عمر كوجري: النظام الأسدي.. وحوار

عمر كوجري: النظام الأسدي.. وحوار "وهم المنتصر" !!

Nov 20 2019

دأبت الحركة الوطنية الكوردية في كوردستان سوريا، ومنذ أن أعلنت عن تأسيسها على خلق مناخات للتحاور مع أنظمة الحكم السورية منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي وحتى الآن، رغم السجل الحافل للحكومات المتعاقبة على حكم سوريا بمقابلة مبادرات الحركة السياسية الكوردية بالرفض، والاعتقالات الكيفية والسجن لسنوات عديدة لخيرة مناضلي شعبنا الكوردي، وهذه الوتيرة ازدادت بشكل ملحوظ، بل تعرّض مظاهرة تدعو للأخوة الكردية- العربية للتعنيف واعتقال منظميها وإيداعهم السجن في أواسط سبعينيات القرن الماضي.

حريٌّ بالذكر أنه حتى هذه اللحظة، مازال العديد من أقطاب الحركة الوطنية الكوردية في كوردستان سوريا يتحسّرون على رفض المبادرة أو الدعوة التي وجهها رئيس النظام السوري بعد انطلاق الثورة السورية في أواسط شهر أيار لما سميت وقتئذ "اجتماع أحزاب الحركة الكردية في سوريا"
وقتها، كان النظام يشعر بخوف وهلع شديدين من الكورد الذين اختبرهم في بدايات عهده، وخصوصاً في انتفاضة 12 آذار العام 2004 التي عمت مختلف المناطق التي يسكنها الكورد، فكان لا بد من تحييدهم وتحييد باقي المكونات السورية وبأي شكل عن معادلة الثورة والاحتجاجات المستمرة ، وكان النظام رغم عنجهيته وإجرامه يتحسس الألم من خاصرته، وهو يرى على شاشات التلفزة كيف أن رؤساء الدول العربية يتهاوون، ويتساقطون الواحد تلو الآخر!!

النظام الأسدي، بعد أن رفضت القيادات الكردية للقائه طوى الأمر، وبدأ بالتعاون مع الاستخبارات الايرانية والإقليمية بتمييع سلمية الاحتجاجات التي عمت مجمل مدن وقرى سوريا وضربها بالحديد والنار، واستعمل القوة المفرطة لإنهائها، بل إجبار الناس لحمل السلاح والمواجهة مع النظام القوي في معركة خاسرة.

النظام طوى الأمر، لكنه تفاهم، وهذا ليس سراً يُذاع وتحالف منذ بداية الثورة مع حزب الاتحاد الديمقراطي بتنسيق تام مع قيادات قنديل، وعاد الحزب بقوة الى سوريا بعدما أن فقد بريقه، فأعطاه المال والسلاح، وسلّمه إدارة المناطق الكوردية شرط تحييد الكورد عن الحراك الثوري، وخلق عدو آخر غير المقيم في قصر المهاجرين، ألا وهو العدو التركي، ونجح النظام والاتحاد الديمقراطي في تحالفهما أيما نجاح!!

اليوم، ومن يقرأ أو يشاهد حوار رأس النظام مع وسائل إعلام روسية يتأكد بشكل غير قابل للشك أن النظام لم يكن يوماً مع مبدأ الحوار لا مع الكورد ولا مع أي من المكونات السورية غير السنية، لكنه كان يمارس تكتيكاً محكماً ليس فقط تحييد هذه المكونات، بل بدا واضحاً و كأنه حامي الأقليات.
فرأس النظام في لقائه الإعلامي يرفض حتى استخدام مصطلح أو لفظة "القوات الكوردية"، ويراها تسويقاً غربياً "لكي يعطي الصورة بأن القوات الموجودة هي قوات كردية وبأن هذه المنطقة هي منطقة كردية" ويرى أن سبعين بالمئة من المنطقة سكانها عرب، ويطلق على هذه القوات بمجموعات على أنها خليط من " الاكراد" وغيرهم!!

ويشكك في ولائها على أنها تعمل بإمرة الامريكان لكنه يردف أنه يتحاور مع " هذه المجموعات باستمرار" !!

الطريف في الأمر أن رأس النظام يتهم "المجموعات اياها" بمجموعات " متطرّفة بالمعنى السياسي" و " تطرح طروحات أقرب الى الانفصال" و"البعض منها يتعلق بالفيدرالية والحكم الذاتي المرتبط بالأكراد" والاطرف حينما يقول أن المنطقة عربية!!

النظام الذي تحالف مع الاتحاد الديمقراطي، وسلّمه المكان والمؤسسات، وغادر المنطقة مبقياً على مربعاته الأمنية، يتنكر الآن لمبدأ الحوار، ويرى فيه انفصالياً عميلا للأمريكان، فكيف الحال بباقي أطراف الحركة الوطنية الكوردية التي رفضت دعوته للحوار؟

التعويل على التعامل مع النظام الأسدي في دمشق ربما حالياً نوع من الانتحار السياسي رغم كل الدعوات للتوجُّه الى دمشق..حتى أن بعض الساسة الكورد يستغلون وجود "مسؤولين" أو مقربين للنظام في خيم التعازي، ويلحون على الحوار مع النظام، وأنهم جاهزون للجلوس معه!!

النظام باختصار لن يعطي الكورد حقوقاً وهو المنتشي بـ"وهم النصر" على السوريين كل السوريين.. ليس هذا فقط إن النظام الذي قتل شعبه، ومارس كل الجرائم بحقّه لن يقبل بالشراكة مع أحد لكنه قد يقبل أناس تعمل لديه ضد أعدائه.

إن الحديث عن النظام ورفضه للحوار لا يعني مطلقاً إن بعض أقطاب المعارضة العربية قد تقبل بالشراكة مع الكرد وخاصة بعد اشتراكها مع الجيش التركي في حربه ضد الشعب الكردي ومناطقه بل خسرت هذه المعارضة كلياً أصوات هذا الشعب وخاصة بعد هذه العمليات الإجرامية في عفرين وسري كانييه وتل أبيض وغيرها.

النظام يريد الكورد منخرطين في "وهم نصره" على الإرهاب، ولا يراهم مكوّناً ينبغي الجلوس معه، وتصفير المشاكل معه.


المقال يعبر عن رأي الكاتب

677