سبع سنوات على اعتقال المحامي خليل معتوق

سبع سنوات على اعتقال المحامي خليل معتوق

Oct 05 2019

سبع سنوات على اعتقال المحامي خليل معتوق
ميشال شماس _ بروكار برس

الحديث عن اعتقال صديقي وأستاذي المحامي خليل معتوق لا ينفصل أبداً عن مأساة عشرات آلاف من المعتقلين في سجون الأسد وأقبيته المتوحشة، هذه المأساة المتواصلة على امتداد الأراضي السورية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.

منذ لحظة اعتقاله في 2/10/2012 مع رفيقه محمد ظاظا، حاولت -وما زلت- مع كثيرين وبكل السبل معرفة مكان اعتقالهما، أو على الأقل معرفة أسبابه، من دون جدوى في ظل إصرار نظام الأسد على التكتم على المسألة، ورفض الإفصاح عن أي معلومة عنهما، كما هو حال عشرات آلاف من السوريين والسوريات الذين ما زالوا حتى هذا اللحظة يرزحون في أقبية المخابرات السورية وزنزاناتها، في الوقت الذي لم يجد فيه نظام الأسد أي حرجٍ في إطلاق سراح من أجرم بحق الشعب السوري من الدواعش وتنظيم القاعدة الإرهابي وإخوانهم من الميلشيات المسلحة.

وفي الوقت الذي تخلّى فيه كثير من رفاق خليل معتوق -لا سيما من اليساريين- عن شعاراتهم الفضفاضة وانتظموا في صفوف المدافعين عن الدكتاتورية، أبى "خليل" إلا أن يتابع دفاعه عن حرية الرأي والتعبير، ولأجل أن يكون قراره مستقلاً، لم يتردد أبداً في إعلان انسحابه من الحزب الشيوعي السوري ليتفرغ نهائياً للعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
واصل الأستاذ "خليل" نضاله في الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، وعن كل سوري اعتقل بسبب رأيه على الرغم من خطر اعتقاله في أي لحظة في ظل اشتداد حملات الاعتقال التي كانت تشتد بين مدّة وأخرى. ولم تثنه كل التهديدات والاستدعاءات الأمنية التي كان يتعرض لها بين حين وآخر عن مواصلة مسيرته الطويلة التي امتدت أكثر من عشرين عاماً، دافع فيها عن آلاف المعتقلين والمعتقلات من السوريين والعرب.

لم يخش الاعتقال أبداً بل كان يتوقعه في أي لحظة، إلى أن انضم أخيراً إلى قافلة المعتقلين الطويلة برفقة زميله محمد ظاظا في 2/10/ 2012 ليتحول من مدافع عن حقوق الإنسان، إلى معتقل يحتاج إلى من يدافع عنه أسوة بعشرات آلاف من المعتقلين الذين يحتجزهم نظام الأسد في أقبيته وزنزاناته.

الحديث عن أستاذي خليل معتوق يطول ويطول جداً، فقد شرّفني بأن تدربت في مكتبه، وهو الذي كان يحثني دائماً على إكمال دراستي، وأن أصبح محامياً، ولم يبخل أبداً في مساعدتي حتى أصبحت محامياً وشريكاً له في مكتبه.

لقد كان مكتبه ممتلئاً بالملفات التي تحكي قصص والاعتقال ومعاناته في سجون الأسد الأب والابن وبخاصة تلك الملفات التي كان يتولى فيها الدفاع عن المعتقلين أمام محكمة أمن الدولة العليا سيئة الصيت. وقد لفت انتباهي ذلك التنوع الكبير في نوعية المعتقلين التي تتحدث عنها تلك الملفات، فمنهم معتقلون سوريون ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية والإثنية، عرباً وأكراداً، أرمن وأشوريين، مسيحيين ومسلمين، شيوعيين وناصريين، إسلاميين وبعثيين، وكذلك فلسطينيين ولبنانيين وأردنيين وعراقيين.
أخر مرة شاهدته فيها، كانت في مدينة جرمانا عندما شاركنا معا في تشييع الشهيد الدكتور أسامة بركة في جرمانا الذي استشهد بعد الإفراج عنه من أقبية المخابرات الجوية، وكان الحزن واضحاً عليه لرحيل الدكتور أسامة بركة طبيب الفقراء والناشط السلمي، بعدها بيومين أخبرني الأستاذ أنور البني أن "خليل" قد اعتقل مع صديقه محمد ظاظا بعد خروجه من منزله في الطريق إلى مكتبه في البرامكة.

صدمني خبر اعتقاله، وبدأت أشعر أنني في خطر أيضاً، فمن يعتقل خليل معتوق الإنسان المسالم والحالم بالحرّية سوف يعتقل كل من يؤمن بحرّية الإنسان وكرامته، وعلى الرغم من أن الخوف قد تسلل إلى قلبي، إلا أن ذلك لم يمنعنِي من السؤال عن خليل لدى مختلف الجهات الأمنية السورية وكل من يفرج عنه من دون جدوى، وبعد حوالى شهرين من الاعتقال وبالمصادفة في أثناء وجودي في ديوان التحقيق بعدلية دمشق تعرفتُ إلى شابين أفرج عنهما للتو، بادرتُ فوراً بسؤالهما عن أحوالهما وأين كانا معتقلين؟ أجابا أنهما كان معتقلين في فرع أمن الدولة، وسألتهما إن كانا قد شاهدا أو سمعا باسم الأستاذ خليل معتوق فردا بالإيجاب، وأكدا أنهما شاهدا الأستاذ خليل في فرع أمن الدولة. وهذا ما دفعني إلى تقديم استدعاء إلى المحامي العام الأول بدمشق لبيان مصير الأستاذ خليل معتوق.

سبع سنوات مضت على اعتقال أستاذي "خليل معتوق" ورفيقه محمد ظاظا وما زال "الأسد" يصرّ على احتجازهما وعدم إطلاق سراحهما ويتكتم على مكان اعتقالهما وأسبابه، مثلما فعل وما زال يفعل مع عشرات آلاف من المعتقلين الذين لا يُعرف مصيرهم حتى الآن، كالدكتور عبد العزيز الخير، ورفيقه ماهر الطحان وإياس عياش وفائق المير أبو علي ، والطبيب محمد بشير عرب، والفنانين ذكي ومهيار كورديللو، والمحامي سامر إدريس، والصحافي جهاد محمد، والمهندس بهيج سلوم وعدنان الزراعي ورجاء الناصر وسامر إدريس وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم، وذنب هؤلاء المعتقلين أنهم طالبوا بالحرّية والسلام للشعب السوري، وذنبهم أيضًا أنهم ليسوا من "الإسلاميين"، ولا من المتشددين إلا لكرامة السوريين وحريتهم، وإلاّ لما تردد النظام في إطلاق سراحهم، مثلما فعل طوال السنوات السابقة، عندما سارع في 31 أيار/ مايو 2011 إلى إطلاق سراح آلاف "الإسلاميين" من سجونه، لا سيما المتشددين منهم، في خطة مبيّتة للقضاء على ثورة الشعب السوري، وكان من بين الذين أطلق سراحهم : الشيخ محمد أيمن، موفق أبو التوت، أبو العباس الشامي الأب الروحي لحركة (أحرار الشام)، وحسان عبود مؤسس الحركة، وزهران علوش مؤسس (جيش الإسلام)، وأحمد الشيخ أبو عيسى مؤسس (صقور الشام)، وغيرهم كثير ممن أخرجهم من سجونه، ولم يكتف بإطلاق سراح هؤلاء فحسب؛ بل سهّل لهم الطريق ليصبحوا قادة في تنظيمي (داعش) و(القاعدة) وتنظيمات إسلامية أخرى، لمساعدته في حرف ثورة السوريين عن أهدافها النبيلة، بعد تديينها وعسكرتها؛ تمهيدًا للقضاء عليها من جهة، ولاستخدام تلك الفصائل والتنظيمات المسلحة من جهة أخرى، لتسويغ جرائمه بحق الشعب السوري بذريعة أنه يكافح الإرهاب.
خليل معتوق يجب أن يكرّم لا أن يُعتقل.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

798