البحث عن الحقيقة أم تشويهها؟

البحث عن الحقيقة أم تشويهها؟

Jul 29 2024

البحث عن الحقيقة أم تشويهها؟
(الكاتب عندما ينضم للذباب الإلكتروني)
د. عبدالحكيم بشار
لن أتحدّث في هذه المقالة عن التّشهير الذي أتعرّض له شخصياً، وكذلك الأمر غيري في الحزب الذي أنتمي إليه، وأيضاً ما يتعرّض له المنتمون للمجلس الوطني الكردي من قِبَل مجموعة ما تزال تعيشُ في القاع بالرغم من أنّها تستخدم أحدثَ وسائل التواصل في الفضاء التقني، حيث لكلِّ واحدٍ منهم مآربه الخاصة، فمنهم مَن يلجأ إلى ذلك الأسلوب بسبب الحقد والغيرة التي أعمت بصائرهم، ومنهم مَن يقوم بذلك بتكليفٍ من أطرافٍ محددة، ومنهم ينتمون لجيش الذباب الإلكتروني الذي بات الفضاء التقني المكان المناسب للتجمُّع فيه بعد أن فقدوا أسباب الاجتماع على أرض الواقع.

حقيقةً كل هؤلاء المنتمين للحشد السلبي لا يهمُّني أمرهم كثيراً مهما كتبوا، ولكن ما يدعو للأسف هو أن هناك من يطلق على نفسه صفة الكاتب أو المثقف، ولكنه كثيراً ما يلجأ كالمراهق للكتابة بأسماء وهمية، وهذه الحالة لها مدلولاتها في هذا الزمن الذي سمح للمرء بالتعبير عن وجهة نظره بكل أريحية، حيث أن الشخص الذي لا يُعبّر عن نفسه بوضوح، ويختفي تحت الأسماء المستعارة هو أقل ما يقال عنه إنه شخص إشكالي لا يبحث عن الحقائق، إنما هدفه الطعن بهذا أو ذاك في الخفاء وفي الأزقة المعتمة، طالما كان مفتقداً الجرأة على قول ذلك بكلّ صراحة في وضح النهار.

لا شكّ في أن فضاء شبكات التواصل الاجتماعي مليء بهذه النماذج المذكورة في الأعلى، إلاَّ أن السيّئ في الأمر أن ترى الذي يعدُّ نفسه كاتباً أو مثقفاً بينما هو عملياً يتَّبع نفس أسلوب وآليات الذباب الإلكتروني في اختلاق المناسبات أو اقتطاع اللقطات من أجل إشباع رغبات الطّعن لديه، ومنه على سبيل الذكر، وليس الحصر، فقد اطّلعتُ في الفترة الأخيرة على صفحة أحدهم، حيث وجدتُ أن كتاباته متماسكة من جهة السبك والصياغة اللغوية، إلاَّ أن الرجل يفتقد المصداقية فيما يكتب، بما أنه كتب العديد من المقالات ضدي معتمداً فيها أسلوب التشهير فقط، منطلقاً من فرضيات يتخيّلها في ذهنه، ويربطها بمواقفَ مسبقةٍ، كما أنه يحاول تسخير أيّ حدثٍ أو مقال لإشباع رغبته في التهجُّم والتطاول، فهو لا ينظر إلى الكأس بتمامها إنما يرى أو يتخيّل القسم الفارغ من الكأس، إذ أنه لم يكتبْ أيَّ شيء عن لقائي مع هيلاري كلينتون وزير خارجية أمريكا الأسبق، ولا لقائي مع جون كيري وزير خارجية أمريكا الأسبق أيضاً، ولا لقائي مع وزير خارجية بريطانيا، ولا مع الرئيس الفرنسي السابق هولاند والحالي السيد ماكرون، ولم يتحدّث عن لقائي مع السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة السابق، ولا مع السيد انطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة، ولا مع السيد جون مكين المرشّح الرئاسي لأمريكا الذي خسر أمام أوباما، ولا تطرّق إلى لقائي في البيت الأبيض مع مستشار كلٍّ من السادة الرئيس أوباما ونائبه بايدن، حيث شارك معي في ذلك الاجتماع كل من السادة الدكتور كاميران حاج عبدو والدكتور وليد شيخو، ولم يكتب عن حضوري مؤتمر القمة العربية في آذار 2014 في الكويت ولقائي مع جميع الزعماء العرب المشاركين في القمة ـ

هذا غيضٌ من فيض لقاءاتي مع القادة وصُنّاع القرار وفي كل اللقاءات التي كانت القضية الكردية في سوريا حاضرة على الطاولةـ إذ أن الكاتب المذكور ترك كلّ ذلك، ونشر صورةً بقصد الإساءة لي، قسم منها مقطوع ويظهر في الصورة جلوسي إلى جانب ضابط سوري في بداية الحراك الجماهيري في البلد، وباعتبار أن المثقف الحقيقي هو الذي يبحث عن الحقيقة لذا فلو كان هدف الكاتب المذكور البحث عن الحقيقة لاستطاع الوصول إليها إن أراد، ولكنه لا يريد ذلك إنما يبدو لي أنه يتبع هواه، كما أن إرضاء نغمة الشارع لديه أهم من البحث عن الحقيقة.

أمّا عن حقيقة الصورة التي نشرها الكاتب المذكور فهي أن محافظ الحسكة قد زار خيمتي وقتذاك ليس بصفتي الشخصية وإنما بصفتي سكرتير الحزب آنذاك، وكان ذلك في نوروز عام 2011 أيّ بعد انطلاق الثورة بأقل من أسبوع، أي في الوقت الذي كان هذا الكاتب وأمثاله يرقصون على أنغام الأغاني والأهازيج أمام أيَّ رئيس مخفر.

وبخصوص اللقطة المصوَّرة تلك، فإن الآلاف شاهدوا وقتئذٍ أنني لم أتحرّك من خيمتي، ورفضتُ أن يذهب أحد من رفاقي لاستقبال موكب المحافظ الذي وقف بعيداً عن خيمة الحزب على الطريق المعبّد، وذلك لصعوبة وصول السيارات إلى خيمتنا بسبب وعورة المنطقة، كما أن هناك الكثير من الشهود على كلمتي التي نشرتها في ذلك الوقت، ولكني سأقول لهذا الكاتب إنني طلبتُ حينها من عريف الحفل الأخ محمد عبدي التّرحاب بالمحافظ، ووفده باللغة الكردية، وبعدها الترجمة للعربية، كما أن نصّ كلمتي ما يزال منشوراً في صفحتي على الفيس بوك هذا إن كانت الحقيقة تهمُّه بشيء.

أخيراً أقول:

ليس كلُّ مَن يكتب بشكلٍ جيد نصاً من النصوص هو مثقف، وليس كلُّ من أجاد كتابة المقالات يستحق لقب الناقد، بل هو شيء آخر طالما أنّه يجانب الصواب فيما يكتب، ولا يبحث عن الحقيقة، وطالما أنه يغضُّ بصره، ويغدو كالأعمى حيال الحقائق المنظورة أمامه، بل عن سبق الإصرار يتركُ الأدلّة والبراهين التي أمامه وينزل إلى مستوى الذباب الإلكتروني، ويكتفي فقط بنشر الصور المُزيّفة.


المقال يعبر عن رأي الكاتب

373