نیجیرفان البارزاني وأنا وأسرار لأول مرة

نیجیرفان البارزاني وأنا وأسرار لأول مرة

Jun 17 2019

نیجیرفان البارزاني وأنا وأسرار لأول مرة
الكاتب و الصحفي : أحمد الزاويتي - موقع الجزيرة

بمناسبة انتخاب نيجيرفان البارزاني رئيسا للإقليم..

مرحلة أحمد الجيولوجي..

من صدف القدر أنني ونيجيرفان من نفس المرحلة العمرية، معرفتي به تعود إلى بداية التسعينيات، حينها كان يذكر اسمه تالیا علی اسم الرئيس مسعود البارزاني، كلما كان يذكر اسمهما كان تاريخ عائلة بارزان تبرز للسطح، لا ينكر غالبیة الكرد تاريخ هذه العائلة، على راسها الراحل ملا مصطفى البارزاني، والمآسي التي مروا فيها، والمراحل الشائكة من الصراع مع بغداد، بين حروب ومفاوضات، وانتصارات واخفاقات، إضافة إلى العلاقات التي يمتلكونها، على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وهاهم الآن على رأس سلطة إدارية تتشكل للتو في كردستان (أتحدث عن بداية التسعينيات).

كانت تلك البداية أول عهدنا بالحرية، بعد ترك النظام المناطق الكردية إثر انتفاضة شاملة بعد دحر الجيش العراقي وإخراجه من الكويت من قبل التحالف الدولي بقيادة أمريكا. كان نيجيرفان البارزاني يرأس المكتب السیاسی للحزب الدیمقراطي الكردستاني في الفترة بين (1993 وحتى 1996) في دهوك، كنت حينه شابا ناشطا في حزب إسلامي منافس لحزبه، وفي معقله الحصين (مدينة دهوك)، ونتيجة الاحتكاكات التي كانت تحدث بين نشاطنا ونشاط كوادر من الحزب الديمقراطي الذي يرأس مكتبه السیاسی نيجرفان، لذا كانت دائرة العنصر المزعج تدور حول اسم (أحمد الجيولوجي) وهو الاسم الذي اشتهرت به وقته، كلما تم ذكره في أوساط الحزب الديمقراطي في دهوك.


أغلق مكتب الجزيرة في بغداد بقرار حكومي عام 2004 وتم إبلاغنا من قبل الإدارة في الدوحة، بالتوقف عن العمل نتيجة القرار الحكومي، وسُحب المراسلون العاملون في العراق إلى الدوحة

كنت عنصرا غير مرغوب فيه، لهذا تم انهاء تطوعي في إعطاء محاضرات الكيمياء والفيزياء والأحياء والرياضيات في مدارس متوسطة كارة والمدرسة الدينية بمدينة دهوك، ومتوسطة كردمند في قرية كوريتكافانا بمحافظة دهوك، كانت كردستان في ذلك الوقت تفتقر إلى الكوادر التدريسية، والوضع الاقتصادي كان صعبا جدا بعد سحب مؤسسات الدولة العراقية من إقليم كردستان على إثر انتفاضة آذار 1991، فتطوعت لإلقاء المحاضرات في الدروس العلمية تلك، حیث كانت هناك حاجة ماسة‌ للطاقات التدريسية، ‌في الفترة بين (1991 حتى 1996).

كان اختصاصي بكالوريوس علوم في الجيولوجي، بعد أربع سنوات من تلك المحاضرات أبلغت من قبل مدراء هذه المدارس بأن علي أن أنهي تطوعي بأمر حزبي.. بحجة أنني أجند طلاب هذه المدارس لفكرتي الإسلامية، واكسبهم لحزبي! فتم إنهاء تطوعي.. بعد ذلك حوصرت من الاتجاهات المختلفة فاضطررت في نهاية التسعينيات إلى ترك دهوك والهجرة إلى أربيل، لأبدأ حياة جديدة هناك بعيدة عن خضم الصراع والمنافسة السياسية الداخلية والأضواء..


هجرة بمثابة هروب

تم ذلك فعلا عندما ابتعدت عن الأضواء المحلية لأدخل عالم الإنترنت، ذلك العالم الرحب الجديد الذي كان قد وصل لتوه كردستان (1999) في وقته كان الإيميل في الياهو والهوتميل، والمسنجر فيهما، ومنتديات الحوار، كما فيسبوك وتويتر وواتس آب اليوم! إضافة إلى أن الإنترنت لم يكن لديه ذلك الجمهور كما اليوم، فكان خطابنا للخارج، وقلّما كنت تجد واحدا مثلك من منطقتك يعرفك ومطلع على نشاطك في تلك المرحلة البدائية من الإنترنت.. الإنترنت كانت وسيلتي للوصول إلى الإعلام العربي بهدوء وروية ككاتب وصحفي ومراسل، ثم الجزيرة، وانتهاء مرحلة (أحمد الجيولوجي) بالتدريج وبدأ مرحلة (أحمد الزاويتي)..


أنا (الزاويتي والجزيرة) ونيجيرفان (رئيس الوزراء)

أصبحت أنا (الزاويتي) ومنذ 2003 أرى نيجيرفان البارزاني (رئيس الوزراء) وجها لوجه في المؤتمرات الصحفية، وكان كل ما يمكن أن يحدث بيننا هو عندما أسأل كصحفي وهو يجيب كمسؤول، حتى دخولي لمواقع حزب العمال الكردستاني قبل أن تبث تقاريري عن الحزب في الجزيرة.. اتصل بي مرة السكرتير الصحفي لنيجيرفان (محمد خوشناو) مستفسرا فيما إذا فعلا دخلت مواقع الحزب؟ لأن هناك تقارير حزبية (وشايات) تصل ليد نيجيرفان تبلغ عني بأنني أقوم بأعمال غير مشروعة "دخول مواقع حزب العمال" وهو ما يزعج تركيا الدولة التي تربطها بإقليم كردستان علاقات جيدة، والتي قد تعمل ضغطا على الإقليم وبذلك أكون قد سببت حرجا.. رن جرس القلق لدي ثانية فها أنذا أظهر للعيان، كما السابق، الفرق هو انني كنت مزعجا كحزبي الآن أصبحت مزعجا كصحفي.. قلت للسكرتير الصحفي: نعم فعلا دخلت كصحفي لاغطي حدثا..
قال خوشناو:
- نعم أعرف.. ويعرف الأخ نيجيرفان ايضا، فقط كنا نريد ان نتأكد من جانبك..
قلت:
- وماذا قال كاك نيجيرفان؟!
- قال: أبلغ أحمد بذلك وقل له بأن ردنا على تلك الوشايات هو: "أننا نعرف الزاويتي أكثر منكم؟!"..
هذا الرد أرسل لي اطمئنانا بدلا من القلق، وتشجيعا بدلا من التثبيط..

مع محمد خوشناو - السكرتير الصحفي لنيجيرفان البارزاني

لا أدري هل نيجيرفان أربيل ورئيس الوزراء يختلف عن نيجيرفان دهوك ورئيس المكتب السياسي للحزب الديمقراطي، أو أحمد الزاويتي الصحفي يختلف عن أحمد الجيولوجي الحزبي؟! أو أن حاجة الطرفين لبعضهما أصبحت تفرض نفسها بدلا من القلق المتبادل، أو أن المعرفة المباشرة بين الطرفين أصبحت هي المسيطرة بدلا من المعرفة عن طريق الوسائط التي دائما تغير وجه الاشياء. المهم كانت هي بداية مرحلة جديدة..


غلق مكتب بغداد، وفتح مكتب أربيل..

أغلق مكتب الجزيرة في بغداد بقرار حكومي عام 2004 وتم إبلاغنا من قبل الإدارة في الدوحة، بالتوقف عن العمل نتيجة القرار الحكومي، وسُحب المراسلون العاملون في العراق إلى الدوحة، وبدوري توقفت عن العمل أيضا، إلى أن تم الاتصال بي من قبل مكتب رئيس الوزراء نيجيرفان البارزاني للاستفسار عن سبب توقفنا عن العمل؟ فقلت لهم هو استجابة للقرار الحكومي من بغداد، فقال إن القرار لا يشملني (أنا في أربيل) باعتباري عضوا عاملا في نقابة صحفيي كردستان، وحسب قانون الصحافة في الإقليم يمكنني العمل بحرية لأي مؤسسة صحفية..

كان ذلك إشارة من نيجيرفان البارزاني بإمكانية الاستمرار في العمل كمراسل الجزيرة، بل الإشارة إلى أكثر من ذلك وهو الرغبة بعمل الجزيرة في كردستان.. نعم كنت أعرف أن ذلك كان هو الرغبة في الجزيرة وليس في أحمد الزاويتي! وتكمن فيها حكمة كبيرة من قبل هذا السياسي والقيادي الشاب الذي عرف قيمة الجزيرة في أن تكون فعلا بوابة للتعريف بالقضية الكردية إلى العالم العربي من خلال أشهر وسيلة إعلامية وهي الجزيرة.. أقنعت الجزيرة بإمكانية استمراري بالعمل في كردستان كمراسل للجزيرة رغم إغلاق المكتب في بغداد، وكان ذلك بداية عمل مكتب الجزيرة في أربيل.. المكتب الذي تعاملت إدارة التحرير في الدوحة معه كمكتب ما فوق العادة (مكتب إقليمي) يتابع ملفات العراق عموما مع الملفات الكردية في المنطقة في (العراق، سوريا، تركيا، إيران).

طالبت بغداد أربيل عدة مرات بغلق مكتب الجزيرة أسوة ببغداد، إلا أن نيجيرفان البارزاني رئيس الحكومة لم يستجب لهذا الطلب، حتى أن نور المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق جعل مرة غلق مكتب الجزيرة في أربيل شرطا لبدء المفاوضات مع أربيل حول قضايا شائكة كالمناطق المتنازع عليها، والموازنة والبيشمركة، إلا أن نيجيرفان فصل بين الموضوعين، واعتبر مكتب الجزيرة في أربيل شأنا إعلاميا لا علاقة له بحكومة الإقليم ومشاكلها مع بغداد..


جزء من قصة فلم البارزاني..

في أول لقاء ثنائي بيننا (لوحدنا) عام 2006، بطلب مني وذلك للحصول على أرشيف ملا مصطفى البارزاني وموافقات التصوير لفلمي الوثائقي (ملا مصطفى البارزاني قصة ثورة وعلاقة) افتتح البارزاني حديثه معي قائلا: لو كنت بارتيا -يقصد أن أكون من حزبه- لما جلسنا وجها لوجه ومباشرة مع بعض. هذه كانت رسالة الاطمئنان الثالثة لنيجيرفان لي، بعد رسالته الأولى ورده على الوشايات عني، والثانية الطلب باستمرار عمل الجزيرة في أربيل رغم وقفه في بغداد، وهذه كانت الثالثة.. بذلك كسر البارزاني تماما حاجز الاختلاف الآيديولجي والحزبي بيننا، أي أنه ليس المطلوب عنده أن أكون من حزبه بل على العكس!


أتذكر مناقشتنا حول عمل فلم (ملا مصطفى البارزاني) عندما قلت له: "سيادة رئيس الوزراء سأعمل هذا الفلم، وليكن معلوما بأني سأعمل الفلم للجزيرة وليس لقناة محلية، سوف لا أستخدم في الفلم أوصافا للزعيم ملا مصطفى البارزاني كأوصاف الإعلام المحلي له من قبيل: الزعيم الخالد، البطل القومي، الأسطورة.. الخ، إضافة إلى أن الجزيرة هي قناة الرأي والرأي الآخر سآخذ آراء الأطراف المختلفة قد يكون هناك من يقول رأيا يخالف رأي الحزب الديمقراطي عن ملا مصطفى البارزاني..".

كان رده:
- "أعلم ذلك.. وهذا هو الصحيح.. وليكن في علمك أن الكثير قد جاؤونا لانتاج أعمال عن البارزاني الخالد، أفلاما أو كتبا أو مسرحيات أو أشعارا أو أغاني.. وقد استلموا أموالا كثيرة منا مقابل ذلك ولا أحد أنتج شيئا بمستوى طموحنا وأعطى حق البارزاني في تلك الانتاجات! لكنني أثق فيك بأنك ستعمل فلما بمستوى طموحنا.. أنا أثق فيك وفي الجزيرة.."

ثم وضحت له أكثر وقلت:
"إن الفلم من إنتاج الجزيرة، وهذا يسد الطريق لأي دعم مادي"، حتى تسهيل السفر للخارج والحصول على التأشيرات وهو الأمر الذي عرضه سيادته لي لعمل مقابلات مع شخصيات في أمريكا، وبريطانيا، وروسيا وغيرها تم رفضه من قبل الجزيرة وقالت بأنها ستتكفل بذلك إن تطلب الأمر، وإلا يمكن لمكاتبنا في هذه الدول القيام بذلك.. تفهم نيجيرفان البارزاني الأمر، وهذا ما شجعي كثيرا للبدأ بعمل الفلم رغم أن ذلك جعلني تحت مسؤولية كبيرة وترقب في التوافق بين ستايل الجزيرة لانتاج فلم وثائقي وإعطاء حق لهذه الشخصية العظيمة وفق النظرة الكردية..


إبلاغي بالمنع عن الدخول لمواقع حزب العمال..

بين عامي 2006 و2007 كنت أتردد كثيرا على مواقع حزب العمال الكردستاني، على الشريط الحدودي بين تركيا وإقليم كردستان، وفي المثلث بين تركيا وإيران والإقليم، لتغطية التطورات هناك بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال، وعملي لفلمي الوثائقي "دولة الجبل" عن حزب العمال، كل ذلك أزعج تركيا وأبلغت الإقليم بذلك، فتم الاتصال بي مباشرة من قبل مكتب رئيس الوزراء وكذلك رئيس الإقليم بمنع دخولي هذه المواقع.. في نوفمبر من 2007 تعرضت هذه المواقع لقصف شديد، أعلنت محافظة أربيل عن قصف مدرسة ومستشفى ومواشي قرويين في قرية قراتوكان المتاخمة على طرف جبال قنديل، من قبل الطائرات التركية، واستشهاد عدد من القرويين المدنيين، وأعلنت تركيا عن تدميرها لقواعد عسكرية تابعة لحزب العمال، ونشرت فيديو عبر طائرات التجسس لكل هذه العملية، وأرادت الجزيرة التفاصيل مني كمراسل في أربيل ومن يوسف الشريف المراسل في أنقرة مباشرة على الشاشة، الزميل يوسف سبقني في المباشر وعرض رؤية الحكومة التركية وآثار هذا القصف على مسلحي حزب العمال، الشرح جاء مرافقا بالصور المعروضة تركيا للعملية، أظهرت الصور بناية كبيرة تم تدميرها، وضح الشريف على أن الجانب التركي يقول إنها هي قواعد عسكرية لحزب العمال تم تدميرها..

انتقل المذيع لي وأنا في أربيل، وأراد مني الموقف من إقليم كردستان، أشرت إلى بيان المحافظة من أن مدرسة ومستشفى تدمرتا، إضافة إلى قتل لقرويين مدنيين، وقتل لماشية كانت ترعى هناك، ثم قلت إن حزب العمال لا يمتلك قواعد بمعنى القاعدة العسكرية على شاكلة ابنية كالتي ظهرت في الصورة، حزب العمال لديه مواقع جبلية عبارة عن أودية وكهوف داخل الجبال وليست ابنية كالتي ظهرت.. ثم أشرت إلى أن البناء الذي ظهر في الفيديو قد يكون هو المدرسة أو المستشفى الذي أشار إليهما بيان المحافظة.. اتصل بي محرر أخبار من الجزيرة، مستفسرا حول معرفتي بعدم وجود قواعد عسكرية للحزب هناك وهل أنا أدرى أو الجانب التركي الذي يعتمد في استخباراته واستطلاعاته على أعلى التقنيات العالمية من طائرات مراقبة أمريكية وإسرائيلية تدعم الهجمات التركية هناك، فهل هم أدرى بمواقع قصفهم أو أنا الممنوع من الوصول إلى هناك للتأكد فيما إذا هي فعلا مستشفى ومدرسة أو قاعدة عسكرية لحزب العمال؟!


التحدي هو الوصول إلى هناك من جديد..

ستمع إلي السيد رئيس الوزراء بتمعن، ثم قال: اتصلت بك لأشكرك، وأشد على يديك، وعلى أنه أنت الصحفي الحقيقي، وأنك بتقاريرك تلك أنقذتنا من حرج كبير، لأن لا تركيا ولا السفارة الأمريكية في بغداد قد إقتنعتا بروياتنا لمواقع القصف

كان التحدي أمامي هو كيف يمكنني أثبت فعلا أن مواقع القصف هي مستشفى ومدرسة ومواشي حسب بيان محافظة أربيل؟ أو قواعد عسكرية لحزب العمال كما تقول تركيا؟! وأنا الممنوع من الوصول إلى هناك حسب اتصالين هاتفيين من مكتب رئيس الإقليم مسعود الباراني وبالتحديد من السيد فيصل الدباغ السكرتير الصحفي للرئيس، ومن مكتب رئيس الوزراء نيجيرفان البارزاني وبالتحديد من السيد نوري عثمان رئيس ديوان مجلس الوزراء..

حاولت المجازفة وخوض هذا التحدي، ذهبت إلى هناك من طرف قضاء سوران في محافظة أربيل منطقة نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد ثلاث ساعات في السيارة والطرق الجبلية الوعرة والخطيرة والتي تتعرض فيها كل هدف مشبوه إلى استهداف من قبل الطيران التركي، حتى وصلت لآخر نقطة تفتيش من البيشمركة، لكن نقطة التفتيش وبعد تأخيري ساعات إضافية على ساعات الطريق، منعتني من العبور..

عدت خائبا لأجرب الوصول عن طريق قضاء قلعة دزة في محافظة السليمانية (منطقة نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني) تطلب مني ذلك نصف دورة كاملة حول جبل قنديل، كان النهار على وشك الوداع، وذلك بعد قطع نقاط تفتيش البيشمركة التابعين للاتحاد الوطني الكردستاني واحدة تلو الأخرى، لم تكن الحالة أفضل من منطقة نفوذ الحزب الديمقراطي، فها هي آخر نقطة أمنية للاتحاد الوطني تمنعني من العبور أيضا.. بت ليلتي في قرية نائية، مستفسرا من أهاليها حول مهرب يمكنه إيصالي إلى قرية قراتوكان مقابل مبلغ مادي، الأمر الذي تم بنجاح..

عملت تقريرا كاملا عن مدرسة مقصوفة ومدمرة وانهيت التقرير بالجلوس وسط انقاض المدرسة على بقايا مقعد صف مدمر كجلسة التلاميذ على المقعد، وعملت تقريرا آخرا وسط انقاض المستشفى والأدوية والأجهزة الطبية المدمرة، وتقريرا آخرا وسط عشرات من جثث المواشي، إضافة إلى مقابلات مع قرويين قتل أفراد من عائلاتهم، وتقارير أخرى عن بعض مواقع حزب العمال المدمرة أيضا، تطلب مني ذلك بقاء ثلاثة أيام وسط الثلوج والجبال وطرق التهريب التي أحيانا كادت تودي بنا إلى أودية سحيقة، وتجعلنا نسيا منسيا، هذه التقارير بثت في الجزيرة وأحدثت ضجة..


اتصال هاتفي من نيجيرفان..

بعد عودتي من تعب وإرهاق شديدين، وحاجتي لاستراحة أيام، إذا بي أنهض صباحا من فراشي على اتصال هاتفي، كان من السيد نيجيرفان البارزاني، دقات قلبي سبقت الترحيب بالاتصال، يا ترى ماذا سيكون ردي فيما إذا استفسر مني كيف دخلت وسبق أن منعوني من ذلك؟! أهذا هو جزاء سماحهم للجزيرة بالعمل، أخالف أوامرهم والقوانين التي لا تسمح بمثل ما قمت به؟!
- أحمد انا نيجيرفان..
- أهلا قوربان.. تفضل..
- هل دخلت مواقع الحزب؟
- نعم سيادة رئيس الوزراء..
- ألم نقل لك ممنوع الوصول إلى هناك؟
- بلا..
- إذن خالفت طلبنا.. (قالها ضاحكا)


لا أخفي عليكم بأنني كنت في أضعف مواقف الرد على السيد نيجيرفان، فحاولت توضيح الأمر له حول التحدي الذي واجهني وهو عدم اقتناع الجزيرة من شرحي مقابل شرح زميلي يوسف الشريف في أنقرة، الذي اعتمد على رواية الجانب التركي، واعتمدت أنا على بيان محافظة أربيل، إضافة إلى خبرتي بتلك المواقع وأن حزب العمال لا يملك قواعد عسكرية بمعى القاعدة والأبنية، هي مواقع جبلية من جبال واودية وكهوف.. وشرحت له أيضا المشقة التي واجهتني ومنعي من الدخول من جانب منطقتي نفوذ الديمقراطي والاتحاد الوطني، وعلى أنني دخلت عن طريق مهرب بعد قضاء ليلة في الانتظار، وبقاء نصف أسبوع في الجبال، وتحققت بنفسي من مواقع القصف..

استمع إلي السيد رئيس الوزراء بتمعن، ثم قال: اتصلت بك لأشكرك، وأشد على يديك، وعلى أنه أنت الصحفي الحقيقي، وأنك بتقاريرك تلك أنقذتنا من حرج كبير، لأن لا تركيا ولا السفارة الأمريكية في بغداد قد إقتنعتا بروياتنا لمواقع القصف، وعلى أن مدرسة ومستشفى ومواشي وقرويين تعرضوا للقصف، وأصرا على أن القصف كان على مواقع الحزب وليس ما أشرنا إليه.. لكن بعد تقاريرك تأكد للطرفين بأنه فعلا مدرسة ومستشفى كانت من بين الأهداف المقصوفة وأن بعض من قرويينا استشهد مع قتل مواشيهم.. وتفهما بياننا.. في تلك اللحظات خفت دقات قلبي ورجعت لطبيعتها، وشعرت حقيقة كيف يمكن أن يثلج الصدر.. وللمصادفة جائني بعد اتصال نيجيرفان اتصال آخر من صحفي بالسليمانية يقول لي كيف سمحوا لك بالدخول إلى هناك ويمنعون الآخرين! ثم طلب مني أن أشارك معهم في اعتصام لصحفيين على أطراف جبل قنديل لمنع السلطات لهم بالوصول إلى أماكن القصف.. قلت لهم لا أشارك في الاعتصام، لأنني فعلا وصلت إلى هناك..


في الختام..

قويت العلاقة بين نيجيرفان وبيني وكان يتصل شخصيا للاستفسار عن سير العمل معي، وكان داعما قويا لإزالة الشوائب في طريق عمل الجزيرة، فقد تعرضنا للكثير من المشاكل، منها كنا نُعتقل، نُضرب، نُمنع، لكنه شخصيا ومكتبه كانا يتدخلان لصالحنا.. التواصل بيننا وصل حتى الاستشارة في بعض الأمور الإعلامية، والسياسية، وبعد أن أنهيت عشرة أعوام مع الجزيرة في آذار من عام 2013، كنت قررت بتغيير وجهة عملي فتكفي عشرة سنوات عمل في مكان واحد، والتغيير ضروري ومهم، كان هو المبادر بأن أستمر وأن لا أترك هذه الثغرة المهمة، وهائنذا على وشك إنهاء سنتي السادسة عشر مع الجزيرة، ولا زلت.. وكردستان إعلاميا ليست تلك التي كانت مع بداية عملي للجزيرة (حيث لم تكن تمتلك حينها إعلاما فضائيا متخصصا في الأخبار) لكنها الآن تملك شبكة روداو الإعلامية على شاكلة شبكة الجزيرة، وقد احتلت أعلى مرتبة لها على الإعلام الكردي، والتي تنسب ملكيتها إلى السيد نيجيرفان البارزاني، اتمنى لروداو النجاح، وهي الأمنيات نفسها لنيجيرفان البارزاني بالنجاح والتوفيق في عمله الجديد كرئيس لإقليم كردستان..

المقال يعبر عن رأي الكاتب

1545