قراءة في مخرجات اجتماع موسكو بشأن الأزمة السورية

قراءة في مخرجات اجتماع موسكو بشأن الأزمة السورية

Mar 17 2023

قراءة في مخرجات اجتماع موسكو بشأن الأزمة السورية
عبداللطيف محمدأمين موسى

إن تسارع وتيرة الأحداث ودرامتيكية تطور المستجدات على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والاقتصادية وعلى بنية المجتمع السوري تُظهر لكل متتبع للشأن السوري حجم التعقيدات في صراع المصالح وتحقيق المكاسب الدولية والإقليمية على الأرض السورية وعلى حساب الشعب السوري ،ودون الأخذ في الاعتبار الحقوق البسيطة للشعب السوري في تعبير حقيقي عن حجم اللامبالاة و الأنانية وحب الذات والتجاهل الدولي والإقليمي، وكذلك في ضرب حقيقي وتجاهل لكافة المبادئ والحقوق الإنسانية الفردية والجماعية التي لابد أن تتوفر للشعب السوري بموجب كافة المواثيق والأعراف الدولية لحقوق الإنسان.

من خلال قراءة هذه الأحداث والمستجدات بشأن الأزمة السورية قراءة تحليلية دقيقة في حيثياتها نرى بأن الاجتماع الأخير الذي دعت اليه موسكو كلاً من النظام السوري وتركيا وإيران بشأن الأزمة السورية إنما تأكيد حقيقي لإعادة ترتيب المصالح والنفوذ وتوزيع الحصص بشأن الكعكة، وتجسيد ضمني لسلسلة من الأخفاقات الدبلوماسية أو غياب الرغبة الحقيقة في إيجاد حل للأزمة السورية و إنهاء معاناة الشعب السوري. اجتماع موسكو إنما تأكيد لسياسة المحاور في ظل الصراع العالمي على توسيع النفوذ ،وكرد على محور دبلوماسي موازي لمحور الحل الدبلوماسي الذي يقوده الغرب وأمريكا بشأن الأزمة السورية في جنيف، وكذلك تقييم في إنعكاس حقيقي لأزمات دولية أبرزها الصراع الروسي الغربي الأمريكي في الأزمة الاوكرانية، وكذلك في تعبير مرتبط بالأزمة الإيرانية الغربية في مفاوضات النووي الإيراني وأزمات إقليمية تتمثل بالصراع السعودي الإيراني وأزمة اليمن وكذلك الصراع التركي مع حزب العمال الكوردستاني عبر أيديولوجيتة الأخيرة في الشمال والشمال الشرقي السوري المتمثل بما تسمى الإدارة الذاتية النابعة من فكر وأيديلوجية أوجلان والتي تصنفها تركيا في خانة الإرهاب وتهديد حقيقي لأمنها وحدودها الجنوبية، وكذلك مناقشة ومحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية من وجهة نظر كل دولة مشاركة في الرباعية.

إن رباعية موسكو لا يمكن أن يتمخض عنها حلول سحرية بشأن أنهاء الأزمة السورية أو إيجاد حل جذري لها في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها العالم ومنطقة الشرق الأوسط بوجه الخصوص لما تواجهها من تحديدات وأزمات عديدة وتعقيدات وصراع كامن على المصالح وتوسيع النفوذ وتشابك الايديلوجية ،الأمر الذي يقودنا الى القول بأن الرباعية ستعيد التأكيد على أمور عديدة ومن أبرزها المحافظة على خفض التصعيد في سورية من خلال التأكيد على التزام كل الأطراف عبروكلائها في سورية كون تغير موازين القوى وتجديد النزاع والصراع العسكري على الارض السورية أمر يتجنبه كافة الأطراف المشاركة في الرباعية وبشكل طبيعي لا تخدم اجنداتها لأنها مقبلة على استحقاقات ولاسيما أتجاه الروس الى المزيد من الاستنزاف العسكري والاقتصادي والسياسي في صراعها مع الغرب من خلال الأزمة الاوكرانية، وبدورها تركيا مقبلة على انتخابات حاسمة لحزب العدالة والتنمية في استمرارية قيادة الحكم في تركيا، وكذلك حجم الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها إيران من خلال صراعها النووي مع الغرب والمشاكل في برنامج صواريخها البالستية والتي تحاول ايجاد منفس مع تلك الدول في مقايضات إقليمية مع السعودية لكسب بعض المكاسب مقابل تنازلات على حساب حليفتها الحوثي في الأزمة اليمنية.

لابد من الإشارة بأن في هذا الاجتماع سيبقى الخاسر الأكبر النظام السوري الذي برأي أرغم على المشاركة في هذه الرباعية من قبل الروس في إرضاء لتركيا سعياً منها في تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية عبر البوابة الإنسانية في مساعدة الشعب السوري في تسويق معاناة الزلزال المدمر لكسب العطف الدولي ومع شرعنة روسيا لهذا التسويق في بعض المحافل الدولية ،وكذلك عقلية النظام في تسويق بعض الأمور بما يخص الممانعة والسيادة وتوجيه رسائل لمؤيده في الداخل السوري في رفع معنوياتهم المنهارة في التسويق من خلال تمسك النظام السوري بالانسحاب التركي ووصفه المستمر بالاحتلال ومطالبته لتركيا بالأنسحاب من الأراضي السورية.

لابد من الإشارة بأن موسكو تحاول من خلال هذه الاجتماع التأكيد على نفوذها ومصالحها في سورية والتي تمثل آخر قلاعها في الشرق الأوسط عبر الدخول من هذه البوابة لتحقيق بعض المقايضات مع الغرب على حساب الدفع بالأزمة السورية من خلال استغلال نفوذها في أعادة تفعيل عمل اللجنة الدستورية وإطلاق جولة جديدة من المحادثات المشروطة بشأن هذه الأزمة، وكذلك إرضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لتحقيق بعض المكاسب على حساب النظام السوري عبر توجيه رسائل للداخل التركي مع اقتراب الانتخابات التركية.

في المحصلة، ستبقى هذا الاجتماع في موسكو مجردة من الخروج بحلول سحرية لإيجاد حل للأزمة السورية، وكما ستكون بمثابة التأكيد لاستمرار الخيبة واللاجدوة وغياب الإرادة الدولية الحقيقة لإيجاد حل لإنهاء معاناة السوريين متمثلة في أجتماعات دولية إقليمية للتأكيد على النفوذ والحفاظ على المصالح في ظل التمسك على عدم تضارب اجنداتها على حساب حقوق الشعب السوري، وكما سيبقى الأنفتاح الدولي على إيجاد تسوية شاملة للأزمة السورية، وإعادة إعمار سورية ورفع العقوبات عنها مرهون بأستعداد النظام السوري بالقبول في الأنخراط في العملية السياسية عبر استعداها لتنفيذ مخرجات جنيف من خلال تطبيق القرار الدولي ٢٢٥٤ وتحقيق الأنتقال السياسي في سورية وبرعاية اممية.

المقال يعبر عن رأي الكاتب

249