الطائفية أخطر من كورونا وأمريكا… ما العمل؟

الطائفية أخطر من كورونا وأمريكا… ما العمل؟

Mar 23 2020

تتوالى الأزمات والاضطرابات والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على لبنان، متلازمةً مع تداعيات جائحة كورونا وانتهاكات الولايات المتحدة لسيادته وللقانون الدولي الإنساني . فما أن لفظت المحكمة العسكرية الدائمة حكمها بكّف التعقبات بحق العميل اللبناني- الأمريكي عامر الفاخوري، حتى بادرت إدارة دونالد ترامب إلى الاتصال بمسؤولين لبنانيين، رسميين وحزبيين، ضاغطةً من أجل تأمين نقله إلى “وطنه” بدعوى أنه مصاب بداء السرطان، ومهددةً بحجب المساعدات الاقتصادية عن البلد، ووضع بعض المسؤولين السياسيين والقياديين الاقتصاديين على قائمة العقوبات. وإذ تعذّر عليها إقناع القيادات الأمنية المسؤولة عن أمن مطار بيروت الدولي بتيسير هبوط وإقلاع طائرة مدنية لنقل العميل المذكور إلى خارج البلاد، بادرت إلى إرسال طائرة عسكرية من طراز 22V، قادرة على الهبوط والإقلاع عمودياً، إلى السفارة الأمريكية في عوكر شمال شرق بيروت، حيث كان يمكث العميل الفاخوري وقامت بتهريبه إلى الولايات المتحدة.
لم تكتفِ إدارة ترامب بذلك، بل قام الرئيس الأمريكي خلال مؤتمرٍ صحافي بـِ”شكر حكومة لبنان على تعاونها في نقل العميل المذكور إلى وطنه”. والغريب أن أحداً من كبار المسؤولين اللبنانيين لم يتفّوه بكلمة نفي أو استنكار لتصريح ترامب، حول “تعاون” الحكومة اللبنانية معه في تهريب العميل الفاخوري. بالعكس، استغل خصوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وخصوم حليفه قائد المقاومة السيد حسن نصرالله، عملية تهريب العميل لاتهام الاثنين بأنهما غضّا النظر عن العملية، في سياق “صفقة” جرى التواطؤ عليها مع الجانب الأمريكي.
أعقبت عملية التهريب حملة واسعة على حزب الله، اضطر معها السيد نصرالله إلى التصدي للخصوم الحاقدين، ولبعض الأصدقاء المتشككين، مؤكداً وجازماً بعدم وجود صفقة معه ومطالباً بتأليف لجنة تحقيق قضائية وبرلمانية لاستجلاء الملابسات المريبة في قضية الحكم غير القانوني لمصلحة العميل الفاخوري، وفي فضيحة تهريبه التي تشكّل انتهاكاً سافراً لسيادة لبنان.
ستطول المجادلة والمماطلة في قضية الحكم، بكف التعقبات بحق العميل الفاخوري مثلما سيطول التحقيق (إذا جرى) في ملابسات تهريبه من لبنان، رغم صدور قرار من قاضي الأمور المستعجلة بمنع خروجه، بعدما تمّ استئناف الحكم المريب بكف التعقبات بحقه. كل ذلك جرى بالتلازم مع الجهود المبذولة لاحتواء التداعيات الناجمة عن أزمة قيام الحكومة بتعليق تسديد دين “اليورو بوندز” وآثارها السلبية على الاقتصاد الوطني المنهك. ما العمل؟
أرى أن القوى الوطنية مدعوة إلى الارتفاع، بتفكيرها وتدبيرها، إلى مستوى التحديات والأخطار المحيقة بلبنان، وطناً وشعباً واقتصاداً ومؤسسات، بغية التصدي لها بوعي وعلمٍ وتصميم. في هذا السياق، يمكن القيام بالمبادرات والخطوات الآتية:
أولاً: تأجيج الدعوة، سياسياً وشعبياً، إلى تأليف لجنة قضائية وبرلمانية، من أجل التحقيق في واقعات وملابسات إصدار الحكم المريب وغير القانوني، بكفّ التعقبات بحق العميل عامر الفاخوري، وإعلان نتائجه للرأي العام بكل الشفافية المطلوبة، وإحالة المسؤولين جميعاً عن انتهاك القانون، أو الامتناع عن تنفيذه، على المراجع والمحاكم القضائية المختصة، والحث على إجراء المحاكمات وإصدار الأحكام المتشددة بالسرعة الممكنة.

جائحة كورونا ستسرّع مسار انتقال العالم دولاً وشعوباً من النظام العالمي الحالي إلى نظام عالمي جديد
ثانياً: المسارعة إلى عقد مؤتمر وطني عام يصار فيه إلى الإقرار بأن الطائفية أضحت أخطر وأشد فتكاً من وباء كورونا، وأن لا سبيل إلى التصدي للأزمات والتحديات والأوبئة التي تضرب البلاد والعباد في ظل استمرار نظام المحاصصة الطائفية الفاسد، والشبكة الحاكمة، وأن القوى الوطنية الحية بكل تلاوينها ومشاربها، مدعوة بلا إبطاء إلى مضاعفة العمل، من أجل تزخيم الانتفاضة الشعبية واجتراح الصيغ السياسية والقانونية الرامية إلى إنهاء النظام الطائفي الفاسد، والشبكة الحاكمة المترهلة، من خلال انتخابات يجري إقرار قانونها باستفتاء شعبي يقود إلى قيام الدولة المدنية الديمقراطية.
ثالثاً: التوافق على أن ما يواجهه لبنان حالياً من أزمات وتحديات، إن هو إلاّ جانب من جوانب الهجوم الصهيو- أمريكي على العرب عموماً، وعلى الملتزمين منهم خيار المقاومة خصوصاً، وإن التصدي لهذا الهجوم الضاري يتطلّب القيام بمبادرات ذاتية ومحلية وعربية، لعل أهمها:
(أ) تسريع عملية بناء جبهة وطنية جامعة في كلٍّ من الأقطار العربية، بغية تنظيم وتصعيد مواجهة الهجوم الصهيو- أمريكي، كما مواجهة القوى المحلية المتعاونة أو المتواطئة معه.
(ب) شنّ نضالات شعبية متواصلة داخل الأقطار العربية ضد الشبكات الحاكمة المتعاونة مع القوى الخارجية، بغية إجراء إصلاحات جذرية في أنظمة الحكم، باتجاه المزيد من الديمقراطية، وتوفير الرعاية الاجتماعية والضمانات الصحية، على أن يجري ذلك كله بالتزامن مع تزخيم المقاومة ضد القوى الخارجية المهيمنة والمحتلة.
(جـ) توسيع دائرة الاشتباك والمواجهة مع القوى الخارجية المهيمنة والمحتلة، ولاسيما الكيان الصهيوني، بتعزيز قدرات محور المقاومة، وتطوير ودعم استراتيجيته الرامية إلى إجلاء الولايات المتحدة، عسكريـا وسياسياً، عن منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً، إلى أعالي جبال أفغانستان شرقاً.
(هـ) تنويع وسائل مواجهة العدو الصهيو- أمريكي باعتماد نهج مقاضاة مسؤولي الولايات المتحدة و”إسرائيل” وسائر الدول المعتدية أمام المحكمة الجنائية الدولية، التي لها اختصاص محاكمة الأشخاص، الذين يرتكبون أياً من جرائم: الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان، سواء كانوا حكاماً مسؤولين، أو موظفين عموميين، أو أفراداً عاديين، علماً أن نظامها الأساسي ينصّ على عدم سريان التقادم (مرور الزمن) على الجرائم التي تدخل في اختصاصها.
في هذا السياق، يقتضي حثّ حكومات الأقطار العربية، وفي مقدمها لبنان، بالانضمام إلى نظام (أو معاهدة) روما تاريخ 17 يوليو/تموز 1998 الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، على أن يقترن طلب الانضمام بمصادقة البرلمان على النظام الأساسي للمحكمة.
لا غلوّ في القول إن جائحة كورونا ستسرّع مسار انتقال العالم دولاً وشعوباً من النظام العالمي الحالي إلى نظام عالمي جديد، يستوعب وينظّم التطورات وعلاقات القوى المستجدة خلال القرن العشرين والربع الأول من القرن الحادي والعشرين. فهل يعقل أن نبقى متخلّفين عن المشاركة في توليد النظام الجديد؟
كاتب لبناني عصام النعمان


المقال يعبر عن رأي الكاتب

339