هل أصبحت رسائل فيسبوك بديلاً عن العلاقات

هل أصبحت رسائل فيسبوك بديلاً عن العلاقات "الحقيقية" بين الناس؟

Jul 20 2019

هل أصبحت رسائل فيسبوك بديلاً عن العلاقات "الحقيقية" بين الناس؟
شفان إبراهيم - رصيف 22

رسائلُ فيسبوكية تختصر الجهد والتعب وتقرّب بين المشتركين في أي وسيلة تواصل اجتماعي، لكنها في الواقع تحوي شيئاً من اللامبالاة والاستهتار بالآخر، وتباعد بين المحبين أكثر. سابقاً كان الأهالي وعموم الناس يستغلون قدوم المناسبات الدينية والقومية والاجتماعية لزيارة بعضهم البعض وتبادل التهاني عبر اللقاء المباشر، لكن المعادلة اليوم اختلفت، وأصبحت رسائل الفيسبوك تعوّض التواصل الحي.

هذه السلوكيات الافتراضية ببساطة تعبّر عن مدى الاستهتار بالعلاقات بين البشر، وردود أفعال على نوعية العلاقات، بعد تغلغل الإنترنت بعيداً عن التواصل الآدمي المباشر، وتعكس الثقافة الجديدة المخترقة لنمطية العلاقات الاجتماعية السابقة، إذ كانت الأعياد، أو بداية شهر رمضان، أو الأزمات والمشاكل والمناسبات السعيدة، من أكثر اللحظات التي تجمع المغتربين أو البعيدين جغرافياً أو المنهمكين بأعمالهم، وتُشكّل فرصة للبحث حول أحوال بعضهم البعض.

"تهانينا الحارّة على التخرّج"، "زواج سعيد بالرفاه والبنين"، "الله يرحمه"، "مبروك عودة المغتربين"، "تفضلوا صورة آخر طبخة"، "شوفي صورة اللانجريات الجديدة اللي اشتريتهن لا تفرجيها لحدا". في مجملها، ربما تتعلّق بحالات شخصية أصبحت تكبر دائرتها رويداً رويداً، ولها من الآثار التي تباعد بين القاطنين في دائرة سكنية أو مدينة واحدة أكثر بكثير من دورها الجيد في تبادل التهاني والتواصل، خاصة وأن المفردات والعبارات تتكرّر دوماً.

المشكلة تكمن في عدة أمور مركبة ومعقّدة بفعل التداخل ما بين التهنئة المباشرة التي تتحاور فيها كيمياء اللقاء، وما بين الجار الذي لا تتجاوز المسافة بضعة أمتار عن منزل جاره وتقتصر العلاقة معه على رسائل السوشيال ميديا، فتصبح المسافات المقرّبة والمتجاورة وكأنهم يبتعدون آلاف الأميال عن بعضهم البعض، وليس أدلّ على ذلك أن يهنئ أحدهم جاره في البناية نفسها عبر الفيس بوك بحلول يوم العيد، وهي إحدى مساوئ التواصل الحديث الذي يعتمد على انعدام الشعور والاختصار على شمول الجميع بالحالة نفسها، وما بين عدم الالتفاف نحو الفقراء والجائعين والسياسات الممنهجة للتجويع، وهي أجدى وأفضل وأكثر قيمة أخلاقية، أكثر من قضية أن أحدهم رأى آخر في المنام يطلب منا الإقدام على الفعل الفلاني.

"أرسلها إلى عشرة أشخاص وبعد عشر دقائق ستحصل على مبتغاك"، "لا تدعها تقف عندك فهي أمانة، رأيت أحد المشايخ في المنام يطلب مني أن أرسلها إلى 140 صديقاً، على أن يقوموا بإرسالها إلى أصدقائهم لتعمّ الفائدة والله يجزي المحسنين". رمضان كريم، جاء رمضان، شهر العفة، الكرم، الشعور بالمساكين.... إلخ " أستغلُّ فرصة عدم تحديد أول أيام العيد، وأرسل لك أول التهاني" والقافلة تطول. ثمة تسابق لمن يُرسل أولاً تهنئة رمضان أو العيد. ولكثرة استلام الأصدقاء المقربين لهذه الرسائل قبل بداية شهر رمضان بحوالي أسبوع، ساد شعورٌ جمعي بأنهم يرمزون لرافضي الصوم، حتى أن أحدهم قال: "يا رجل لكثرة لرسائل التي تتحدّث عن اقتراب شهر رمضان، ثم الرسائل التي تتحدث عن أول يوم رمضان، شعرت أنني أبو جهل".

فهي توحي بسذاجة المُرسل، خاصة إن كانت الرسالة عبارة عن صورة ملونة وبضع كلمات، ويتم استخدام تلك الصورة نفسها من قبل عدد كبير من المُرسلين إلى أصدقائهم، والشخص الواحد يستلم نفس مضمون الرسالة من مئات أو آلاف الأشخاص كدليل على عدم القراءة أو الاهتمام بالمادة المتلقية، فيتم استخدام تقنية إعادة الإرسال وتحديد الجميع عبر الواتس آب، أو اختيار عدد كبير من المشتركين في الماسنجر، وأيضاً بشاعة الأمر أن يتمّ إرسال التهنئة المتلقية إلى مُرسلها دون قصد في عملية الإرسال الجماعي. الأكثر سوءاً أن يفعلها الأصدقاء المقربون عوضاً عن التواصل المباشر واستدامة العلاقات الاجتماعية، والأكثر إرهاقاً ومضيعة للوقت أن يُعيد الشخص إرسال مضمون الدردشة ذاتها أكثر من مرة للشخص نفسه.


المقال يعبر عن رأي الكاتب

513