانها.

ختامًا وَجَبَ علينا تذكير فرقة المقاومة والممانعة والمدافعين عن سياسة هذا الحزب وهذا المحور بإن حاويات الامونيا التي هدد حسن نصرالله بتفجيرها في حيفا قد أنفجرت في بيروت .

المقال يعبر عن رأي الكاتب

744