هل يذكر البريطانيون يوم دخولهم الاتحاد الأوروبي قبل 47 عاما من الآن؟

هل يذكر البريطانيون يوم دخولهم الاتحاد الأوروبي قبل 47 عاما من الآن؟

Feb 03 2020

ارك نيوز.. مثلما صاحب قصة الطلاق البريطاني من القارة الأوروبية العجوز، ضجة كبيرة وفترات طويلة من الشد والجذب سواء داخل بريطانيا أو في دول الاتحاد الأوروبي، لكن نفس ما يحدث الآن صاحب قصة انضمام بريطانيا إلى الاتحاد الأوروبي قبل 47 عام وتحديداً عام 1973 من القرن الماضي.
ورغم توجيه بعض الانتقادات لنبرة "النصر"، التي رافقت لحظات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في آخر يوم من يناير (كانون الثاني)، فإن هذا الحدث يعتبر "صامتا" إذا ما نظرنا إلى فترة إعلان انضمام بريطانيا إلى المجموعة الأوروبية (التي أصبحت الاتحاد الأوروبي فيما بعد) وكان ذلك عام 1973.
وكما حدث في بريكست، أعلن أيضا قبل 47 عاما عن صك عملة جديدة من فئة 50 بنسا، وعليها نقش يمثّل تسع أيادٍ متشابكة، وفقاً لتقرير نشره موقع "بي بي سي". لكن رئيس الوزراء البريطاني حينها، إدوارد هيث، عن حزب المحافظين، ذهب أبعد من ذلك، إذ نظّم 11 يوما من الأنشطة الثقافية التي موّلتها الحكومة.
مشاحنات سياسية ومخاطر واحتجاجات
وكما هو الحال اليوم مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تكن مناسبة الانضمام بمنأى عن المشاحنات السياسية، فرئيس الوزراء هيث، كان يحلم بمشاهدة دخول البريطانيين إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية، والمعروفة باسم السوق المشتركة، ولعب دورا بارزا في عدد من تلك الأنشطة التي تم تنظيمها، فحضر حفلا خاصا في دار الأوبرا الملكية، وقدم شخصيا جوائز إلى أطفال بريطانيين وآخرين من دول المجموعة الأوروبية، تمنحهم رحلات مجانية بعد فوزهم في مسابقة كتابة مقالات.
ولم يأت قراره بأن يكون في قلب الأحداث بلا مخاطر، إذ تخللت تلك الأنشطة عدّة احتجاجات. وشاركت سبع وزارات حكومية بوضع برنامج الاحتفالات، إلى جانب لجنتين، أنشئتا بشكل مؤقت خصيصا لهذا الموضوع. وكانت معظم الفعاليات ثقافية، حيث نظم 25 معرضا فنيا حول موضوعات أوروبية، إضافة إلى عشرات الحفلات الموسيقية، وجاءت فرق موسيقية لإحياء حفلات في بريطانيا ومنها فرقة الفلهارموني من برلين.
وأقيم معرض فني في متحف فيكتوريا آند آلبرت الشهير، وضم أعمالا فنية أرسلتها، من باب الإعارة، الدول التي كانت أعضاء في المجموعة الأوروبية، وأرسلت الدنمارك قطعا أثرية تعود إلى العصر البرونزي، في حين تبرعت إيطاليا، بتمثال نصفي لبروتوس لمايكل أنغلو.
أما فرنسا، التي اعترضت مرتين على دخول بريطانيا إلى المجموعة الأوروبية في ستينيات القرن الماضي، فقد أرسلت لوحة للرسام جورج دو لاتور. وقيل إن محاولة لجلب لوحة الموناليزا إلى لندن قد فشلت بعد رفض طلب إرسال حجر الرشيد إلى متحف اللوفر مقابل اللوحة.
رفض كبير لفكرة الانضمام إلى القارة العجوز
كان من بين الأحداث الرئيسة في تلك الفترة، مباراة كرة قدم مميزة في ملعب "ويمبلي"، حيث لعب فريق مكون من لاعبين قادمين من بلدان المجموعة الأوروبية الستة، ضد فريق مؤلّف من لاعبين من المملكة المتحدة وأيرلندا والدنمارك. وكان لاعب الفريق الإنجليزي بوبي موور من بين النجوم البريطانيين الذين شاركوا في البطولة إلى جانب كل من بوبي تشارلتن، والأسكتلندي بيتر لورمر.
ورغم وجود عدد من النجوم، كانت مبيعات التذاكر محدودة ولم يشاهد المباراة في الملعب سوى نحو 36 ألف شخص، حتى أن ذلك العدد لم يكن سوى أكثر بقليل من ثلث سعة ملعب ويمبلي في ذلك الوقت.
وخلال هذه الفترة لم يتوقف الحماس عند هذا الحد، حيث اعترف اللورد مانكروفت وكان رجل أعمال وسياسيا ينتمي إلى حزب المحافظين بأن بعض البلديات رفضت المشاركة في تلك الفعاليات.
وأضاف، "لكننا وجدنا عددا أكبر من ذلك بكثير وكانوا، رغم عدم حماستهم الكبيرة، متقبلين لفكرة أن انضمام بريطانيا أمر سيحدث وكانوا مستعدين لذلك".
ووصف زعيم حزب العمال، هارولد ويلسون، الذي كان قد عارض الاتفاق الذي أنجزه المحافظون لإدخال المملكة المتحدة إلى المجموعة الأوروبية، الدعم الحكومي لتلك الأنشطة الاحتفالية "بالمثير للغضب". وباستثناء اسكتلندا، كانت المملكة المتحدة الدولة الوحيدة في المجموعة الأوروبية التي لا تمنح عمالها إجازة يوم رأس السنة الجديدة. وأصبح يوم رأس السنة عطلة رسمية في المملكة المتحدة ابتداء من عام 1974.
وكانت بريطانيا تدخل المجموعة الأوروبية في خضم تجميد الأجور الذي فرضته الحكومة للسيطرة على التضخم. وقال جيم كالاغان، وزير خارجية حكومة الظل عن حزب العمال، ضاحكا في مجلس العموم، "ربما قد تكون عدم قدرة الحكومة على تزويد الناس بالخبز، السبب في تزويدهم بعروض السيرك".
رفض بريطاني للانضمام لمجموعة الفحم والصلب
وتشير البيانات المتاحة إلى أن بريطانيا رفضت الانضمام إلى المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، التي سبقت الاتحاد الأوروبي، لدى تأسيسها عام 1952. وقال رئيس الوزراء، عن حزب العمال، كليمنت أتلي للبرلمان في عام 1950 إن حزبه "ليس مستعدا لقبول مبدأ تسليم أكثر قوى الاقتصاد حيوية في هذا البلد إلى سلطة غير ديموقراطية على الإطلاق ولا يسائلها أحد".
وكانت هناك مخاوف كذلك من أن يصعب الانضمام للكتلة إقامة علاقات وثيقة مع الكومنولث ومع الولايات المتحدة. وظلت بريطانيا كذلك خارج المجموعة الاقتصادية الأوروبية التي تشكلت من المجموعة الأوروبية للفحم والصلب في عام 1957.
لكن رئيس الوزراء هارولد ماكميلان من حزب المحافظين غيّر هذا الموقف في عام 1961 وسعى لعضوية المجموعة الاقتصادية الأوروبية. ومع انقسام أوروبا في الحرب الباردة، قال ماكميلان إن الترويج للوحدة والاستقرار في أوروبا من خلال هذا التكتل "عامل ضروري جدا في النضال من أجل الحرية والتقدم في العالم بأسره".
غير أنّ فرنسا قادت المقاومة لانضمام بريطانيا في ستينيات القرن الماضي، وعطل شارل ديغول انضمامها في عامي 1961 و1967 واتهمها "بالعداء المتأصل" للمشروع الأوروبي.
متى انضمت بريطانيا رسمياً للاتحاد الأوروبي؟
رسمياً، انضمت بريطانيا إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية في عام 1973 بعد أن سحبت فرنسا اعتراضها إثر استقالة ديغول عام 1969. وقال رئيس الوزراء البريطاني تيد هيث من حزب المحافظين لدى توقيعه على المعاهدة التي أدخلت بريطانيا السوق المشتركة "الخيال سيكون مطلوبا" لتطوير المؤسسات مع احترام فردية كل دولة.
وفي عام 1975 قرر رئيس الوزراء الجديد في ذلك الوقت هارولد ويلسون من حزب العمال، في مواجهة انقسامات بين وزرائه بشأن أوروبا، إجراء استفتاء على البقاء في التكتل أو الخروج منه.
وكان "ويلسون" يؤيد البقاء داخل المجموعة بعد أن قال إن إعادة التفاوض على شروط العضوية حققت أهدافه "بدرجة كبيرة وإن لم يكن بالكامل". وصوت البريطانيون بنسبة 67% مقابل 33% لصالح البقاء داخل الاتحاد في عام 1975.
بعد ذلك وخلال عام 1975، أيدت الزعيمة الجديدة لحزب المحافظين مارغريت تاتشر حملة البقاء داخل التكتل في عام 1975 لكن فترة رئاستها للوزراء شهدت انقساماً متزايدا داخل حزبها بشأن المسألة وتوترت علاقاتها هي شخصيا بزعماء التكتل في بعض الأوقات.
وهاجمت "تاتشر" فكرة العملة الموحدة وتركيز سلطات كبيرة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وقالت لرئيس المجموعة الأوروبية في ذلك الوقت جاك ديلورز "لا، لا، لا" ردا على خططه لتعزيز التكامل الأوروبي في عام 1990. لكن بعد بضعة أيام هدد مايكل هزلتين، المؤيد للتكامل الأوروبي، زعامتها لحزب المحافظين، وأجبرت على ترك منصبها بعد أن فشلت في تحقيق فوز مباشر عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1990.
واضطر خليفتها جون ميجور إلى سحب الجنيه الإسترليني من آلية أسعار الصرف الأوروبية فيما عرف باسم "الأربعاء الأسود" الموافق 16 سبتمبر (أيلول) من عام 1992. وكانت هذه الآلية تهدف إلى خفض تقلبات أسعار الصرف قبيل الوحدة النقدية.
وانزعج ميجور أيضاً بسبب الانقسامات بشأن أوروبا ووصف ثلاثة وزراء من المناهضين للاتحاد الأوروبي بأنهم "أوغاد" في عام 1993 بعدما اجتاز بالكاد اقتراعا على ححب الثقة فيما يتصل باتفاقية ماستريخت لإنشاء الاتحاد الأوروبي. وبعد فوز حزب العمال بزعامة توني بلير في انتخابات عام 1997 استبعد وزير ماليته جوردون براون الانضمام إلى اليورو.
- خالد المنشاوي صحافي مختص في الشؤون الاقتصادية
اندبندنت



المقال يعبر عن رأي الكاتب

435