رشيد حاج صالح..آفاق مغامرة حزب الاتحاد الديمقراطي في الجزيرة السورية

رشيد حاج صالح..آفاق مغامرة حزب الاتحاد الديمقراطي في الجزيرة السورية

Sep 20 2019

عندما اندلعت الثورة السورية في آذار 2011 لم يكن يتوقع سكان الجزيرة السورية والمحافظات الشرقية أن يواجهوا، بعد سنوات قليلة، وضعاً سياسياً وعسكرياً معقداً، مثل الذي عاشته وتعيشه هذه المنطقة في هذا الوقت. أما آخر فصول هذا الوضع المعقد فهي مغامرة حزب الاتحاد الديمقراطي بإنشاء كيان سياسي بدعم مباشر من القوات الأمريكية. فهل سينجح الحزب في مغامرته؟ وماذا ينتظر سكان هذه المنطقة؟

بعد دخول قوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى الرقة في أكتوبر عام 2017 وطردها لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدأ نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي يتوسع بشكل واضح خارج نطاق المناطق ذات الأغلبية الكوردية، مثلما بدأ الحزب بتنفيذ سياساته القائمة على اللامركزية (الإدارة عن طريق الكومونات أو البلديات)، والترويج لأيديولوجية تصالحية مع عرب المنطقة تقوم على اعطاء العيش المشترك وأخوة الشعوب الأولوية.

وعلى الرغم من أن الحزب الاتحاد الديمقراطي تأسس عام 2003 على يد الكوادر السورية الكوردية في حزب العمال الكردستاني، الذي بدوره يناوئ تركيا ويحصل على دعم من النظام السوري. إلا أنه وبعد 2011 نشط حزب الاتحاد على الساحة السورية وسط المناطق ذات الأكثرية الكوردية، وكان متبنياً لمطالب غالبية السوريين الكورد في التخلص من النظام الأسدي، وذلك تحت ضغط المشاركة الكوردية الواسعة في المظاهرات عامي 2011 و2012 قبل أن تتجه الأمور باتجاه العسكرة.

غير أن الخطاب الذي يعلنه الحزب كان مختلفاً عن سياسات الحزب على أرض الواقع، والتي تمثلت في الاستقواء على الأحزاب الكوردية الفاعلة وسط كورد سورية، مثلما همشت " المجلس الوطني الكوردي"، وهو مجموعة أحزاب تعتقد أغلبها بأن الكورد هم جزء من سورية وأن الديمقراطية والتعايش السلمي هما الأساس للعمل السياسي الكوردي، والقاعدة التي يجب ان تحكم علاقة بالكورد، والكورد بالعرب. وما أن تزعزع وضع النظام العسكري في مناطق الجزيرة وريف حلب الشرقي عام 2012، بسبب سحب القطع العسكرية المتواجدة في تلك المنطقة إلى حمص ودرعا وإدلب، حتى سارع الحزب إلى التنسيق مع النظام الأسدي على الصعيد الأمني وإدارة بعض المناطق، إلى أن تطور التعاون ليشمل منشآت النفط والطرق وعمل المؤسسات.

غير أن قوات سورية الديمقراطية، التي تضم عناصر عربية بالإضافة إلى وحدات حماية الشعب، والتي أسسها حزب الحاد الديمقراطي، لم تقبل بالفصائل العربية المقاتلة التي خاضت، مثلها مثل قوات حماية الشعب، معارك طاحنة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما " لواء ثوار الرقة" الذي تعرض قائده لمحاولة اغتيال في تركيا، يعتقد أن تنظيم الدولة الإسلامية ورائها وذلك بالنظر إلى مواقف اللواء المناوئة للتنظيم. بل إن ما حصل هو العكس حيث همش حزب الاتحاد الديمقراطي كل الفعاليات العربية المحلية وحل لواء ثوار الرقة، مثلما تشهد المنطقة من حين للآخر حرائق لمحاصيل زراعية واغتيالات لشخصيات فاعلة وشيوخ عشائر يعرف عنهم مواقفهم المتحفظة من حزب الاتحاد الديمقراطي، أما مرور تلك الجرائم مرور الكرام، دون أي تحقيق جدي أو الكشف عن الجناة، فقد زاد من شكوك أهل المنطقة بالحزب، وذلك وسط تذمر السكان من الغياب شبه التام لجهود الأعمار وانفلات أمني واضح وارتفاع عدد المغيبين في سجون قسد.

أما المجالس المحلية التي انشأها الحزب، لكي يضفي على نفسه صفة الديمقراطية والمدنية، فتشبه إلى حد بعيد مؤسسات النظام السوري حيث تتركز الصلاحيات ومراكز النفوذ بيد الأجهزة الأمنية التي تحرك كل شيء من الخلف. في ظل سيطرة شبه مطلقة لعناصر الحزب على الأمور المالية وتهريب النفط إلى مناطق النظام.

فحزب الاتحاد الديمقراطي لديه مشتركات كثيرة مع حزب البعث العربي الاشتراكي، سواء في سورية أو العراق، فهو مثل حزب البعث لا يعرف من الديمقراطية سوى اسمها، ولا يتملك من أمر نفسه شيء سوى أوامر العسكر التي تأتيه من قنديل (جبل يقع على الحدود العراقية الإيرانية ويتخذه قادة حزب العمال الكردستاني مقراً مخفياً لهم).

ويعود اعتماد الحزب لسياسة تهميش سكان المنطقة، عرب وأكراد، إلى أنه اختار ألا يستمد قوته منهم بقدر ما يستمدها من الدعم العسكري الذي يتلقاه من القوات الأمريكية، ومن اللعب على وتر المصالح السياسية للدول النافذة في المنطقة. فالحزب مستعد أن يتعاون مع أي طرف يمكن أن يقدم له أي شيء وفق منطق براغماتي ضيق الأفق. ولذلك نجده يستمر في التعاون مع النظام الأسدي على الرغم من أن هذا الأخير يتعامل مع الحزب على أنه مجرد ورقة يمكن أن يبيعها لتركيا، بحسب تطورات الأوضاع، كما فعل سابقاً مع حزب العمال الكردستاني عام 1999 حين تخلى عنه وأخرج زعيمه عبد الله اوجلان من سورية لينتهي به الأمر في السجون التركية.

مثلما ينسق الحزب أيضاً مع القوات الامريكية على أعلى المستويات، ويعتمد بشكل شبه كلي على دعمها وأسلحتها، على الرغم من عدم وجود سياسة أمريكية واضحة تجاه الحزب المذكور، وما تصريحات دونالد ترامب حول خروج القوات الامريكية من سورية في ديسمبر 2018، والدوريات المشتركة التي أخذت تسيرها أمريكا وتركيا الأسبوع الماضي في منطقة تل أبيض (شمال الرقة) سوى دليل على أن مستقبل الحزب غير واضح.

وبالمقابل فإن الحزب يرفض تقديم أي مواقف مرنة تجاه حوار كوردي/ كوردي يشرك الأحزاب الكوردية الأخرى في التأسيس لمستقبل الكورد السوريين مفضلا الاستفراد بالقرار الكردي لوحده. مثلما يكتفي بتقريب بعض العشائر العربية منه وعقد مؤتمرات لوجهاء تلك العشائر، توحي لهم بأنهم شركاء حقيقيين في الحكم (آخر تلك المؤتمرات عقد في مدينة عين عيسى في مايو/ أيار الماضي)، في الوقت الذي يُنحيّهم جانباً عندما يتعلق الأمر بقضايا حيوية من قبيل الأمن والنفط وتمويل أعادة الأعمار والتعامل مع ملف الاعتقالات التعسفية.

ومثلما سرب النظام مئات أشرطة الفيديو لمشاهد التعذيب داخل السجون السورية لكي يثير الرعب في نفوس السوريين كذلك دأب الحزب، خلال الأشهر القليلة الماضية، على تسريب عدد من الفيديوهات لعناصر من الحزب تقوم بالاعتداء على عائلات من عرب المنطقة وإهانتهم لكي يزيد من المشاعر السلبية المتبادلة بين العرب والكورد، وبالتالي يستثير ردأة فعل معاكسة لا تقل عنصرية عن تلك الصور المسربة. فالحزب يعتقد أن سياسة تجذير الكراهية بين أكراد وعرب المنطقة ستساعده على تقديم نفسه من حيث هو الضامن لحقوق الكورد وليس غيره. الأمر الذي سيسهل على الحزب أخذ الكورد كرهائن لديه، مثلما تمكن النظام، عبر الفصائل الإسلامية المتطرفة، من جعل "العلويين" يرتهنون له أيضاً.

لا يمتلك الحزب أي آفاق مستقبلية إلا إذا اخذ بعين الاعتبار سكان المنطقة وجعل من تطلعاتهم ومصالحهم على رأس أولوياته، وتمكن من التحرر من هيمنة الجناح المتشدد في حزب العمال الكردستاني، الذي لا يعرف سوى سياسة المغامرات، واللعب على الاحلام القومية للشعوب، وسياسة عقد الصفقات المشبوهة.

إن مراجعة جدية لهوية الحزب وإعادة تعريفه لنفسه وقيامه بتوسيع دائرة قراره لتشمل أكبر عدد ممكن من عرب وكورد المنطقة من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في المنطقة، مثلما من شأنه ان يؤدي على تفعيل تقارب تركي أمريكي، يأخذ بعين الاعتبار مصالح وتطلعات سكان المنطقة. ودون ذلك لن يكون مصير حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أحسن حالاً من مصير حزب البعث، ولن يكون الخراب الذي سيجلبه إلى المنطقة أقل من الخراب الذي جلبه حزب البعث إلى سورية والعراق.


المقال يعبر عن رأي الكاتب

950