في ظاهرة ‘‘خلق العدو ’’ من الأسد الى صفوف المعارضة السورية

في ظاهرة ‘‘خلق العدو ’’ من الأسد الى صفوف المعارضة السورية

Sep 17 2019

د. سميرة مبيض

من أهم الأدوات التي تم كشف اللثام عنها في آلية سيطرة النظم الشمولية على الشعوب هي أداة خلق العدو، الآخر، المختلف، الذي يتوجب محاربته وإبقاء جذوة التحريض ضده مستعرة كحجة مستمرة لوحدة ولبقاء النظام الشمولي في الحكم.

من أوائل من أشار لكيفية استخدام النظم الشمولية لأداة خلق العدو هو الفيلسوف الفرنسي كلود لوفور، ومن المفاهيم التي ذكرها في كتابه الابتكار الديمقراطي 1981: ‘’في النظم الشمولية، الآخر ليس بريئاً بأي حال من الأحوال، فمجرد اختلافه يجعل منه عدو، يتوجب كشفه وازالته’’ (مترجم بتصرف) وتناول تحليل هذه الظاهرة في السياق السوري باحثون عديدون وضّحوا كيفية استخدام نظام الأسد الشمولي لأداة خلق العدو، وأهمهم الباحث الفرنسي ميشيل سورا وتلاه آخرون.

استُخدمت هذه الأداة من قبل النظام الأسدي لإخضاع الشعب السوري لعقود ولوأد أي حراك يقف بمواجهته، ومن ثم استخدمت الأداة ذاتها لوأد ثورة الشعب السوري بوجوه عدة. في سياق موازِ لما سبق طرحه في هذه الأطر، تبرز ظاهرة لافتة تتجلى بإعادة توليد أداة (خلق العدو) في صفوف المعارضة السورية ذاتها، ودورها في التدمير الذاتي للثورة السورية، ويمكننا في هذا السياق الإضاءة على عدة نقاط:

– تم تكوين المعارضة السورية بشكل عام من تيارات سياسية نشأت وتبلورت منهجيتها الفكرية تحت حكم الأسد، وفق بناء فكري شمولي يستخدم وفق درجات متعددة آلية خلق العدو، ولم تستطع أي من هذه الأطر الخروج منه، بل أن هذه الأداة تحولت لسلاح بيّني، فبات في صفوف المعارضة محاور عداء متعددة أبرزها: محور ديني (اسلامي/ شيوعي)، ومحور قومي (عربي/ كردي)، في مطابقة كليّة لسيناريو العدو الداخلي الذي وطد له نظام البعث الأسدي على مدى جيلين ونيّف.

– خلق العدو الداخلي ضمن أطر المعارضة كان أمراً واقعاً تجسد بتيارين شموليين على الأرض السورية، وفق محوري العداء المذكورين آنفاً، حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني من جهة والفصائل الدينية المتطرفة من جهة أخرى.

– بمواجهة هذين التيارين الشموليين تم تصحير الساحة السياسية السورية من أي وجود تعددي ينطلق من مرتكز المصلحة السورية العامة وليس من منطلق “محاربة العدو” رغم وجود حوامل وروافع نخبوية وشعبية له، لكن تهميشها كان بالمطلق لصالح الشمولية نظاماً ومعارضة حيث لا مكان للتعددية.

– امتد أثر خلق العدو ليشمل معظم التجمعات السياسية السورية والأفراد العاملين بالشأن العام السوري، فالشائع في الأوساط السياسية والمدنية السورية هو التعامل مع أي اختلاف من منطلق العداوة، الاتهام والتخوين، السعي للشمولية في الطرح بين أقطاب متضادة وليس من منطلق البحث عن المشتركات المحققة للمصلحة العليا للبناء عليها في إعادة انتاج طبق الأصل عن منهجية النظام في إلغاء التعدد في المجتمع المدني والسياسي.

لا يخفى على أحد أن كل ما ينجم من تطاحن هذين المحورين وانعدام أي مساحة للتعددية بينهما يصب في مصلحة الشمولية الأسدية، القادرة على احتوائهما بالنهاية وفق قواعد الرميّة السياسية التي يتقنها نظام الأسد بالتغذي والبقاء على صراعات الآخرين، وها هو الشمال السوري اليوم يكشف وجه مساعيه هذه، حيث نرى تقربه من القطبين مستخدماً آلية العدو المشترك في الضفة المقابلة، حيث يتقرب من المحور الشيوعي بمواجهة المحور الإسلامي، في حين يتجه منحى مخالف بالمحور القومي ساعياً لتكون المحصلة لصالحه بالمطلق لإعادة الهيمنة على السلطة الخارجة من يده في أربعين بالمئة من الأراضي السورية، وما سيُرافق ذلك من تنكيل وترويع لن يستثني أحداً.

في واقع الأمر فإن هذه الأقطاب تشكل أرضية خصبة لتطبيق سيناريو خلق العدو واستمراريته، وتتيح للنظام إبقاء هذه الصراع قائماً ومنع إمكانية نشوء أي شكل من أشكال الحكم المحلي والتعددية السياسية والمدنية المنظمة، القادرة على أن تكون مرتكزاً لاستمرارية الحراك السوري ضد حكمه في إطار مكاني مستقر ومزدهر بل أنه يعمل، عبر أذرعه الإعلامية والاستخباراتية، على مد جذوة العداء لتطال كامل الطيف المدني والسياسي المعارض المقيّد بين القطبين.

يستحق الأمر من المُتضررين، وهم عموم الشعب السوري وعلى الأخص المتواجدين في الشمال السوري، تبني مفاهيم مضادة لظاهر نمو العداء البيني، فالسعي هو نحو انهاء أي توجه شمولي تحت مسمياته المختلفة والعمل على بناء رؤية مشتركة عادلة للجميع، نابذة لأقطاب “خلق العدو ” والتي به تعتاش وعليه تستمر. يحتاج ذلك لمنظورين رئيسيين، التوجه الإنساني أولاً والذي سيسمح بتجاوز رواسب خمس عقود ظلام وظلم، والتوجه المستقبلي ثانياً بكسر جدار في المتاهة الزمنية التي تدور بها المكونات السورية للخلاص من تلاعب نظام الكذب.

المصدر: The Levant




المقال يعبر عن رأي الكاتب

476