الدولة القومية

الدولة القومية

Feb 18 2020

الدولة القومية - ماهر حسن

إن الدولة القومية، التي يُعتقد أنه عفا عليها الزمن ، تنظر إليها الأنظمة الحاكمة في جميع الدول على أنها الحامية و شريان الحياة ، و النقاش حول القيم و الأسباب و الدوافع و العجز الديمقراطي أو عدم احترام حقوق الإنسان وعدم تحفيز أي شخص - ربما لم يكن بعد - مستعدًا في خوض حرب الحق و الحقوق ، هذا ما يعتبر تهديداً للأنظمة الاستبدادية من جميع الأوجه ، على سبيل المثال: سوريا و عجزها عن فتح آفاق التنمية الاقتصادية أمام مواطنيها، و إيلاء الاهتمام بالقومية العربية و أنها ملاذ آمن لجميع المكونات، مع ممارسة القسر لإخضاع الجميع تحت سيادة البعث . طبعاً من الصعب ايضاً التعامل مع الأنظمة التي تعتمد على الدين في السياسة ، و ترك الكلمة الأخيرة للسلطة الدينية . انه لأمر مرعب ان يكتسب التعصب الديني ارضاً ، و مبرراً باسم معاد الله .

فالأنظمة المتعاقبة في سوريا اتخذت مبدأ الديمقراطية وحكم الشعب، والتعددية السياسية، والاقتصادية ، وضمان الحريات العامة كالتعبير و الرأي و النشر . أما من حيث الواقع كانت عبارة عن أنظمة عسكرية و أجهزة أمن و جيش، محكمة ضد الحياة السياسية ، من قبل الحزب الحاكم منذ 1963 الذي هو حزب البعث العربي الاشتراكي، وقد وصل إلى السلطة عبر انقلاب الثامن من آذار1963 ، و يعاونه ائتلاف حاكم يدعى الجبهة الوطنية التقدمية . تعيش سوريا في عزلة عن الواقع فرضته سياسات حافظ الأسد بدعمه لمنظمات إرهابية مصنفة، كحركة حماس و حزب الله عسكريا و لوجستيا وذلك في إطار السعي للإمساك بورقة قوّة في مواجهة معارضيها ، حيث تمكن حكومة البعث من استقطاب شريحة العربية إلى الولاء للأمة و إلى شيطنة الآخرين، سواء أكان كوردا أم أقليات يُزعم عدم ولائها للدولة، و هذا ما يدفع حتى ببعض المعارضين بين حين و آخر إلى التفوه بألفاظ بذيئة، مهينة، مرعبة، ضمن خطاب موجه إلى الشعب الكوردي حرصا و خوفا على قوميته، و أنه بمجرد اِسْتِحْضَار كلمة (دولة كوردية) فإنها توهم و وتخيل وترسم في عقولهم على نحو مختلف لتدثر و تطمس الهوية العربية .

ففي مفهوم الإيديولوجية السياسية على الأمة أن تحكم نفسها بنفسها ، بعيدا عن التدخل الخارجي غير المرغوب فيه البتة ، وترتبط بتقرير المصير ، اغضى و تغاضى الأنظمة الغاصبة للأرض الكورد عن هذا المفهوم و آضَ بعض أحزاب كوردية من أَلَدّ و أشدّ الخصوم لقوميتهم . فالقومية كانت عبر التاريخ و لا تزال لها دلالة مهمة في الثقافة و لها مكانة بارزة في الفكر السياسي منذ ان طرح ماتزيني (جويسيبي ماتزيني الزعيم والسياسي القومي الإيطالي ): إن القومية هي انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن. وأضاف العلماء الألمان وعلى رأسهم هيردر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحدة الثقافة النابعة من وحدة اللغة ووحدة مصادرالتأثير الروحى النابعة من الدين ومن التراث الثقافى الواحد في اللغة الواحدة ، الا ان البعض يرى من القومية شذوذ في مجتمع أو مجتمعات .

ماهية تشكل القومية:
تفككت الإمبراطوريات بحلول نهاية القرن الثامن عشر إلى عدد من الدول ( قبل ولادة عصر القوميات بنيت الحضارة على أساس ديني لا قومي، وسادت لغات مركزية مناطق أوسع من أصحاب اللغة. مثلاً، كانت الشعوب الأوروبية تنضوي تحت الحضارة المسيحية الغربية وكانت اللغة السائدة في الغرب هي اللغة اللاتينية ) و أصبح المنظار إلى الحضارة هو المنظار القومي، وأصبحت اللغة القومية وحدها هي لغة مشيئة العيش المشترك و هذا ما ادى الشعور بالالتزام المتبادل والمصير السياسي المشترك الى ظهور الدولة القومية. حيث إِلْحاق القومية في مختلف أنواع الأيديولوجيات السياسية ، فقد انْتَعَشَت و نمت القومية الليبرالية في أوروبا وأميركا اللاتينية في القرن التاسع عشر، و أَحْرَزَت قَصَبَ السَّبْقَ (انتصرت) القومية الفاشية في إيطاليا وألمانيا خلال فترة ما بين الحربين، و اسْتَحَثَّت القومية الماركسية الحركات المعادية للاستعمار التي انتشرت في الجنوب العالمي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. واليوم، يقبل الجميع تقريبا، من اليسار واليمين، شرعية المبدأين الرئيسين للقومية. وهو ما يتضح أكثر عند المقارنة بين القومية والمذاهب الأخرى لشرعية الدولة. ففي الأنظمة الثيوقراطية ، تحكم الدولة باسم الله، كما في الفاتيكان أو تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش). وفي ممالك الأسر الحاكمة، تملك عائلة ما الدولة وتحكمها، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية. وفي الاتحاد السوفيتي، حكمت الدولة باسم فئة البروليتاريا الدولية.

تسعى الأنظمة (السورية ، عراقية ، تركيا ، إيرانية) بشكل انتهازي لتحقيق مزايا تستضيء شعوبهم بها ، كما يمكن ملاحظتها كثيراً - خاصة عندما يتعلق الأمر بـ "شركاء " في الحكم و ان مفهوم شراكة الدولة تعني إِضْمِحْلال و حتف قوميتهم . فالقومية الكوردية تمثل جانبا من الحضارات الشرق الاوسط منذ العصور القديمة، على الرغم من أن الحديث بالاستقلال الوطني وتقرير المصير لا و لم تطرح بعد، من قبل الكتاب و المثقفين الكورد ونخبهم السياسية والإعلامية، على الإِطْلاق و لم تعتمد على نطاق واسع و نشر قومية كوردية في فكر و ادراك و بصيرة الشعب الكوردي .



المقال يعبر عن رأي الكاتب

802