جان دوست : الشيف الأمريكي طبخ والنادل التركي يريد تقديم الوجبة

جان دوست : الشيف الأمريكي طبخ والنادل التركي يريد تقديم الوجبة

Oct 10 2019

الشيف الأمريكي طبخ والنادل التركي يريد تقديم الوجبة

جان دوست 9.10.19
لست سياسياً ولا أحب الانخراط في أي نشاط سياسي بحت. ولم أنتمِ في حياتي إلى أي حزب أو جهة سياسية. ومواقفي التي يظن البعض أنها سياسية ليست سوى مواقف "مثقف" يجد لزاماً عليه أن يكون له على الأقل صوت في المنعطفات الكبرى من تاريخ أمته.

ولعل عملي مع السيد الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالموضوع السوري كان أول وآخر نشاط سياسي "رسمي" في حياتي كلها. وقتها رشحني أحد الأعزاء لأكون ضمن الفريق العامل من أجل إيجاد حل سلمي. في الحقيقة كانت الفنادق التي ننزل بها في جنيف فخمة جداً. بل كانت كأنها قصور في الجنة مما يجعل المرء ينسى كل شيء.

عجبي لناس في الجنة كيف سيشعرون بأهل الجحيم؟
بعد أسفار عدة اكتشفت أن ما أفعله عبث في عبث وأنني شاهد زور في قضية محقة. وعندما هاجمت داعش كوباني وشعرت بنفسي كسيحاً وأن عملي مع الأمم المتحدة ليس سوى تزجية للوقت وسياحة سياسية أعلنت انسحابي واستقالتي ببيان مقتضب نشرته على مواقع النت.

لكن زميلة عزيزة لي أقنعتني بالعودة. قالت لي: عد يا جان لكي تستطيع طرح قضية كوباني في هذا المحفل الخطير. انسحابك هروب في غير أوانه. عندها ذهبت من جديد إلى جنيف والتقيت بخليفة الإبراهيمي: ستيفان دي مستورا. اجتمعت مع دي مستورا ساعة كاملة تقريباً وأنا أشرح له الوضع في كوباني وحاجة المقاتلين إلى السلاح إلى آخر القصة التي حكيتها بالتفصيل في رواية كوباني..

تعلمت من خلال عملي (الذي لم أتقاضَ عليه سنتاً واحداً) أن كل الاجتماعات التي تحدث ليست سوى مناسبة للكلام الذي لا يؤثر في الأحداث. تعلمت أن المطبخ السياسي يقدم الوجبة وما علينا إلا أن نتناولها أو نقدمها للآخرين يتناولونها. لذلك لا تهمني الآن اجتماعات الأمم المتحدة ولا إدانات الدول والمنظمات وأعرف أنها بيانات رفع عتب وتبرئة ذمة لا أكثر ولا أقل. والمقتلة السورية ماثلة أما أعيننا حيث يُذبح السوريون بدم بارد أمام أعين المجتمع الدولي منذ ثمانية أعوام دون أن يسعى أحد إلى إيقاف النزيف.

الآن أعرف أن كل ما سنفعله عبث في عبث ما دام الشيف الأمريكي طبخ والنادل التركي يريد تقديم الوجبة. علينا أن نتجرع هذا السم الذي طبخوه لنا غصباً عن إرادتنا (إن كانت لنا إرادة أصلاً).

وإن خرجنا بعبرة ودرس فسيكون هذا أكبر إنجاز لنا. لأننا مع الأسف قلما نتعلم من تجاربنا وأخطائنا.


المقال يعبر عن رأي الكاتب

847